الرجال هم من يصنعون التاريخ وحتى بعد رحيلهم تبقى مساهماتهم بيننا... ولكن كبرياء الجهل بالمعطيات، وضعف الرؤية لدى البعض ممن نصب في مواقع قيادية هو السبب، ولكن السؤال الذي يبحث عن الإجابة هو: كيف وصل هؤلاء لمناصبهم القيادية؟
الواقع يشير إلى استنتاج واحد، وهو ان تأخر الدولة هو سبب جهلها بالثقافة، والمطلوب منها تجاه أبناء المنظومة الإدارية، وأفراد المجتمع، وتسييس طريقة الاختيار، هي السبب في كل مشكلة تبرز على الساحة.
في إحدى المقابلات ذكر قيادي تنفيذي أن الحكومة تفتقر إلى القيادة الجيدة، وذلك منسجم مع رأي كثير من القياديين التنفيذيين في القطاع الخاص حول سمات القائد الجيد: صاحب رؤية، قادر على التضحية لأجل العاملين معه (لاحظ عبارة معه وليس له) فمنظومة القطاع الخاص تعتمد على العمل الجماعي، جريء، يتميز بعاطفة إنسانية كبيرة المستوى، ومحقق للإنجازات، وكريم بقدر كرم العاملين للمنشأة، فهم مترابطون بشكل متين مع الإنتاجية والأرباح التي عملوا على تحقيقها!
الغريب ليس في إجماع القادة ولكن بعض الردود أجمعت على ان المناصب لا تدوم، وكل قائد يهدف إلى تحقيق رؤيته، ثم يأتي غيره ليكمل المسيرة، والمناصب في القطاع الحكومي تتصف بالقائد السوبرمان الذي لا يوجد له ما يذكر في علوم القيادة منذ البداية مع جيمز في العام 1886، ورغم أن كلمة قائد أضيفت للقاموس الإنكليزي «أكسفورد» في عام 1933 تبقى المسألة اجتهادية حسب فحوى وطبيعة السياق الذي يعمل فيه القائد... هذا بالنسبة للغرب، أما نحن فسلامتك، يبقى القيادي في منصبه في القطاع الحكومي إلى أبد الآبدين وكأنه خالد مخلد في منصبه، ولو سألته عن الإنجاز: لا شيء يذكر!
يقول لي أحدهم: يا أخي أي خصخصة واللي يعافيك... انظر إلى الكوادر وغياب القرار، فالقائد الفاقد لمفاهيم القيادة لا يمكن أن يضيف أي شيء... أي شيء، حتى في ظل توفر مواد دستورية تشدد على العدالة وتكافؤ الفرص نجدهم ضربوا بها عرض الحائط... وهم تركوا السياسة من دون هدي دستوري تتقدم بقصد تطوير الاقتصاد، بينما القاعدة الفعلية تقول ان الاقتصاد هو من يؤثر في السياسة، وانظر إلى الغرب لتتعلم أين هم وأين نحن!
إذا كان هذا جزءا بسيطا من تحليلنا المبدئي لعدد من المقابلات حول رأي بعض قياديي القطاع الخاص فماذا لو عرجنا إلى مفهوم الواسطة وكيف يرونها، ونظرتهم تجاه القانون الحاضر الغائب.
الحكاية يا سادة وسيدات المجتمع الكويتي في حاجة إلى معرفة ما نحن في حاجة إليه، كمعرفة ثقافة منشآتنا العامة، والسبل المفروض اتباعها لتوجيه الأيدي العاملة للقطاع الخاص، وهذا لن يتحقق ما دامت الرؤية، التضحيات، الإنجازات، العاطفة غير الشخصية، طبعاً ناهيك عن العمل ضمن الفريق الواحد غير متوافرة... وحتى البيوت الاستشارية حتى وإن استأنسنا برأيها فثقافتها تختلف وما يمكن تطبيقه في شركة أجنبية وليس دولة لا يمكن إلا ما ندر (ويعتبر هنا الأمر أشبه بالمعجزة) تطبيقه هنا في إحدى شركاتنا ودولتنا بوجه عام!
إذن: من يقود الآخر؟ رجال السياسة والقطاع العام، أم أصحاب الرؤى النيرة في القطاع الخاص الذي يعطي كل أمر ولو بسيط على مستوى العاطفة، وأهمية الشعور باحتياجات الآخرين قبل البوح بها؟ وطبعاً أجمع كل من قابلناهم على أهمية سن قوانين تضبط العمل، وتحمي الأيدي العاملة، وأسس لأخلاقيات المهنة كما هو متبع لدى رجال مهنتي الطب والقانون، وتنظيم العمل للبحث في إيجاد انسيابية في العمل ومعايير للأداء والتدقيق على المنشآت بشكل احترافي... وعليه يبقى القطاع العام هو المظلة التي تشرف على العمل في القطاع الخاص، ونعني هنا القطاع العام بعد تحريره من السلبيات التي أوردناها أعلاه.
بصريح العبارة، نحن نفتقد للنمط الثقافي المطلوب اتباعة والتعامل وفقه، نحن نفتقد للقيادة وهذا لا يعني أن القطاع الخاص مجرد من تلك السلبيات فنحن بشر في نهاية المطاف، ولكن ما يشهده القطاع العام المسيس أخطر بكثير على الجيل الحاضر والجيل القادم الذي نطرح دراستنا هذه لحمايته... والله المستعان!
تركي العازمي
كاتب ومهندس كويتي
terki_alazmi@hotmail.com