في الواجهة / البنوك تنتظر تحسّن أوضاع الشركات لتقرضها والشركات لا ترى حلاً إلا بالقروض!
حلقة الائتمان المفرغة مستمرة

الاقتصاد والبنوك ... من يتحرك أولاً؟ (تصوير موسى عياش)


| كتب رضا السناري |
أربعة أشهر مرت من العام 2010، شهد خلالها الائتمان أسوأ نمو منذ سنوات طويلة، وشهدت قروض الشركات ما هو أسوأ من السيئ. قبل أيام قال محافظ بنك الكويت المركزي الشيخ سالم عبدالعزيز الصباح في تصريح لـ «الراي» إن سياسته هي تشجيع نمو الائتمان من خلال إجراءات وسياسات عدة.
حين تسأل البنوك لماذا لا تظهر نتائج تلك السياسات تقول إن الشركات متخمة بالمشاكل، وحين تسأل الشركات تقول إن البنوك متخمة بالتشدد والتحفظ.
تلك هي الدائرة المفرغة بكامل عناصرها. البنوك تنتظر تحسن أوضاع الشركات لتقرض، والشركات تنتظر قروض البنوك لتتحسن أوضاعها!
عندما جلس مسؤولو شركات الاستثمار مع محافظ بنك الكويت المركزي منذ 18 شهرا تقريبا، لمناقشة الربكة الائتمانية التي سحبتها عليهم الأزمة المالية، ربما لم يعتقدوا ان ازمتهم مع البنوك ستطول، وانه سيتعين عليهم اكثر من مجرد مقابلة الشيخ سالم لتفادي ما يشبه الضوء الاحمر الذي أشهرته جميع المصارف في مرحلة لاحقة، باصرارها على تطبيق جميع الشروط المقررة بشأن منح التمويل دون تراخ مثلما كان يحدث سابقا.
وعلى الرغم من أن العلاقة الجديدة التي رسمتها الازمة بين البنوك والشركات لا تحمل الصفة المحلية، اذ انها تستدعي ذكريات مشابهة في اميركا واوروبا، وتصريحات الرئيس الاميركي باراك اوباما نفسه الذي لم يخف في اكثر من مناسبة تحفظه على ما اسماه بتشدد البنوك ائتمانيا، فإن مجرد ان تستمر معظم البنوك بقصد أو بغير قصد في تطبيق سياسة التشدد الائتماني، لا يكون السؤال المنطقي لماذا تفعل ذلك؟ بل إلى متى ستتحمل البنوك اغلاق «حنفية» الائتمان، وتحمل عبء كلفة الارتفاع في مستويات الودائع التي لديها؟
السبب البدهي أن البنوك تبقى حذرة في التوسع الائتماني في وقت مازالت القروض المتعثرة تسبب أرقاً لها. إذ إن نسبة تغطية القروض المتعثرة انخفضت من 124 في المئة لعام 2007 إلى 89 في المئة نهاية عام 2008 ومن ثم لتصل إلى أدنى مستوى لها وهو 68.3 في المئة في نهاية عام 2009، حيث بلغت إجمالي القروض المتعثرة نحو 3 مليارات دينار في نهاية عام 2009 مقارنة مع 1.48 مليار دينار و869 مليون دينار في نهاية عامي 2008 و2007 على التوالي. علما بان نسبة القروض المتعثرة ارتفعت الى إجمالي القروض من 2.9 في المئة نهاية عام 2007 إلى 5.7 في المئة و9.7 في المئة في نهاية عامي 2008 و2009 على التوالي.
وعلى عكس ما كان متوقعا، فمع ارتفاع مستويات السيولة التي تحولت في وقت لاحق إلى تحد بالنسبة لبعض المصارف، اخذ «دلال» البنوك فيما يخص تقنين عمليات الرفع المالي الصفة الشرعية، وتحول واقع العلاقة بين البنوك وشركات الاستثمار إلى مرحلة جديدة تحمل اسم «ممنوع الائتمان لغير العملاء المنتجين»، وهو ما غير اساس العلاقة الدارجة بين الطرفين إلى الحدود التي اتهمت فيها بعض الشركات البنوك ان ما تروجه من تحفيز ائتماني مجرد شعارات والواقع شيء آخر. وان بعض المصارف ترغب في تصفية قطاع الاستثمار لصالحها.
ومن وقتها بدأت العديد من الجهات الاستثمارية تفطن إلى الواقع الصعب الذي تواجهه، حيث حاولت العديد من الشركات اقناع المصارف بقوة مركزها المالي وانه ينطبق عليه الشروط الجديدة، بالرغم من دخل العديد غير المنتظم، املا أن تجد ضالته من الاموال بين البنوك التي تعاني أصلا منذ بداية الأزمة من تخمة في السيولة كما وصف الوضع ذات مرة محافظ بنك الكويت المركزي الشيخ سالم عبدالعزيز الصباح. الا ان البنوك تبدي حذراً في تلبية طلبات الائتمان.
التحرك اليائس من قبل جهات استثمارية قابلته البنوك بالرفض تارة وتقطيع الوقت تارة اخرى ساهم في تكوين طبقات متتالية من الديون، خصوصا مع العوائد المكونة من تأخر السداد وما يستلزمه على الجهات المدينة بقبول اسعار مرتفعة للفائدة، التي تعاني اصلا من تراجع معدلات الدخل. علما بان البنوك اقرت العديد من الطلبات الائتمانية لكن مجرد ان تسارع المصارف للاعلان عن قروض في الصحف مؤشر على تأزم الائتمان في السوق المحلي.
وتبدي بعض المصادر قلقها حيال قتامة الصورة الائتمانية بين البنوك والشركات، خصوصا وانه بعض البنوك تتداول همسا ان بعض الشركات لا تستحق البقاء، حتى ان قياديا في احد المصارف لا يجد حرجا في قول ان «بعض الشركات لا تستحق في معالجة أوضعاها الا برصاصة الرحمة»، فنتيجة للتزايد في وتيرة ارتفاع حجم القروض المتعثرة منذ بدء الأزمة المالية في سبتمبر 2008، أثقلت ميزانية القطاع بارتفاع قيمة القروض المشكوك في تحصيلها لتصل إلى 3 مليارات دينار مقابل.
واذا كانت ميزانيات البنوك شهدت تحسنا طفيفاً خلال عام 2009 لتصل صافي أرباحها إلى 356 مليون دينار استمرت المصارف في سياسة تجنيب مخصصات اضافية وصلت عن العام الماضي إلى 883 مليون دينار، مقابل إجمالي مخصصات بلغت في 2008 نحو 746 مليون دينار والتي بدورها شكلت ضغطاً كبيرا على مؤشرات الربحية والمركز المالي لبعض البنوك المحلية، والسبب ببساطة كما يراه المصرفي الشركات الرديئة.
وربما لن تحلم شركات الاستثمار او على الاقل غالبيتها بمن يخرج عليها من القطاع المصرفي ويعدها «بالمال المجاني» حيث يشير احد المصرفين في هذا الخصوص إلى ان مسؤولية اي بنك في المقام الاول تجاه المساهمين والمودعين، ومن ثم لا يمكن التفريط في حقوقهما بمنح تمويلات جديدة لمن لا يستحق، و«زيادة الطين بلة». ويضيف انه لا يمكن اتهام البنوك بالتشدد، فبعضها يتلهف على انجاز عمليات ائتمانية مع شركات منتجة وهذه الجهات تؤجل قرار التمويل.
ويطرح المصرفي تساؤلا؛ كيف للبنوك ان تمنح قروضا لجهات لا تملك حتى بيانات الميزانية العمومية؟ ويضيف، «لا تحملوا عبء خنقة التمويل على المصارف، فالحديث عن التشدد يجافي الموضوعية فلا يعقل ان تتشدد البنوك في ارزاقها، لكن في المقابل لا يمكن المخاطرة».
ويوضح المصرفي ان ربحية اي بنك قائمة على موردين اساسين، الاول عبارة عن فارق السعر بين الاقراض والايداع، والثاني العمولات المحققة على الاعمال المصرفية الأخرى، ومن هنا لا يمكن للبنوك ان تستغنى عن شباك الاقراض، فيما هي محملة بالودائع.
ماذا تفعل الشركات بالقروض؟
يلفت مصدر مصرفي إلى انه اذا كان البعض يعتقد ان على البنوك ان تقرض من اجل استرداد اموالها المتعثرة فهذا القول مردود عليه، فالسؤال المشروع امام هكذا تصور، ماذا ستفعل شركات الاستثمار المتعثرة بالأموال الجديدة، فاذا كانت تسعى لتغطية نفقاتها أو اعادة جدولة مديونتها فلن يكون ذلك مهضوما لدى البنوك ان لم يكن لدى هذه الجهات تدفقات نقدية يمكن من خلالها تقليل نسبة المخاطر، اما اذا كانت ترغب في الاقتراض من اجل الاقتراض فالبنك المركزي حظر منح تمويلات من دون غرضها الرئيسي، ولذلك هناك صعوبة في منح اي اموال من دون ان يكون لها غرض ائتماني واضح، وبالطبع لن يكون هذا الغرض تغطية نفقات أو دعم لحياة البعض لاطالة امد حياتهم في السوق.
أربعة أشهر مرت من العام 2010، شهد خلالها الائتمان أسوأ نمو منذ سنوات طويلة، وشهدت قروض الشركات ما هو أسوأ من السيئ. قبل أيام قال محافظ بنك الكويت المركزي الشيخ سالم عبدالعزيز الصباح في تصريح لـ «الراي» إن سياسته هي تشجيع نمو الائتمان من خلال إجراءات وسياسات عدة.
حين تسأل البنوك لماذا لا تظهر نتائج تلك السياسات تقول إن الشركات متخمة بالمشاكل، وحين تسأل الشركات تقول إن البنوك متخمة بالتشدد والتحفظ.
تلك هي الدائرة المفرغة بكامل عناصرها. البنوك تنتظر تحسن أوضاع الشركات لتقرض، والشركات تنتظر قروض البنوك لتتحسن أوضاعها!
عندما جلس مسؤولو شركات الاستثمار مع محافظ بنك الكويت المركزي منذ 18 شهرا تقريبا، لمناقشة الربكة الائتمانية التي سحبتها عليهم الأزمة المالية، ربما لم يعتقدوا ان ازمتهم مع البنوك ستطول، وانه سيتعين عليهم اكثر من مجرد مقابلة الشيخ سالم لتفادي ما يشبه الضوء الاحمر الذي أشهرته جميع المصارف في مرحلة لاحقة، باصرارها على تطبيق جميع الشروط المقررة بشأن منح التمويل دون تراخ مثلما كان يحدث سابقا.
وعلى الرغم من أن العلاقة الجديدة التي رسمتها الازمة بين البنوك والشركات لا تحمل الصفة المحلية، اذ انها تستدعي ذكريات مشابهة في اميركا واوروبا، وتصريحات الرئيس الاميركي باراك اوباما نفسه الذي لم يخف في اكثر من مناسبة تحفظه على ما اسماه بتشدد البنوك ائتمانيا، فإن مجرد ان تستمر معظم البنوك بقصد أو بغير قصد في تطبيق سياسة التشدد الائتماني، لا يكون السؤال المنطقي لماذا تفعل ذلك؟ بل إلى متى ستتحمل البنوك اغلاق «حنفية» الائتمان، وتحمل عبء كلفة الارتفاع في مستويات الودائع التي لديها؟
السبب البدهي أن البنوك تبقى حذرة في التوسع الائتماني في وقت مازالت القروض المتعثرة تسبب أرقاً لها. إذ إن نسبة تغطية القروض المتعثرة انخفضت من 124 في المئة لعام 2007 إلى 89 في المئة نهاية عام 2008 ومن ثم لتصل إلى أدنى مستوى لها وهو 68.3 في المئة في نهاية عام 2009، حيث بلغت إجمالي القروض المتعثرة نحو 3 مليارات دينار في نهاية عام 2009 مقارنة مع 1.48 مليار دينار و869 مليون دينار في نهاية عامي 2008 و2007 على التوالي. علما بان نسبة القروض المتعثرة ارتفعت الى إجمالي القروض من 2.9 في المئة نهاية عام 2007 إلى 5.7 في المئة و9.7 في المئة في نهاية عامي 2008 و2009 على التوالي.
وعلى عكس ما كان متوقعا، فمع ارتفاع مستويات السيولة التي تحولت في وقت لاحق إلى تحد بالنسبة لبعض المصارف، اخذ «دلال» البنوك فيما يخص تقنين عمليات الرفع المالي الصفة الشرعية، وتحول واقع العلاقة بين البنوك وشركات الاستثمار إلى مرحلة جديدة تحمل اسم «ممنوع الائتمان لغير العملاء المنتجين»، وهو ما غير اساس العلاقة الدارجة بين الطرفين إلى الحدود التي اتهمت فيها بعض الشركات البنوك ان ما تروجه من تحفيز ائتماني مجرد شعارات والواقع شيء آخر. وان بعض المصارف ترغب في تصفية قطاع الاستثمار لصالحها.
ومن وقتها بدأت العديد من الجهات الاستثمارية تفطن إلى الواقع الصعب الذي تواجهه، حيث حاولت العديد من الشركات اقناع المصارف بقوة مركزها المالي وانه ينطبق عليه الشروط الجديدة، بالرغم من دخل العديد غير المنتظم، املا أن تجد ضالته من الاموال بين البنوك التي تعاني أصلا منذ بداية الأزمة من تخمة في السيولة كما وصف الوضع ذات مرة محافظ بنك الكويت المركزي الشيخ سالم عبدالعزيز الصباح. الا ان البنوك تبدي حذراً في تلبية طلبات الائتمان.
التحرك اليائس من قبل جهات استثمارية قابلته البنوك بالرفض تارة وتقطيع الوقت تارة اخرى ساهم في تكوين طبقات متتالية من الديون، خصوصا مع العوائد المكونة من تأخر السداد وما يستلزمه على الجهات المدينة بقبول اسعار مرتفعة للفائدة، التي تعاني اصلا من تراجع معدلات الدخل. علما بان البنوك اقرت العديد من الطلبات الائتمانية لكن مجرد ان تسارع المصارف للاعلان عن قروض في الصحف مؤشر على تأزم الائتمان في السوق المحلي.
وتبدي بعض المصادر قلقها حيال قتامة الصورة الائتمانية بين البنوك والشركات، خصوصا وانه بعض البنوك تتداول همسا ان بعض الشركات لا تستحق البقاء، حتى ان قياديا في احد المصارف لا يجد حرجا في قول ان «بعض الشركات لا تستحق في معالجة أوضعاها الا برصاصة الرحمة»، فنتيجة للتزايد في وتيرة ارتفاع حجم القروض المتعثرة منذ بدء الأزمة المالية في سبتمبر 2008، أثقلت ميزانية القطاع بارتفاع قيمة القروض المشكوك في تحصيلها لتصل إلى 3 مليارات دينار مقابل.
واذا كانت ميزانيات البنوك شهدت تحسنا طفيفاً خلال عام 2009 لتصل صافي أرباحها إلى 356 مليون دينار استمرت المصارف في سياسة تجنيب مخصصات اضافية وصلت عن العام الماضي إلى 883 مليون دينار، مقابل إجمالي مخصصات بلغت في 2008 نحو 746 مليون دينار والتي بدورها شكلت ضغطاً كبيرا على مؤشرات الربحية والمركز المالي لبعض البنوك المحلية، والسبب ببساطة كما يراه المصرفي الشركات الرديئة.
وربما لن تحلم شركات الاستثمار او على الاقل غالبيتها بمن يخرج عليها من القطاع المصرفي ويعدها «بالمال المجاني» حيث يشير احد المصرفين في هذا الخصوص إلى ان مسؤولية اي بنك في المقام الاول تجاه المساهمين والمودعين، ومن ثم لا يمكن التفريط في حقوقهما بمنح تمويلات جديدة لمن لا يستحق، و«زيادة الطين بلة». ويضيف انه لا يمكن اتهام البنوك بالتشدد، فبعضها يتلهف على انجاز عمليات ائتمانية مع شركات منتجة وهذه الجهات تؤجل قرار التمويل.
ويطرح المصرفي تساؤلا؛ كيف للبنوك ان تمنح قروضا لجهات لا تملك حتى بيانات الميزانية العمومية؟ ويضيف، «لا تحملوا عبء خنقة التمويل على المصارف، فالحديث عن التشدد يجافي الموضوعية فلا يعقل ان تتشدد البنوك في ارزاقها، لكن في المقابل لا يمكن المخاطرة».
ويوضح المصرفي ان ربحية اي بنك قائمة على موردين اساسين، الاول عبارة عن فارق السعر بين الاقراض والايداع، والثاني العمولات المحققة على الاعمال المصرفية الأخرى، ومن هنا لا يمكن للبنوك ان تستغنى عن شباك الاقراض، فيما هي محملة بالودائع.
ماذا تفعل الشركات بالقروض؟
يلفت مصدر مصرفي إلى انه اذا كان البعض يعتقد ان على البنوك ان تقرض من اجل استرداد اموالها المتعثرة فهذا القول مردود عليه، فالسؤال المشروع امام هكذا تصور، ماذا ستفعل شركات الاستثمار المتعثرة بالأموال الجديدة، فاذا كانت تسعى لتغطية نفقاتها أو اعادة جدولة مديونتها فلن يكون ذلك مهضوما لدى البنوك ان لم يكن لدى هذه الجهات تدفقات نقدية يمكن من خلالها تقليل نسبة المخاطر، اما اذا كانت ترغب في الاقتراض من اجل الاقتراض فالبنك المركزي حظر منح تمويلات من دون غرضها الرئيسي، ولذلك هناك صعوبة في منح اي اموال من دون ان يكون لها غرض ائتماني واضح، وبالطبع لن يكون هذا الغرض تغطية نفقات أو دعم لحياة البعض لاطالة امد حياتهم في السوق.