خيرالله خيرالله / أكبر من ملتقى... وأكثر من حراك في الكويت!

تصغير
تكبير
لم يكن اختيار عنوان محدد لـ «الملتقى الإعلامي العربي» الذي استضافته الكويت قبل أيام عن عبث. كان عنوان الملتقى السابع من نوعه إشارة إلى الرغبة في الارتباط بالمستقبل. أكثر من ذلك، أراد الأمين العام للملتقى الزميل ماضي الخميس، وهو دينامو اللقاء، أن يكون شعار «الإعلام... التكنولوجيا والاتصال» نافذة تواصل بين الإعلاميين العرب من جهة، والتطورات التي يشهدها العالم على كل الصعد من جهة أخرى. ساعد الملتقى في الانفتاح العربي عموماً والكويتي والخليجي خصوصاً على كل ما له علاقة بالإطلال على الآخر بعيداً عن أي نوع من التزمت والعقد. شكل الملتقى، للناظر إليه من بعيد ومن خارج الكويت، خطوة متواضعة ولكن مهمة في هذا الاتجاه نظراً إلى أن البحث تناول الارتباط بين ثورة الاتصالات والحياة اليومية للمواطن العربي، بما في ذلك الدين والسياسة. وكان لافتاً في هذا السياق كلام الدكتور عبد العزيز الخوجة وزير الإعلام والثقافة السعودي، الذي شارك في الملتقى، عن أن «ثورة الاتصالات ساعدت على ديموقراطية المعرفة وتطوير كل أشكال الحياة بما في ذلك الدين، والسياسة، والمجتمع، والأدب، والتسلية، والتعليم، كما كسرت مجتمع النخبة». عكست كلمة الوزير السعودي وجود رغبة حقيقية في التغيير داخل المملكة، لعل أفضل تعبير عنها التركيز على التربية والتعليم، وانشاء جامعات جديدة بمبادرة من الملك عبدالله بن عبد العزيز.

مرة أخرى، هي الكويت. ففيها ومنها يعود الزمان إلى عصر مضى حيث الدور كان أكبر من المساحة، والرسالة أسرع من دوي الأزمات، والوقت أهم من الجدال. قبل أربعة عقود، كانوا يتندرون بالقول ان الكويت «دولة عظمى»، وأن في العالم قوتين عظميين يحسب لهما حساب، إلى جانب قوة ثالثة هي الكويت. وقتذاك، كانت الكويت الدولة الوحيدة في المنطقة التي انفتحت على الشرق والغرب، على المعسكرين الأميركي والسوفياتي، وفتحت أرضها لكل الأفكار والتيارات، واحتضنت المقاومة الفلسطينية بكل اتجاهاتها ومدارسها. فيها ولدت «فتح»، وفيها تصارعت كل الأفكار. لم يمنعها ذلك، في تلك المرحلة من نسج أفضل العلاقات مع الولايات المتحدة والدول الاوروبية والاتحاد السوفياتي والدول الدائرة في فلكه. كان مجرد ذكر الاتحاد السوفياتي في تلك الأيام يثير الذعر في منطقة الخليج، ويثير كلاماً عن عن ارتباط ما بـ «الشيوعية الملحدة».

كذلك، كان اقتصاد الكويت مزيجاً من الرأسمالية والاشتراكية. فالقطاع الخاص، والتجار، ورجال الأعمال قوة مؤثرة سياسياً واقتصادياً واجتماعيا، ولكن كانت ضوابط «العدالة» التي يفرضها النظام مع سياسات الدعم والتأمينات تفوق مثيلاتها في الدول ذات الأنظمة الاشتراكية!

بين الحرب العراقية الإيرانية (1980- 1988)، وحرب العراق على الكويت في العام 1990، والغزو، والتحرير، وحروب العالم على الإرهاب، وإطاحة النظام العراقي، كان صعباً على الكويت المحافظة على تجربتها والابقاء على فرادتها. هناك استحقاقات يصعب الوقوف فيها على الحياد. حيال هذا النوع من الاستحقاقات، يسقط علم الحياد، خصوصاً أن هناك بلداً احتله «الشقيق» واستباحه وبات في حاجة إلى أعوام لإعادة البناء. لم يكن الأمر يتعلق بالحجر فقط. كان يتعلق بالإنسان الكويتي أيضاً الذي كان عليه أن يعاني من مأساة ظلم «الشقيق»، وأن يبذل جهوداً جبارة لتجاوز ما تركه الغزو في النفوس والمشاعر...

لكنها الكويت، التي تقف مرة أخرى منتصبة مستعيدة الدور والرسالة خصوصاً أن أميرها الشيخ صباح الأحمد يعتبر المهندس الحقيقي لهذا الدور وتلك الرسالة في العقود الماضية. الكويت الآن هي المصالحات العربية التي غيّرت شكل السياسة في الشرق الأوسط، وهي في الوقت ذاته شبكة العلاقات الدولية الواسعة القائمة على الصراحة والمصارحة. لكن ما قد يكون أهم من ذلك كله، أن هناك حراكاً داخل الكويت نفسها على خطى الاصلاحات الديموقراطية وخطط التنمية التي يفترض أن تنقل البلاد من مرحلة إلى أخرى إذا قيّض لها أن تنطلق من دون معوقات. هناك، على سبيل المثال وليس الحصر، برامج الخصخصة، وقوانين المرأة، وحقوق الإنسان، والانفتاح الإعلامي في ظل قوانين عصرية تأخذ في الاعتبار ما أسفرت عنه الثورة التكنولوجية.

لابدّ من الاعتراف بأن الصورة في الكويت ليست وردية بالكامل. لكن القطار يتحرك في الوجهة الصحيحة وإن كان ذلك يحصل ببطء. وهذا ما يفسّر إلى حد كبير الكلام الذي لا سابق له لسمو أمير الكويت إلى صحيفة ألمانية عن شعور بالخيبة من أداء مجلس الأمة (البرلمان الكويتي). حمّل الشيخ صباح الأحمد البرلمان جزءاً من مسؤولية تعطيل المشاريع التنموية، وتطرق إلى الدستور الذي «جمع بين النظامين البرلماني والرئاسي ما أدّى إلى تداخل السلطات، وأصبح البرلمان أقوى من الحكومة وتمكن من فرض آرائه». تحدث أمير الدولة بوضوح عن أن هدف النواب بات «ارضاء الشارع بقرارات سريعة ترضي المشاعر لا المنطق» وقد أعاق ذلك الوصول إلى «توافق في شأن المسائل الوطنية الرئيسية».

حدد الشيخ صباح بعض بواطن العلل التي تعاني منها الكويت. لم يعبر صراحة عن حزن واستياء دفينين فحسب، بل أكد وجود إرادة تغييرية لابدّ من أن تتضح معالمها شيئاً فشيئاً في الأيام الآتية. هناك بكل بساطة حراك داخلي كبير. حراك جريء لم يعد يخشى التطرق إلى ما كان يعتبر في الماضي من المحرمات. باختصار، لم يعد الارهاب الفكري يخيف أصحاب الطروحات المرتبطة بالمستقبل الأفضل. كذلك لم تعد يخيف هؤلاء أصحاب الطروحات المتزمتة، ولا اللعب بالأوراق المذهبية والطائفية والقبلية.

سمح الملتقى الإعلامي العربي السابع الذي استضافته الكويت بما طرح فيه من أفكار النظر إلى تطور الدولة من زاوية مختلفة. انها زاوية النهج الجديد الذي بدأت تظهر معالمه شيئاً فشيئا. هل يعيد هذا النهج الى الكويت الدور ويطلق الرسالة...

وصولاً إلى مرحلة أخرى أكثر اختلافاً وأكثر تقدما؟ ما شهدناه في الكويت كان أكبر من ملتقى... وأكثر من حراك!



خيرالله خيرالله

كاتب لبناني مقيم في لندن
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي