من مقتل فخر الدين إلى شرارة 13 أبريل 1975
محطة / «كتب من الميدان»... معرض يختصر الذاكرة اللبنانية لتنقيتها

من الكتب


| بيروت - من محمد بركات |
ليس دقيقاً أنّ «السيف أصدق أنباء من الكتب» على قول الشاعر ابي تمام. فأحياناً الكتب هي التي تصنع السيوف وتوجّهها.
هذا الأمر تنبه له الناشط لقمان سليم، المشرف على مشاريع «أمم للتوثيق والأبحاث»، تلك المنظمة التي تعمل على «خلق إدارة لذاكرة النزاعات اللبنانية» بحثا عن «سياسة للذاكرة»، وذلك عبر «رسم نقاش حقيقي وتفصيلي بعيداً من النقاش العام، الأمر الذي يستلزم التوثيق وليس الحديث العام عن الحرب».
في هذا الاطار، جاء معرض «كتب من الميدان مشاهد من أدبيات الحرب» في ذكرى اندلاع الحرب في 13 ابريل 1975 راسماً «خريطة طريق» للكتب التي تناولت الحرب أو تناولتها الحرب.
في «هنغار أمم» في الضاحية الجنوبية لبيروت، معرض جداريات تروي الحرب، بدءاً بكتاب يحمل توقيع «لبناني عتيق» عنوانه «خواطر وعبر»، يطرح سؤالاً طريفاً عما إذا كانت الحرب اللبنانية المتناسلة قد بدأت في13 ابريل 1975 أو في 13 ابريل 1635.
لكن السؤال الطريف لا يخلو من الجدّية. ففي 13 ابريل 1635 قتل الأمير فخر الدين في الآستانة، واستمرّت المكائد والحروب بين اللبنانيين إلى يومنا. وليس غريبا أن يصدر الكتاب العام 1977 أي بعد سنتين من بدء الحرب في شكل رسمي العام 1975.
مواجهات وخطف وقتل
اضافة الى هذا الكتاب هناك كتب بعضها نادر، مثل واحد يروي عن المواجهة الأولى بين حزبي الكتائب والسوري القومي الاجتماعي في منطقة الجميزة «شرق بيروت» العام 1949 ما تلى ذلك من الحكم على الزعيم القومي أنطون سعادة بالإعدام.
بعدها، يقودك المعرض الى روايات سريعة ومقتضبة وخلاصات عن كتب تروي «القطيعة مع سورية»، ثم تحكي عن عهد فؤاد شهاب، فتبادل الخطف في الخمسينات، فضلاً عن كتب تشرح لزائر المعرض كيف بدأ اللبنانيون باكراً باستعمال شهداء سابقين لإسقاطهم على مسيرات الأحزاب، مثل كتاب «نقدات أبو الحن» الصادر في السبعينات عن خطف صحافي لقبه «أبو الحن» العام 1958 وعدم العثور على جثته.
وفي الجولة كتاب يتحدث عن العهد الشهابي والمكتب الثاني (الاستخبارات اللبنانية في ذلك العهد)، صدر مثيل له العام 2005 بتوقيع الصحافي نقولا ناصيف، حين «كانت ترتفع وصاية جهاز أمني على البلد كما في أيام فؤاد شهاب»، على قول سليم.
وفي مرحلة ما قبل الحرب، اي في الستينات والسبعينات، تصادف كتباً عن اغتيال الصحافي كامل مروة وعن أزمة بنك إنترا. واللافت أنّ هذه الأزمة كتب عنها في السبعينات يمينيون ويساريون، مجمعين على أنها أزمة نظام وليست مجرد أزمة مصرف.
والعام 1969 وقع اتفاق القاهرة، ويواكب تلك المرحلة كتيب يخرج مخيم نهر البارد في شمال لبنان إلى «سطح» الحديث اللبناني للمرة الأولى، مع حصول مناوشات فيه للمرة الأولى.
وهناك ايضاً رسائل حركة «فتح» الأولى إلى الشعب اللبناني وبروز شخصيات نادت بالقومية العربية مثل كمال شاتيلا، توازيها كتب عن الحركات المطلبية في السبعينات وصولاً إلى الصراع الأيديولوجي بين القومية اللبنانية و«الأحزاب الوطنية» كخريطة طريق إلى الحرب.
ونصل الى الحرب مع كتب «الحركة الوطنية» من جهة والكتائب من جهة اخرى، واخرى تستعيد الشهداء وتمجّدهم، او تتحدث عن «الإنعزالية»، الكلمة التي أعاد إحياءها اخيراً الزعيم الدرزي وليد جنبلاط. ولا تغيب حرب الإذاعات ونصوص تمجّد القتل، لمثقفين برزوا بعد انتهاء الحرب كعلمانيين. فهناك خطاب، في احتفال كتائبي، لشارل مالك في السبعينات يدعو فيه إلى قتل اليساريين والمسلمين، وآخر لفواز طرابلسي يدعو فيه إلى قتل الإنعزاليين.
ويتضمن المعرض كتباً تؤرّخ لحركات إشكالية مثل «حراس الأرز» الذين يدعون إلى «قتل الغرباء والمسلمين والصحافيين المأجورين»، وصولاً إلى كتب منشورة حديثاً تدور في الفلك نفسه.
ثلاث طبقات
يوضح سليم ان المشروع ليس معرضاً فقط وله ثلاث طبقات: «الطبقة الأولى ما تراه على الجدران، وهي طريقة لإعادة رواية محطات من تاريخ لبنان عبر مجموعة منشورات معظمها كتب أو كتيبات. والطبقة الثانية تكمن في تحويل هذه الكتب والوثائق ملفات رقمية غير قابلة للإندثار وقابلة للتداول. ثم هناك الطبقة الثالثة التي تقوم على استعمال المعرض على الجدران والملفات الرقمية كاداة تضاف إلى ملف النقاش حول الحرب بهدف إدارة ذاكرة نزاعاتنا».
في المعرض ايضا كتب لأسماء مفاجئة، مثل كتاب للنائب السابق ناصر قنديل، وقد كان مغمورا يومها، بعنوان «6 شباط الثورة التي لم تنته»، وكتب «تفضح» مؤلفين جيروا أقلامهم في الحرب للتحريض على القتل، مثل «دفاعاً عن الجبل» أو «نعم للقتال... لا للتسوية الإستسلامية» و«صحوة الموارنة» و«الإنعزالية اللبنانية، من الجريمة إلى الانتحار» و«عين الرمانة، بطولة وصمود» وغيرها.
وبذلك، يبدأ المعرض بمقتل الأمير فخر الدين في الآستانة قبل نحو 400 عام وصولاً الى يومنا هذا، «والمشروع لم ينته، بل هو مستمرّ في التراكم»، على قول سليم.
ليس دقيقاً أنّ «السيف أصدق أنباء من الكتب» على قول الشاعر ابي تمام. فأحياناً الكتب هي التي تصنع السيوف وتوجّهها.
هذا الأمر تنبه له الناشط لقمان سليم، المشرف على مشاريع «أمم للتوثيق والأبحاث»، تلك المنظمة التي تعمل على «خلق إدارة لذاكرة النزاعات اللبنانية» بحثا عن «سياسة للذاكرة»، وذلك عبر «رسم نقاش حقيقي وتفصيلي بعيداً من النقاش العام، الأمر الذي يستلزم التوثيق وليس الحديث العام عن الحرب».
في هذا الاطار، جاء معرض «كتب من الميدان مشاهد من أدبيات الحرب» في ذكرى اندلاع الحرب في 13 ابريل 1975 راسماً «خريطة طريق» للكتب التي تناولت الحرب أو تناولتها الحرب.
في «هنغار أمم» في الضاحية الجنوبية لبيروت، معرض جداريات تروي الحرب، بدءاً بكتاب يحمل توقيع «لبناني عتيق» عنوانه «خواطر وعبر»، يطرح سؤالاً طريفاً عما إذا كانت الحرب اللبنانية المتناسلة قد بدأت في13 ابريل 1975 أو في 13 ابريل 1635.
لكن السؤال الطريف لا يخلو من الجدّية. ففي 13 ابريل 1635 قتل الأمير فخر الدين في الآستانة، واستمرّت المكائد والحروب بين اللبنانيين إلى يومنا. وليس غريبا أن يصدر الكتاب العام 1977 أي بعد سنتين من بدء الحرب في شكل رسمي العام 1975.
مواجهات وخطف وقتل
اضافة الى هذا الكتاب هناك كتب بعضها نادر، مثل واحد يروي عن المواجهة الأولى بين حزبي الكتائب والسوري القومي الاجتماعي في منطقة الجميزة «شرق بيروت» العام 1949 ما تلى ذلك من الحكم على الزعيم القومي أنطون سعادة بالإعدام.
بعدها، يقودك المعرض الى روايات سريعة ومقتضبة وخلاصات عن كتب تروي «القطيعة مع سورية»، ثم تحكي عن عهد فؤاد شهاب، فتبادل الخطف في الخمسينات، فضلاً عن كتب تشرح لزائر المعرض كيف بدأ اللبنانيون باكراً باستعمال شهداء سابقين لإسقاطهم على مسيرات الأحزاب، مثل كتاب «نقدات أبو الحن» الصادر في السبعينات عن خطف صحافي لقبه «أبو الحن» العام 1958 وعدم العثور على جثته.
وفي الجولة كتاب يتحدث عن العهد الشهابي والمكتب الثاني (الاستخبارات اللبنانية في ذلك العهد)، صدر مثيل له العام 2005 بتوقيع الصحافي نقولا ناصيف، حين «كانت ترتفع وصاية جهاز أمني على البلد كما في أيام فؤاد شهاب»، على قول سليم.
وفي مرحلة ما قبل الحرب، اي في الستينات والسبعينات، تصادف كتباً عن اغتيال الصحافي كامل مروة وعن أزمة بنك إنترا. واللافت أنّ هذه الأزمة كتب عنها في السبعينات يمينيون ويساريون، مجمعين على أنها أزمة نظام وليست مجرد أزمة مصرف.
والعام 1969 وقع اتفاق القاهرة، ويواكب تلك المرحلة كتيب يخرج مخيم نهر البارد في شمال لبنان إلى «سطح» الحديث اللبناني للمرة الأولى، مع حصول مناوشات فيه للمرة الأولى.
وهناك ايضاً رسائل حركة «فتح» الأولى إلى الشعب اللبناني وبروز شخصيات نادت بالقومية العربية مثل كمال شاتيلا، توازيها كتب عن الحركات المطلبية في السبعينات وصولاً إلى الصراع الأيديولوجي بين القومية اللبنانية و«الأحزاب الوطنية» كخريطة طريق إلى الحرب.
ونصل الى الحرب مع كتب «الحركة الوطنية» من جهة والكتائب من جهة اخرى، واخرى تستعيد الشهداء وتمجّدهم، او تتحدث عن «الإنعزالية»، الكلمة التي أعاد إحياءها اخيراً الزعيم الدرزي وليد جنبلاط. ولا تغيب حرب الإذاعات ونصوص تمجّد القتل، لمثقفين برزوا بعد انتهاء الحرب كعلمانيين. فهناك خطاب، في احتفال كتائبي، لشارل مالك في السبعينات يدعو فيه إلى قتل اليساريين والمسلمين، وآخر لفواز طرابلسي يدعو فيه إلى قتل الإنعزاليين.
ويتضمن المعرض كتباً تؤرّخ لحركات إشكالية مثل «حراس الأرز» الذين يدعون إلى «قتل الغرباء والمسلمين والصحافيين المأجورين»، وصولاً إلى كتب منشورة حديثاً تدور في الفلك نفسه.
ثلاث طبقات
يوضح سليم ان المشروع ليس معرضاً فقط وله ثلاث طبقات: «الطبقة الأولى ما تراه على الجدران، وهي طريقة لإعادة رواية محطات من تاريخ لبنان عبر مجموعة منشورات معظمها كتب أو كتيبات. والطبقة الثانية تكمن في تحويل هذه الكتب والوثائق ملفات رقمية غير قابلة للإندثار وقابلة للتداول. ثم هناك الطبقة الثالثة التي تقوم على استعمال المعرض على الجدران والملفات الرقمية كاداة تضاف إلى ملف النقاش حول الحرب بهدف إدارة ذاكرة نزاعاتنا».
في المعرض ايضا كتب لأسماء مفاجئة، مثل كتاب للنائب السابق ناصر قنديل، وقد كان مغمورا يومها، بعنوان «6 شباط الثورة التي لم تنته»، وكتب «تفضح» مؤلفين جيروا أقلامهم في الحرب للتحريض على القتل، مثل «دفاعاً عن الجبل» أو «نعم للقتال... لا للتسوية الإستسلامية» و«صحوة الموارنة» و«الإنعزالية اللبنانية، من الجريمة إلى الانتحار» و«عين الرمانة، بطولة وصمود» وغيرها.
وبذلك، يبدأ المعرض بمقتل الأمير فخر الدين في الآستانة قبل نحو 400 عام وصولاً الى يومنا هذا، «والمشروع لم ينته، بل هو مستمرّ في التراكم»، على قول سليم.