مشاهد / عفوا شهرزاد

u064au0648u0633u0641 u0627u0644u0642u0639u064au062f
يوسف القعيد
تصغير
تكبير
| يوسف القعيد |

كم من مرة لا بد من الاعتذار فيها لشهرزاد؟!

الخجل أهم ما يمكن أن يعبر عن نفسه من خلال هذا الاعتذار... ليس المهم ما فات، ولا الراهن، لكن السؤال الجُرح هو: كم من مرة مقبلة لا بد من الاعتذار فيها لشهرزاد؟!**

حمرة الخجل تظهر على كل مكان في وجهي، عمر الإنسان قصير. ومع هذا أتذكر أنني عاصرت الكثير من مشاكل وأزمات شهرزاد، ولكن الحقيقة تؤكد أنني عاصرت الكثير من الاهتمام بها، سواء في الدراسات عنها، أو الأعمال الفنية المأخوذة عن حكاياتها... لدرجة أنها تعدت الوطن العربي والعالم الإسلامي. إلى الدنيا كلها.

قال لي أحد المهتمين بالترجمة: إن ترجمات ليالي شهرزاد إلى لغات العالم توشك أن تحتل مكانا متقدما بالنسبة للأعمال التي يقدم العالم على ترجمتها عن لغتنا العربية.. ربما كانت الثالثة، ربما كانت الرابعة في ترتيب عدد مرات الترجمة للغات العالم، بل إن هناك أكثر من ترجمة للغة واحدة في بعض الأحيان. لأن مع شموخ النص وعظمته وعملقته تصبح ترجمته درسا من دروس الترجمة.

في المسرح لدينا مسرحيات كثيرة... سر شهرزاد لعلي أحمد باكثير، وشهريار لعزيز أباظة... وفي الرواية ليالي ألف ليلة لنجيب محفوظ. ووصل الأمر إلى الموسيقار الروسي ريمسكي كورسكاكوف... في قصيده السيمفوني النادر: شهرزاد، وهو العمل الخالد الذي نفذ صاحبه إلى جوهر الليالي بطريقة تتعدى حدود الإعجاز الإنساني في الإبداع. والأخطر في حالة كورساكوف... أن صاحب القصيد السيمفوني.. لم يعش في شوارع بغداد ولا حواري القاهرة. وربما لم ير في الهند. وهي الأماكن التي جرت فيها الحكايات وأحداثها المثيرة. ومع هذا يبقى للإبداع الإنساني أسراره التي لم يتوصل إليها أحد من قبل.

مع العلم فإن ريمسكي كورساكوف الموسيقار الروسي... عاش في ظل الاتحاد السوفياتي السابق... ووصلته الليالي وتأثر بها وكتب عنها قصيده السيمفوني الذي خلده أكثر مما خلد شهرزاد والليالي.

إنهم يطلون علينا هذه المرة مجموعة من المحامين الشبان، لن أدون أسماءهم، لأن هدفهم من التحرك الشهرة والذيوع والانتشار، الذي يحولونه إلى مكاسب مالية بلا حدود بعد هذا، لم أسأل إن كان مكتبهم مرخصا أم لا؟ لأن مثل هذه الأساسيات الجوهرية قد لا تعنيهم، وهم من الأجيال الجديدة التي لم تقرأ حرفا واحدا من هذه الآثار الإنسانية النادرة. إنهم في شكواهم يصفون «ألف ليلة وليلة» بالكتاب المشين، ثم انظر كيف يشيرون إليه؟ إنهم يقولون: كتاب يقال عنه. أعتقد أن روح شهرزاد حدثت لها حالة من القلق عندما سمعت هذا الكلام. ثم يرمون العمل بالفسق والفجور والتهم الجنسية قديمة قدم الليالي نفسها.

ولكن الجديد تهمة لم ترد من قبل... ألا وهي ازدراء الأديان. وإليك التفصيل الذي يمكن أن يثير السخرية: إنهم يقولون في الشكوى إن أحد أبطال الليالي عندما رأى فتاة جميلة في شوارع بغداد. صاح قائلا كأنه رأى ليلة القدر في منامه. وهذا تعبير شعبي. إن الإنسان عندما يصادفه أي شيء سعيد في الحياة. حتى لو وجد مبلغا من المال في الشارع يتساءل: هل رأيت ليلة القدر؟ لا أعتقد أن هذا السؤال لا يمكن أن يعد ازدراءً للأديان بأي حال من الأحوال. لأن التعبير الشعبي لا يعرض لليلة القدر. ولا يهاجمها. بل يعتبرها فأل خير ودليل سعادة. ألا يعد من قمة الإيمان أن الإنسان عندما يجد شيئا حسنا في الحياة يتساءل: هل رأيت ليلة القدر حتى يصادفني هذا الشيء الحسن؟ إن هذا الكلام فيه إعلاء من شأن ليلة القدر ولا تقليل لقدرها. فهي الليلة التي تعد خيرا من ألف شهر.

يطرح الواقع المصري أسئلة على المصريين، ومعظم هذه الأسئلة قد لا تجد إجابات عنها، ولكن يبدو أن الهدف لا يخرج عن طرح الأسئلة أكثر من البحث عن إجابات لها. يخيل إليَّ أن الفارق اللغوي بين السؤال والتساؤل يحل اللغز ويفك الفزورة. السؤال يتطلب الإجابة عنه. ولكن التساؤل لا يهدف إلى العثور على إجابة.

التساؤل وليس السؤال يدور حول مصير شهرزاد بعد البلاغ الذي تقدم به عشرة من المحامين الشبان المصريين ضد «ألف ليلة وليلة». والشكوى أو البلاغ جرى تقديمه إلى النائب العام المصري الذي لم يرد عليه. رغم مرور أسبوعين على تقديمه. ومن حق النائب العام حفظ البلاغ. ومن حقه التحقيق فيه. والبلاغ لا يقدم سوى الضحك والسخرية. لأن الذين قدموه. لم يدركوا أبدا الأهمية الفائقة لليالي في الإبداع الأدبي والفني على مر العصور. والغريب أن المحامين لم يطلبوا في شكواهم. مصادرة الليالي أو حذف العبارات الخارجة من وجهة نظرهم منها. ولكن محاسبة المسؤولين عن طباعة الليالي. ألا يعرف أصحاب الشكوى أن الطبعة العربية الأولى منها صدرت في الهند. - والله العظيم في الهند - وفي زمن قريب. صدرت طبعة عربية من هولندا والله العظيم في هولندا وأن كل هذا جرى في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. ولكنه الجهل الذي يعفي صاحبه من كل شيء ومن أي شيء.

لو كانوا يرغبون في الفهم والمعرفة. لرددت أمامهم ما قاله أدباء العالم عن الليالي. فعندما أصدر جيوفاني بوكاتشيو. أديب إيطاليا الكبير عمله الضخم الديكاميرون وقسمه على عشرة أيام. في كل يوم يحكي أحد الناس حكاية. اعترف الرجل بوضوح كامل أنه كتب نصه الذي يعتبر حجر الزاوية في التراث الثقافي الإيطالي كله متأثرا بألف ليلة وليلة. هل يعرفون أن الليالي نشرت أول ما نشرت سنة 1704 باللغة الفرنسية؟ بعد أن عثر على مخطوطتها الأولى أحد المستشرقين وأعجب بها وترجمها إلى الفرنسية ثم نشرها. وأن النشر العربي لاحق على النشر الفرنسي. وما جرى مع الليالي لم يجر مع أي نص من التراث العربي سواها. فلا بد من النشر العربي أولا ليكتسب النص شرعيته وأحقيته في الترجمة. لكن نص الليالي ترجم ونشر قبل أن ينشر بلغته الأم اللغة العربية.

هل يعرفون أن الدنيا كلها لم تفك اللغز حتى الآن؟ من الذي كتب الليالي؟ من هو المؤلف الذي صاغ هذا العمل الفذ والفريد؟ وأن هناك معارك تدور بين الباحثين في الثقافة الهندية والثقافة الفارسية والثقافة العربية بحثا عن المؤلف المجهول لألف ليلة وليلة. لدرجة أنه يقال ان هناك أكثر من مؤلف لها. وأن البذرة الأولى كانت في الهند. ثم أضيفت لها حكايات في بلاد فارس. ثم أضيفت حكايات في بغداد العباسيين. ثم أضيفت حكايات في قاهرة الفاطميين. لدرجة أن الباحث العراقي محسن مهدي شغل نفسه كثيرا بالبحث عن «ألف ليلة وليلة» المصرية. وفصلها عن الليالي الأخرى. وإن كان دليله على هذا الفصل مكان وقوع الأحداث. فكل ما جرى في حواري القاهرة وأزقتها اعتبره من الليالي المصرية. وكل ما جرى في بغداد اعتبره من الليالي البغدادية.

بعد كل هذا البهاء. يهاجمون الليالي ويلجأون إلى القضاء. ليت القضاء يردهم على أعقابهم. فيريح ويستريح ونستريح.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي