عودة القطاع إلى سابق نشاطه رهن بالتنويع الجغرافي والاستثماري

وجهة جديدة للبنوك الإسلامية بعد الأزمة

تصغير
تكبير
|كتب رضا السناري|

يستعد القطاع المالي الإسلامي للمرور بفترة أكثر صرامة بالنسبة لمستقبله، فمدى قدرة القطاع في التغلب على التحديات التي فرضتها الأزمة المالية العالمية عليه اكثر من نظيره التقليدي، تكاد تجعل من مؤسساته المالية اكثر من غيرها مواجهة للازمات المستقبلية.

واذا كان لا احد ينكر ان المنتجات المالية وفقا للشريعة الاسلامية تحولت خلال الأزمة لمركز جذب لا بأس به للمستثمرين، لا سيما وانه بات عالقا في اذهان مستهلكي الخدمات المالية ان نمط الادوات التقليدية هو السبب وراء اندلاع الأزمة أو على الاقل المسؤول المباشر عن الشرارة. الا انه في المقابل تتعاظم المخاوف اكثر من ان تطول آجال أزمة المؤسسات الاسلامية بمعدلات أعلى بكثير من نظيرتها التقليدية، ولعل السبب وراء ذلك يرجع باختصار الى الفلسفة التي اعتمد عليها نشاط توسع هكذا مؤسسات.

فبجردة بسيطة لمراحل المد التي مرت بها الصناعة المالية الاسلامية في الاسواق والتي تبلغ قيمة اصولها حاليا نحو 825 مليار دولار، ومن المرتقب ان تصل الى 4 تريليونات في 2020 وقرابة 2.8 في العام 2015، مقابل 700 مليار كانت عليه في 2005، وذلك حسب افادة مجلس الخدمات المالية الاسلامية بكوالالمبور، يتضح ان ثقافة القطاع منذ بداية انتشاره قائمة على التركز، ويشمل ذلك التوجه جانبين:

اولا: التركز الجغرافي، فمن الملاحظ ان غالبية مؤسسات المنطقة المشهورة متقاطعة تقريبا على اسواق آسيا، وتحديدا ماليزيا واندونيسيا، والواقع ان هذه الاسواق كانت تمثل ذات يوما نقطة انطلاقة مهمة لزيادة نفوذ القطاع، اهل لان يكون للمؤسسات الاسلامية دور اكبر في الاسواق، فمع ارتفاع الكثافة السكانية المسلمة في هذه الاسواق واتساع شريحة اصحاب المليون دولار وما فوق في المنطقة وتعطشها لتصميم مجموعة خاصة من المنتجات والخدمات الاسلامية التي تشمل المعاملات المصرفية اليومية والتمويل والحلول الاستثمارية سواء للأفراد أو الشركات، سمح هكذا وضع بالتركيز على مستهلكي الخدمة في المنطقة، فتركزت الاصول على بعض الاسواق دون غيرها على غرار البنوك التقليدية التي ركزت اكثر على الاسواق الغربية.

منذ ذلك الحين الجميع نظر الى توجه المؤسسات الاسلامية بالتركيز على الاسواق الناشئة على انه قرار صواب ، لا سيما مع ارتفاع موجودات الصناعة المالية الاسلامية في هذه الاسواق الى معدلات قلبت معها معادلة المنافسة مع الغريم التقليدي. حتى انه لم يخطر على بال احد ابدا ان هكذا ميزة ستتحول الى عبء تحملها بعض المؤسسات في مواجهة الأزمة، فارتباطها بالاسواق الناشئة جعل من مؤشر تعافيها مرتبطا اصلا بتعافي هذه المنطقة، ولما كان من المرجح ان تستغرق هذه البلدان فترة اطول لنقص مواردها المالية، الى الحدود التي تجعل من الصعب على حكوماتها ان تنفق ما يكفي من الاموال لتحفيز اسواقها واخراجها من مزلقان الأزمة باسرع وقت، مثلما لوحظ من تحرك نشط في الاسواق الاميركية والاوروبية التي تتراجع فيها حصة المؤسسات الاسلامية هذه الاسواق. من المتوقع عمليا ان يكون تعافي المؤسسة المالية الاسلامية ابطأ من اي مؤسسة مالية اخرى.

وان كان هذا الحكم يعد نظريا نسبيا ومتفاوتا بين مؤسسات القطاع نفسه. وقوة كل منها، وكذلك وفقا للتوجهات الاستراتيجية وخطط الأعمال المقررة من كل جهة.

ثانيا: لم يكن التركز الجغرافي الاعتبار الوحيد الذي بات يقض مضجع بعض المؤسسات المالية الاسلامية، اذ تميز القطاع بصفة عامة بحفنة محدودة من المنتجات المالية المتداولة بكثافة، كما ان بعض الادارات لم يكن لديها جهة متخصصة ومسؤولة عن تقديم الاستشارات والحلول المناسبة لتخطيط ومتابعة تنفيذ وتطوير النشاطات المصرفية الاستثمارية، وبينما يعزو البعض ذلك الى ندرة المنتجات المتاحة في ظل الفورة الاستثمارية التي غطت جميع الاسواق تقريبا، ارتفعت معها معدلات المعروض من الفرص، في وقت لم يكن هناك مطلب مزمن لاي مؤسسة تجاه القلق من مستويات المخاطر غير المرئية، هناك من يرى انه لا تعد مجافاة للموضوعية اذ قيل ان نموذج عمل بعض المؤسسات الاسلامية كان في احيان كثيرة اشبه ما يكون بعمل الكازينوهات، (الجميع يراهن على الحظ). مع الاشارة الى ان هذا الاعتبار يشمل العديد من المؤسسات التقليدية. كما ان العديد من المؤسسات المالية الاسلامية وفي مقدمها هارفارد القطاع بيت التمويل الكويتي اسهمت في تطوير القطاع بمهنية تحسب.

واذا كان من الصعب التعميم، الا انه يبقى ان العديد من مؤسسات القطاع المالي الاسلامي من المرتقب ان تواجه ازمة حقيقة ان لم تعمل على وضع جدول أعمال لاصلاح سياستها التركزية السابقة، اركانه الرئيسية قائمة على التنوع الجغرافي وتوليد منتجات مالية جديدة تتمتع بنظام حوكمة، ومكاشفة بين المؤسسة والمساهمين والمستثمرين، كما انه يعوز القطاع المالي الاسلامي تطوير منتجاته وخدماته المصرفية الحالية، خصوصا ان ورغم كل ما قيل يظل القطاع المالي الاسلامي مرشح لان يحافظ على مكانته المرتقبة كمركز جذب اكبر للمستثمرين خلال الفترة المقبلة، وان كان ذلك سيكون معلقا الى حد كبير برسم الاستعانة بنخبة رائدة من المتخصصين.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي