تواصل / المضطرب...

u0641u0627u0636u0644 u0645u0635u0637u0641u0649 u0627u0644u0632u0628u0627u062f
فاضل مصطفى الزباد
تصغير
تكبير
| فاضل مصطفى الزباد |

قد تنزع نفس الانسان نحو التآلف واتفاق العلاقات وقد تكون عكس ذلك فتنزع نحو العزلة، تلك النفس التي سوّيت بنفخة الهية تنظبق عليها مشيئة مقضية اما الى تقوى واما الى فجور، واما الى اصغاء لثقة بالنفس واما الى اضطراب وهنا تبرز لنا حالة اتطرق اليها مثلا لا حصرا، حالة صاحبها يدعى «نزار»، عرفته منذ زمن بعيد كان يبدو كما لو ان ما حوله تيهٌ مائج من العلاقات يصطخب ويهيج من امامه فلا يستطيع مجاراته، كما لا يستطيع ان يفهم لماذا هؤلاء الاخرون مزحومون بتوادهم وتقاربهم بينما لا يستطيع هو ذلك، ولا يستطيع ان ينساق لا عقليا ولا سلوكيا نحوهم فيبدو له الامر معمعه بلا طائل ولا يدري هل هم الغرباء عنه ام هل هو الغريب عنهم، الامر لديه يحتاج الى درايه ذهنيه وحافز ومخالطة ضرورية تستوي عندها نفسه مع نفوس الاخرين، تلك النفس التي تتشرنق حول محورها وكأنها تحوم في بئرٍ دائرته مظلمة تخاف ان تقفز الى اعلى خشية التعثر، لذا تحتدم فيها عدم الطمأنينة والانكفاء يحبسها التطير والتشاؤم، يمكن ان نسمي ذلك إخلادٌ منزوٍ او جفول مرتد، شخص مثل هذا تعتريه التصورات السلبية الآخذة لتمكين النفس من نفسها فلا يحتكم الاّ الى تصور سخرية الاخرين به ومن كلامه واحاسيسه ومشاعره وآرائه لهذا فهو يُلزم القريبين منه ان يراعوا وضعه , ومع هذا فهو لا يفضي بشيء من داخله، اسرارٌ واسرار تتستر في داخله والسبب فيها ضائع وضامر، الاّ ان كلامه وابتساماته الباهتة ووجهه الفاقد للتعابير وتوجساته الممتنعة، كلها تنبئ عن وحدته الخاصة.

نزارٌ هذا في عزلة يعانيها وهي ناتجة عن احباط متراكم يولد الاحساس بعدم التقبل، وعدم استساغة المجالسة الجماعية مما تعطي انطباعا لديه بأنه غير مرغوب فيه وغير محبب الى النفوس، تفيض فيه تلك المشاعر، نوعٌ من الغثيان وكراهية العيش لاعتقاده الراسخ ان الاخرين يتقززون منه، هي نفرة ربما يكون اصلها اهمال طفولي او موقف مهين اضفى عليه سخرية مقصودة او غير مقصودة فبقيت عالقة في عقله الباطن، يستخرجها بإمعان ودون نسيان فتظل مسيطرة على تفكيره، وكأن وعيه لا يرتبط الا بذاك الموقف او بتلك السخرية.

عرفت من خلال مزاورته لي بأنه انسان مبهم متكتم وغامض، لا يستوعب ما اقول ولا يقبل معلومة الا بتساؤلات واستفهامات، يعاني عزلة لا يخرج منها الا بعزلة اكبر منها، استمر «نزار» على حاله رغم محاولات انتشاله من قوقعته الشاذة، وحتى رغم دخوله معترك العمل الذي يفرض عليه التكيف والتعاون والانفتاح حتى ولو كان جزئيا، غير ان ذاك المحك لم يُجد ِ معه نفعا لان سلطة نفسه المتداعية اكبر من محاولات انقاذه، فبقي هزيلا في وحدته ومتقهقرا في تصدعه النفسي، لم احاول مجاراته فقط بل حاولت انماء روح التثابر والتبادر معه، وحاولت ادماجه مع الاخرين الا انه امتنع وانكفأ فاستيأس مع نفسه ذلك التقارب، الى ان جاء يوم من الايام فعلمت فيه انه اتخذ قرار إنهاء حياته بطريقته التي غيّبته عن الحياة فانطفأتْ روحه، فكما عاش سوء محياه بما ران في قلبه وما استثقل فيه نراه قد استحلل سوء عاقبته.

نقول هنا ان النفخة الالهية الخارقة للعادة والتي يستدخل العقل حيرته من تصورها، قد فرضت خلق الانسان وفرضت مقاديره، وما اختياره للخير او للشر ماهو الا ما استوأم من النوازع ومن الدوافع، فهناك كينونة النفس وهناك صفتها، كينونتها التي تدرك حقائق الوجود وصفتها التي تستجيب لبواعث القلوب، ان كان طاهرا ابيضا ام تتغشاه النازلتان، الوسوسة والوهم.

هي مضغة حائرة محيّرة سابقة ومقتصدة، غائلة ونقية والانسان لا يتناقض الا باختراق وتأثير ينصاع له تفكيريا وجسديا ولا يتكامل الا بإرادة توفيقية بين عقله وبين محيطه الخارجي، لهذا يصبح الانسان مخيّر الصلة فإما عدوانيا واما مهادنا الى درجة الخجل الذي يلفت نظر الاخرين اليه، اما نظرته فهي حذرٌ مرتعد متليف بالخوف.

التعايش هو اهتداء واقتداء لا انشقاق، ينبه الافئدة لأهمية مصادر تعقلها، وهو ممارسة توافق ورغبة تعامل واستعداد لا يستشيط ولا يضطرب، وعندما يختفق أي انسان تجده ينثني هـُزءا ويتشرد ما بداخله نحو الترمّـل في قفر البلاهة التي تستشوك المشكلات بدلا من استبدارها للمحاولات، فيعمى عن التبصّر ويختار لنفسه ان تنسب الى تقطيبٍ مشفق ٍ لا رجعة فيه.



* شاعر وكاتب

Fadel_al_subae@hotmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي