لم يشهد التاريخ سباقا محموما على تشييد المفاعلات الذرية للاغراض السلمية مثلما يشاهده في وقتنا هذا، فالكثير من الدول النامية تريد هذه المفاعلات وتتنافس على تشييدها في اطار موافقة الامم المتحدة عليها وفق شروط «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، الغالبية من الدول المقتدرة تريد الدخول في نادي المفاعلات الذرية لإنتاج الطاقة الكهربائية، والاستفادة في النشاطات السلمية، خصوصا ان انتاج الكهرباء باستخدام الوقود غير الاحفوري يحافظ على البيئة من الملوثات، ويقلل من كلفة انتاج الطاقة على المدى البعيد.
المميزات الكثيرة التي تنتج من بناء المفاعل النووي للاغراض السلمية تفوق كثيرا منافع المحطات التقليدية التي تستخدم الوسائل القديمة في انتاج الطاقة، خصوصا تفادي الملوثات الكثيرة الضارة بالصحة، فضلا عن كلفتها العالية مقارنة بكلفة استخدام المحطات النووية، لكن الخوف السائد من الملوثات الإشعاعية التي قد تحدثها هذه المحطات في حال سوء استخدامها وإدارتها، وهو خوف له ما يبرره رغم ان المحطات النووية لا تبنى الا وفق شروط السلامة، ومراقبة «الوكالة الذرية»، ومتابعتها الدائمة.
عامة، اللافت ان الإشعاع الناتج من محطات الطاقة لا يقارن بالاشعاعات التي يتعرض لها الانسان من مصادر كثيرة في حياته مثل الاجسام، والمواد التي تصدر الاشعاعات، وأدوات الفحص الاشعاعي الطبي، ومخلفات السفن الحربية، واستخدامات الاسلحة في الحروب، وغيرها، لذلك لا ينبغي التخوف من الاشعاع الصادر من محطات الطاقة في الاوضاع العادية فمصادر الاشعاع المحيط بالانسان كثيرة.
نتمنى ان نسارع في اتخاذ خطوات ايجابية للبدء بإنشاء المحطات النووية للحرارة، والكهرباء، وتحلية المياه، وغيرها، لأهميتها البالغة في المرحلة المقبلة، خصوصا ان استهلاك الفرد للكهرباء عندنا يعتبر من اكثر استهلاكات العالم ما يعني اننا نصرف اموالاً كثيرة على الكهرباء، وتحمل الدولة اعباء ذلك دون ان يساهم الفرد بشيء... بل اننا نعاني من الاهمال في المحافظة على الطاقة عندما نهدرها ولا يسدد البعض فواتير الكهرباء ولقد وصلت المبالغ غير المسددة رقما يقارب (250) مليون دينار!
لا شك ان خطة التنمية المقبلة التي تؤكد على اهمية تشييد المحطات النووية في البلاد، وزيارة المسؤولين لفرنسا، والاتفاق على ايجاد المكان، او الموقع البحري المناسب لتشييد هذه المحطات بعد الدراسة العلمية والفنية تعد خطوة رائدة نتمنى الاستمرار، وعدم التباطؤ في السير في المشروع، وتجنب الدخول في متاهات البيروقراطية الادارية، والاخطاء، وغيرها مثل ضياع وتأخر المشاريع الاخرى التي أهدرت فيها المال العام والوقت بسبب العراك السياسي بين الحكومة والمجلس النيابي، او اهمال الحكومة ووقوعها في اخطاء فادحة مثل كارثة محطة مشرف للصرف الصحي الذي ما زلنا لا نعرف مصيره، رغم ما يقال ان تكاليف اصلاحه توازي بناء محطة جديدة في مكان آخر!
د. يعقوب أحمد الشراح
كاتب كويتي
yaqub44@hotmail.com