«الراي» تسأل عن فاعلية دورهن بعد انضمام امرأتين إلى مجلسيه السياسي والتنفيذي

النساء في «حزب الله» بين نجاح نسبي في تجاوز الإرث الذكوري وعدم قدرة على المشاركة في القرار السياسي

تصغير
تكبير
| بيروت - من ريتا فرج |

لم تتجه الحركات الإسلامية المعاصرة إلى تفعيل دور النساء المنتسبات إليها، إلاّ بعد تدرج تراكمي للمرأة داخلها. ورغم أن غالبية هذه الحركات لا تبتعد كثيراً عن الرؤية التقليدية التي تحصر النشاط النسوي بالمهمات التربوية والدعوية والثقافية، إلا أن المراجعات التي أجراها دعاة الإسلام الجهادي والسياسي أضفت بعداً جديداً على العنصر الأنثوي الآخذ في التطور ولو بنسبة طفيفة جداً مقارنة مع الرجل.

التحول النوعي في ما يمكن تسميته «المسلمات الحركيات» يرتبط بالفقه الإسلامي غير الثابت وغير النهائي تجاه المرأة. فحركة «الإخوان المسلمين» التي تأسست العام 1928 وشكلت أساساً للحراك الإسلامي من المحيط إلى الخليج، دخلت في مسارات فقهية متعددة قبل أن تُقر بالمساواة في الحقوق والواجبات بين الجنسين، ومن بينها الحق السياسي. لكن النسوية الإسلامية إذا جاز التعبير بقيت في الخطوط الخلفية، وجاءت الثورة الإسلامية في إيران لتدشن حالة جديدة. فعشية قيادة الإمام الخميني للانقلاب على الشاه، شاركت كثيرات في مسيرة الثورة بدءاً من العام 1979 وما قبله. لكن أسلمة المؤسسات داخل إيران الثورة أعادت المرأة إلى المربع الأول. وبعد ثلاثة أعوام تمّ تأسيس «حزب الله» في لبنان العام 1982، مستلهماً عقيدته وشعاراته من الجمهورية الإسلامية الناشئة وفي ظل رعاية إيرانية كاملة.



حق سياسي مع وقف التنفيذ

أعلن الحزب وثيقته السياسية العام 1985، ولم تتطرق تلك الوثيقة إلى الحقوق السياسية للمرأة، رغم أن نساء كثيرات واكبن الحزب منذ «نعومة أظفاره». وتكرر هذا الأمر في الوثيقة الأخيرة الصادرة العام 2009. وتعزو كثيرات من الأعضاء الفاعلات غياب الأدبيات المتعلقة بدور النساء داخل الحزب إلى أن الوثيقة موجهة إلى الرجل والمرأة على السواء، على قاعدة التكليف الشرعي لكل من اقتنع أو انتسب رسمياً إلى «حزب الله».

منذ البداية، خاضت نساء الحزب معترك العمل الاجتماعي والتربوي والثقافي، ولكنهن لم يمارسن العمل السياسي إلاَّ في مرحلة متأخرة. وفي هذا السياق، تمّ ترشيح عدد منهن في الانتخابات البلدية الأخيرة من دون أن يتاح لهن دخول البرلمان اللبناني، علماً أن حركة «حماس» أوصلت ست نساء الى المجلس التشريعي الفلسطيني العام 2006.



في المجلس السياسي

الرجال في «حزب الله» يشكلون القاعدة الأساسية للعمل السياسي والجهادي، في حين تتوزع أدوار النساء على جبهات عدة داخل الهيئات النسائية الموزعة ثلاثة أقسام: القسم الثقافي، قسم الشؤون الاجتماعية والعلاقات العامة، والقسم الإعلامي. وقبل العام 2004، لم يكن للمرأة تمثيل في أهم مجالس الحزب أي المجلس التنفيذي، والمجلس السياسي، والمجلس المركزي، ومجلس الشورى، إلى أن أقر المؤتمر الذي عقد العام 2004 بتوصية قضت بتعزيز مشاركة النساء في العمل السياسي المباشر عبر تمثيلهن في المجالس، فتم تعيين ريما فخري أول عضو في المجلس السياسي، ثم عينت وفاء حطيط عضواً في المجلس التنفيذي.

هذا التطور أتاح لنساء الحزب مشاركة جزئية في صنع القرار، لكن البعض يرى أن هذا الموقع لا يعدو كونه شكلياً في أجندة الحزب، خصوصاً مع عدم ترشيحن للانتخابات البرلمانية، أو حتى لمجلس الشورى الذي يتمتع بسلطة القرار الفعلي، بمعنى أنه النواة الأساسية للقرارات التي يتخذها «حزب الله» على المستويين السياسي والعسكري. وفي دراسة أعدتها الباحثة الأردنية فاطمة الصمادي وتناولت تطور مسؤوليات النساء داخل الحزب، خلصت إلى أن 86 في المئة من المنتسبات راضيات عن مواقعهن، وترى غالبيتهن أن القيادة تؤيد بشدة مشاركتهن في صنع القرار. في المقابل أيدت 60 في المئة من نساء الحزب الترشح للمجلس النيابي، وأشارت 12 في المئة إلى أن لهن تجارب حزبية سابقة.

حتى الآن، لم يسمح «حزب الله» للنساء بالانخراط في العمل العسكري أو الاستشهادي كما حدث مع حركة «حماس»، حين نفذت ريم رياشي أول عملية استشهادية أنثوية العام 2004. وقال حينها الشيخ أحمد ياسين «لقد بدأ عهد جهاد المرأة الفلسطينية». غير أن تحفظ الحزب عن الدور المسلح للمراة والذي عزاه أمينه العام السيد حسن نصر الله إلى عدم بروز الحاجة إلى جهد نسائي في هذا المجال، لا يعني أن نساء الحزب غير معنيات، فقد وقفن في الجبهة الخلفية لأي حرب خاضها الحزب ضد إسرائيل عبر مساعدة الجرحى، وجمع الدعم المالي، وبناء مجتمع المقاومة. في ظل الارتفاع النسبي للدور السياسي لنساء «حزب الله» بدءاً من العام 2004 تاريخ تعيين أول امرأة في المجلس السياسي، فتحت «الراي» ملف الفاعلية السياسية للمرأة في الحزب ومدى مشاركتها في صنع قراره عبر محاورتها كل من السيدة ريما فخري العضو في المجلس السياسي لـ «حزب الله» والتي كانت مسؤولة الهيئات النسائية في منطقة بيروت، والدكتورة فهمية شرف الدين أستاذة علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية والتي رصدت مشاركة المرأة اللبنانية في العمل السياسي عبر إعدادها دراسات تطالب بإقرار الكوتا النسائية.





فهمية شرف الدين: مهمات المرأة في «حزب الله» تنحصر بالعمل الاجتماعي والتربوي



أكدت أستاذة علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية فهمية شرف الدين أن تعيين امرأة في المجلس السياسي لـ «حزب الله» لا يؤشر إلى وجود تحول نوعي، معتبرة أن الحزب هو انتاج البيئة الاجتماعية اللبنانية التي يغلب عليها المجتمع الذكوري والمفاهيم البطريركية. وتساءلت: هل يوافق الحزب على المطالبة بالكوتا النسائية؟

• ما معنى أن يدور النشاط السياسي للمرأة العربية في فلك الحركات الإسلامية؟

- الحركة النسوية جزء من تركيبة المجتمعات العربية التي تشهد اليوم نمواً ملحوظاً للحركات الإسلامية. لذلك نشهد أن عدداً لا بأس به من النساء يدرن في فضاء هذه الحركات بعدما خُضنّ تجارب مع الأحزاب اليسارية أو القومية التي تجيز فصل الدين عن الدولة، وتدعو إلى قيام المجتمع المدني. وأريد أن أسأل المرأة المنتمية إلى تيارات الإسلام السياسي: هل تعلم أن القوانين في البلدان العربية ذات مرجعية وضعية ما عدا قوانين الأحوال الشخصية التي تظللها ضوابط دينية؟ في رأيي أن على النساء اللواتي يتحدثن عن الأسلمة أن يطرحن هذا التساؤل، فحياة الكثيرات في العالمين العربي والإسلامي تقع تحت سطوة العامل الديني في قوانين الزواج والولاية والارث والحضانة.

• يشهد «حزب الله» تنامياً لنشاط المرأة داخل مؤسساته على المستويين السياسي والدعوي، خصوصاً بعد تعيين إحدى الناشطات عضوا في المكتب السياسي للحزب. ما قراءتك لهذا التحول؟

- لا أرى أن هناك تحولاً ملحوظاً لدور النساء في «حزب الله» الذي هو انتاج البيئة الثقافية اللبنانية. المرأة ممثلة في المكتب السياسي لغالبية الأحزاب في لبنان، وهذا لا يعني أن الرؤية التقليدية الذكورية لدى الأحزاب تغيرت، فالمرأة تستعمل كقوة احتياط عند الضرورة فقط. وأريد طرح السؤال الآتي على «حزب الله»: إذا كان مؤمناً بالمساواة بين الجنسين، هل هو على استعداد للموافقة على الكوتا النسائية، وهل هو مستعد لأن يعطي للمرأة دوراً في كل قرارات الحزب؟ وحتى لو عيّن امراة في المكتب السياسي، هل مسموح لها بالاعتراض؟ طبعاً إقصاء النساء عن صنع القرار داخل الأحزاب الدينية والعلمانية مرتبط بالمفاهيم التقليدية، وهذه الظاهرة لا نلحظها فقط في العالم العربي، فلولا الكوتا في فرنسا على سبيل المثال لما تمكنت النساء من الوصول إلى إدارة الشأن العام. وهنا أريد الإشارة إلى أن القانون الفلسطيني أقر تمثيل النساء بنسبة 20 في المئة وقد رشحت حركة «حماس» خلال الانتخابات التشريعية العام 2006 عدداً من المنتسبات إليها نجحت منهن ست. كما أن القانون العراقي أقر نسبة 30 في المئة للنساء، وتفسيري أن هذه القوانين وضعت في ظل الاحتلالات. وبصرف النظر عن الحالتين الفلسطينية والعراقية، فإن دور المرأة المنتمية إلى «حزب الله» مازال غير ذي فاعلية، فلم يتم ترشيحها حتى اللحظة للانتخابات البرلمانية، مع الإشارة إلى أنها رُشحت سابقاً للانتخابات البلدية. وعليه، فإن الحزب كما أشرت هو انتاج المنظومة الاجتماعية السائدة لبنان والتي يغلب عليها النمط الذكوري، من دون أن يعني ذلك أن الحزب يفتقد الحركة النسوية فيه. وفي هذا المضمار، نلاحظ مدى التماهي مع الأنموذج الايراني. ففي عهد الرئيس محمد خاتمي عينت ابنة اكبر هاشمي رفسنجاني نائب للرئيس، مع العلم بأن الإيرانيات إبان الثورة الإسلامية شاركن بفعالية، ولكن لاحقاً تمت أسلمة المؤسسات وفرضت عليهن شروط قاسية. الواقع أنني كنت أتوقع أن يكون «حزب الله» أكثر جذرية في تعامله مع تفعيل دور المرأة داخله. صحيح أنه عين امراة في المكتب السياسي، لكنه لم يقدم على تمثيل النساء في مجالسه القيادية الأخرى، مثل مجلس الشورى.

• خلص تقرير صادر عن مؤسسة «كارنيغي» الأميركية الى تطور دور النساء عند «حزب الله». ما تفسيرك لذلك؟ وهل يمثل هذا الأمر ظاهرة جديدة بالنسبة الى حزب ديني؟

- بصرف النظر عن النتائج التي توصل إليها التقرير، «حزب الله» قبل أن يكون حزباً دينياً، هو حزب سياسي في الدرجة الأولى، ولا أملك معلومات كافية حول ما إذا كان انتساب النساء إليه يندرج في السياق العقيدي أم السياسي، خصوصاً أنه يمثل فئة واسعة من الشيعة، وتأييد الأفراد له ومن بينهم النساء لا يتأطر في المنظومة المؤسساتية للحزب. هنا أريد الإشارة إلى أن مفهوم الكوتا ينظر إليه من منطلق نسبة النساء في الإدارات العامة المختلفة، وفي رأيي أنها ما زالت طفيفة داخل الحزب، والاختراق النسائي بطيء، والتمثيل الحقيقي لا يمكن التأكد من ارتفاع نسبته إلا عند مقارنته بعدد الرجال، بمعنى أنه يجب النظر إلى المرأة بعين متساوية مع الرجل. ولا يمكن الحديث عن فاعلية النساء داخل «حزب الله» إلا من زاوية توازنها مع الرجل في مؤسسات الحزب الادارية والسياسية والاعلامية. والمشكلة أن مهمات المرأة في «حزب الله» تنحصر في العمل الاجتماعي او الثقافي أو التربوي مع استبعادها من مراكز القرار الفعلية. فهي غير ممثلة في مجلس الشورى، أقوى مجالس الحزب، وعدم تمثيلها لا يعود إلى الإطار العقيدي أو الديني الذي قام على أساسه الحزب، إنما أيضاً إلى البيئة التقليدية والموروثات الاجتماعية التي تحدد أدوار الرجل والمرأة، وجاءت الأديان لتزيد هذا الشرخ.

• الى أي مدى يساهم تطور عمل المرأة داخل الحركات الإسلامية ومن بينها «حزب الله» في تغييب المفاهيم الليبرالية التي تطالب بإعطاء المرأة حقها السياسي وتفعيل دورها على مستوى صنع القرار؟

- لا أعتقد أن الغلبة للفضاءات الأصولية الإسلامية، لكن تظهيرها كحدث بارز هو الذي يوهم أنها تحتل الساحة في العالمين العربي والإسلامي، خصوصاً إذا تمت مقاربة هذا المشهد انطلاقاً من مسألة الحجاب الذي يعتبر أولوية عند كل التيارات الإسلامية، أو من ظاهرة العمليات الاستشهادية. لكن ذلك لا يعني أن الاتجاه اليساري أو الليبرالي يتمتع بالفاعلية نفسها التي خبرها في حقبة الستينات والسبعينات، فهو الآن في حالة ضمور، وسبق أن طالب بتحرير المرأة من الموروث المجتمعي الذي يحصر عملها في البيت وتربية الأسرة. نساء كثيرات خضن معارك من أجل كسب حقوقهن السياسية، لكن تمظهر الإسلام السياسي بهذه الحدة بدءاً من أواخر السبعينات، جذب إليه مختلف الفئات الاجتماعية ومن كلا الجنسين. والمفارقة أن الحركات الإسلامية التي ترفض الحداثة، بالمعنى الديموقراطي، وبمعنى التعددية السياسية، والمساواة بين الرجل المرأة في كل الميادين، تستعمل أداوت الحداثة بمعناها المادي. ومن جهة أخرى، تتشارك مع الأحزاب الشيوعية في مسائل عدة منها: التعبئة الجماهيرية، وسلطة الفرد الواحد، والرؤية السياسية الآحادية. أما ما يتعلق بدور النساء لدى كل الأحزاب الدينية فلا يزال يتموضع في المجال التقليدي المرسوم له مسبقاً، حتى لو اتخذت بعض الاجراءات التي تبدو انتقالية أو نوعية.

• هل تعتبر ظاهرة انتساب المرأة الى الحركات الاسلامية رد فعل على فشلها في تحقيق أهدافها السياسية بعد حقبة التحرر التي قادتها الأحزاب اليسارية؟

- انتساب النساء إلى الحركات الإسلامية جزء من الفضاء العام الذي يسيطر عليه التدّيُن، رغم عدم وجود دراسات ميدانية جادة تؤكد صحة هذا الأمر. لا شك أن هذه الحركات جذبت إليها أعداداً من الرجال والنساء كما أشرت سابقاً، وتحرك المرأة داخل الأحزاب الدينية محدد في إطار معين، فهي لا تنافس الرجال على مواقع القرار، الأمر الذي يعيدها إلى المربع الأول، بمعنى أن نضالها السابق مع الأحزاب الشيوعية والقومية لم يؤمن لها قاعدة لأحداث التحولات المطلوبة على مستوى فرض رؤيتها السياسية ومطالبها بالمساواة الكاملة، فخاضت التجربة مع الحركات الإسلامية ووصلت إلى النتائج نفسها، وخصوصاً أن هذه الحركات تُعيد انتاج الموروثات التقليدية السائدة ولا تتبنى خطاباً جديداً ولا تجري أي مراجعات لإطارها الايديولوجي. من هنا، لا نجد أي امرأة تحتل منصباً قيادياً مؤثراً داخل «حزب الله»، أو حركة «حماس»، أو حركة «الاخوان المسلمين» في مصر. فالأدبيات السياسية التي تتبناها هذه الحركات يغلب عليها الطابع السلفي الذي يحدد دور المرأة في البيت وتربية الأسرة. وفي رأيي أن تنامي ظاهرة المسلمات الحركيات في العالم العربي يعود في الدرجة الأولى إلى جملة الأزمات البنيوية التي تمر بها الأنظمة، التي لم تستطع بناء المجتمع المدني على قاعدة التبادل السلمي للسلطة والتعددية السياسية والمساواة في الحقوق والواجبات. كل هذه العوامل وغيرها أعطت حيزاً أكبر لنمو الحركات الإسلامية فحققت جماهيرية واسعة، وتحديداً لأنها الجهة الحزبية الوحيدة المعارضة وهذا ما نلحظه عند «الاخوان المسلمين» في مصر.





ريما فخري: لا موانع دينية أو تنظيمية

تمنع وصول المرأة إلى مجلس الشورى



عرضت العضو في المجلس السياسي لـ «حزب الله» السيدة ريما فخري مسيرتها في الحزب، لافتة إلى المواقع التي تسلمتها قبل أن تشغل عضوية المجلس السياسي. وأكدت أن القيادة العليا لا تمانع ترشح نساء في «حزب الله» للانتخابات البرلمانية. وعلى المستوى العسكري، أشارت إلى عدم توافر الحاجة لدخول المرأة هذا المعترك، من دون أن يعني ذلك عدم تقديم بعض النساء أسماءهن على لائحة الاستشهاديات المنتظرات.

• بعد تعيينك عضواً في المجلس السياسي لـ «حزب الله»، ما المعايير التي تمّ الاعتماد عليها لاختيارك لهذا الموقع الجديد مقارنة بكثيرات ينتسبن إلى الحزب، وما الذي أضافه هذا الموقع الى تجربتك لناحية المشاركة في صنع القرار؟

- بداية، ليس هناك في «حزب الله» أي مانع تنظيمي أو ديني يحول دون وصول المرأة إلى مراكز القرار. والمرأة موجودة وتعمل بفاعلية في كل مؤسسات الحزب منذ انطلاقته، وكل عناصر الحزب خلال عملهم هم في حالة تطوير دائم لطاقاتهم وقدراتهم، من دون أن يكون هناك أي تمييز بين الرجال والنساء. انتسبت إلى الحزب العام 1985، وتدرجت في عملي الحزبي وتنقلت بين العديد من المراكز، فعملت كباحثة في مركز الدراسات الإنمائية، وأصبحت مسؤولة عن الملف الثقافي في الهيئات النسائية، ثم عُينت مسؤولة الهيئات النسائية في منطقة بيروت، إلى أن صرت عضواً في المكتب السياسي المؤلف من 18 عضواً. هذه المسيرة التي خضتها طوال خمسة وعشرين عاماً كانت تحت أنظار القادة في الحزب. وطبعاً تطور أدائي السياسي خلال هذه الفترة ما فتح أمامي أفقاً جديداً. وانضمامي إلى المجلس السياسي العام 2004 أتاح لي التعبير عن رأيي بكل حرية، فأي موضوع يمكن مناقشته بين أعضاء المجلس، على أن ترفع النتائج إلى القيادة التي تتخذ القرار النهائي وفق آليات معينة.

• دخول النساء المعترك السياسي في «حزب الله» ظاهرة جديدة، تشي بوجود تحول نوعي في رؤية الحزب حول الحقوق السياسية للمرأة. هل يمكن أن يتطور هذا التحول وصولاً إلى ترشيح النساء للانتخابات البرلمانية المقبلة، أو حتى تعيينها في مجلس الشورى؟

- لا يتحفظ «حزب الله» تنظيمياً أو دينياً عن ترشح المرأة للانتخابات البرلمانية، مع العلم أن كل امرأة داخل الحزب لها دور سياسي سواء كان عملها في المجال التربوي، أو الثقافي، أو الدعوي. وقد خاضت النساء في الحزب معركة الانتخابات البلدية، فالسيدة وفاء حطيط هي أحد أعضاء المجلس البلدي في بلدية الغبيري، والسيدة عفاف الحكيم هي في المجلس التنفيذي، ما يعني أن دور المرأة يتطور في شكل تراكمي، وفقاً لتجربتها. و«حزب الله» لم يقدم على ترشيح النساء للانتخابات البرلمانية بسبب الأعباء الكثيرة الملقاة على القيادة، مثل التحديات الإسرائيلية المتكررة، والتحالف الذي يقيمه الحزب مع عدد من القوى السياسية اللبنانية. ما أود تأكيده أن الضوابط الدينية، أو العقيدية لا تمنع النساء في الحزب من خوض أي انتخابات. وفي حال إلغاء الطائفية السياسية في لبنان يحق لأي امرأة من داخل الحزب أو خارجه الترشح لهذا المنصب في حال تمتعها بالمؤهلات الكافية.

• خلال اجتماعات المجلس السياسي، ما الآلية المتبعة في تقرير أي مسألة، وهل في إمكانك الاعتراض على أي قرار لا تجدينه مناسباً؟

- أتحفظ عن الرد على السؤال الأول، أما حقي في الاعتراض فهو مسألة طبيعية. فخلال مناقشة أي قضية خلال اجتماعات المجلس السياسي، ادلي برأيي وتتم مناقشته، وفي أحيان كثيرة يؤخذ به.

• بعد تدرج المرأة في الإدارة السياسية لـ «حزب الله»، أين موقعها في المقاومة الميدانية، وهل يمكن أن يتطور دورها إلى حدود المشاركة العسكرية في القتال ضد العدو الإسرائيلي؟

ـ النساء المنتسبات إلى الحزب لا يشاركن في المقاومة العسكرية لأن لا ضرورة لذلك، لكن هذا لا يعني أنهن لا يقدمن الدعم للمقاومين. ففي «هيئة دعم المقاومة الإسلامية» هناك قسم خاص بالنساء، وينحصر عملهن في جمع التبرعات المالية. وفي حالة الحرب، تعمل المرأة على تأمين حاجات المقاومين وتعالج الجرحى في الميدان. ولكن هذا الأداء الميداني غير مؤطر في شكل تنظيمي، فكل النساء في الجنوب اللبناني هنّ بمثابة مقاومات، خصوصاً أن «حزب الله» يهدف إلى بناء مجتمع المقاومة، أي أنه يعطي أهمية لكل فرد من أفراد هذا المجتمع، وهذا يرتبّ علينا توسيع مساحة عمل الحزب عبر إنشاء المؤسسات الثقافية والاجتماعية والتربوية والصحية التي تُعبر عن روح المقاومة. وجود النساء في المراكز التربوية والتوجيهية والتنسيقية، لا يعني أنهن بعيدات من المقاومة العسكرية، فهنّ يشاركن في طريقة أو في أخرى.

• بالمقارنة مع حركة «حماس» التي رشحت 13 امرأة للانتخابات التشريعية العام 2006 نجد أن الحزب لم يعمد إلى ترشيح المنتسبات إليه للانتخابات النيابية في لبنان. ما أبرز العوامل التي تحول دون وصول نساء الحزب إلى البرلمان؟

ـ لا داعي للمقارنة بين حركة «حماس» و«حزب الله»، وعدم مشاركتنا في الانتخابات البرلمانية تنبع من أسباب عدة لها علاقة بالحياة السياسية في لبنان، وبقانون الانتخاب، وبالتحالفات التي يقيمها الحزب. معلوم أن الحزب تنازل كثيراً عن حصته لمصلحة حلفائه في المعارضة، وقد درسنا موضوع ترشيح الأخوات للانتخابات النيابية الأخيرة، ورأينا أن ما من داع في الوقت الراهن لخوض هذه التجربة. هناك لوم من أخوات داخل الحزب وخارجه لأننا لم نُقدم على خطوات نوعية تؤهلنا لخوض هذا المضمار، لكن المسألة مرتبطة بقرارات القيادة وبآلية إدارة المؤسسات داخل الحزب.

• لم نعثر في أدبيات الحزب على نصوص تشير الى الحقوق السياسية والجهادية للمرأة. ما تفسيرك لذلك؟

- بصرف النظر عمّا إذا كانت أدبيات الحزب السياسية تشير إلى هذه الحقوق أو لا، فإن القاعدة الشرعية تؤكد أن الرجل والمرأة مكلفان في الجهاد ومقاومة العدو. فحين يصبح خطر العدو واسعاً، على الطفل والرجل والمرأة الخروج لمقاومته. وأود الإشارة هنا إلى أن الوثيقتين السياسيتين اللتين أصدرهما الحزب العامين 1985 و2009 تتوجهان إلى الرجل والمرأة على السواء.

• خلال ولاية الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، عُينت ابنة هاشمي رفسنجاني نائبة لرئيس الجمهورية. انطلاقاً من تأثر «حزب الله» بالتجربة الإيرانية، هل يمكن أن تصل المرأة داخله إلى موقع نائبة الأمين العام، أو أن تتولى موقعاً استشارياً؟

- لا مانع من أن تتولى المرأة في «حزب الله» موقعاً استشارياً أو قيادياً فاعلاً، لكن الظروف في إيران مختلفة، فهي لا تعيش تحديا أمنياً وعسكرياً. النساء داخل الحزب يقتدين بالسيدة زينب والسيدة زهراء، على قاعدة أن لا فصل بين الديني والسياسي في الإسلام، وهذا ما عبر عنه الإمام الخميني عندما قال: «الإسلام هو ديني، وسياسته عبادة، وعبادته سياسة»، من دون أن يؤدي ذلك إلى ترجمة الأداء السياسي للحزب على الطريقة الماكيافيلية القائلة ان الغاية تبرر الوسيلة.

• خاضت حركة «حماس» تجربة الاستشهاديات العام 2004 وقال حينها الشيخ أحمد ياسين «لقد بدأ عهد جهاد المرأة الفلسطينية». هل يمكن أن يُتخذ قرار بإشراك المنتسبات إلى «حزب الله» في العمليات الاستشهادية؟

- المرأة كالرجل مكلفة بالجهاد ضد العدو، ولائحة الاستشهاديات في «حزب الله» طويلة، كما هي الحال بالنسبة إلى رجال المقاومة. وإذا كان هناك حاجة لخوض المنتسبات إلى الحزب العمل الجهادي فلا مانع عقيدياً أو تنظيمياً، والضوابط الفقهية في هذه المسألة لا تمنع النساء من مقاومة العدو. مع الإشارة إلى أن إدارة حركة «حماس» للمواجهة مع الكيان الصهيوني تختلف عن تجربة «حزب الله».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي