ليس من عادتي الكتابة في الموضوع نفسه مرتين، ولكني هذه المرة سأفعل، لأن الردود التي جاءت على مقالتي السابقة (هوس انفصام الجنسية) توحي بأن هناك بالفعل أزمة ثقة متبادلة بين فئات الشعب الكويتي تكاد تعصف بالوحدة الوطنية، ومثل هذه الأزمات تكفي لمحو أكبر الدول من الوجود، ولم تشهد الكويت أزمة منذ نشأتها أخطر وأكبر من هذه الأزمة بما فيها كارثة احتلال العراق للكويت.
وكانت أبرز الملاحظات التي كتبت في حق المقالة السابقة أنها لم تتطرق لبعض القبائل والعوائل الكويتية الأخرى التي لعبت دوراً تاريخياً في المنطقة، وهذا صحيح، ولكني ألتمس العذر من القارئ الكريم في أن الغرض من السرد التاريخي في المقالة هو الاستشهاد ببعض المواقف التاريخية التي تدعم فكرة المقالة فقط، وقد أكدت على ذلك بعبارة على سبيل المثال لا الحصر، ولم يعرها أحد اهتماماً و(مش مهم)، ولا يجب أن يفهم من المقالة أنها محاولة لإعطاء بعض الدروس في التاريخ، بل المقصود منها إعادة الثقة بواقعية مكونات المجتمع، والرد على المشككين بولاء جميع فئاته وإن اختلفت أصولهم أو مذاهبهم.
والحقيقة أن المقالة كانت طويلة بعض الشيء ورغم ذلك لم تغط جميع الجوانب التاريخية للمنطقة، فتاريخ المنطقة مر بعدد من المراحل المهمة منذ بداية هذا القرن، والتي شكلت تركيبته السكانية الحالية، أولها الحرب العالمية الأولى وصراع الأتراك والانكليز على المنطقة في عام 1914، ثم ظهور الكيانات السياسة العربية الجديدة على الساحة بشكلها الذي نراه اليوم بموجب اتفاقية «سايكس بيكو» الموقعة في 1916، ثم تمرد «حركة الإخوان» على الملك عبدالعزيز رحمه الله بعد عام 1926، وأخيراً ظهور النفط وبداية عمليات الإنتاج بعد الحرب العالمية الثانية في عام 1946، وخلال المراحل السابق كانت هناك حركة مستمرة من الهجرات والهجرات المعاكسة، وأقرب هذه الهجرات القادمة هو استقطاب الكويت لعدد كبير من الوافدين من البلاد العربية، والذين لعبوا دوراً ريادياً في نهضة الكويت وبنائها، بعضهم جاءت به الظروف السياسية للدول العربية، والبعض الآخر فرضته حاجة الكويت للعقول المتخصصة وللأيدي الماهرة، لذلك من الطبيعي أن تتنوع مكونات أي مجتمع كان، بل إن هذا التنوع يعكس ثراء المجتمع وقوته، وانظروا مما تتشكل شعوب المنطقة من حولكم لتعلموا أن التنوع صفة أصيلة من صفات الشعوب ولا يوجد شعب في العالم ينحدر من عرق أو دين واحد ويجب أن يستثمر هذا التنوع في لمصلحة المجتمع. وأخيراً اسمحوا لي أن أختم المقالة بهذا الخبر الطريف، فبحسب آخر كشف تاريخي كويتي، فإن تاريخ الكويت بدأ في عام 1613 أي مع بداية الهجرات الأولى لأميركا الشمالية، وكان يعتقد في السابق أنه بدأ حوالي عام 1760 أي قبل استقلال الولايات المتحدة! والغريب أن الأميركيين (الكفرة) بنوا أكبر إمبراطورية في التاريخ، بينما نحن لم نستطع حتى اليوم بناء وطن يتسع للجميع!
فهيد البصيري
كاتب كويتي
Albus.fahad@hotmail.com