نادين البدير / اعتذار

تصغير
تكبير
| نادين البدير |

أنا أعتذر.. لامرأة قتلت نفسها

سلخت جلدها ولم تكتف. بل شرعت تطعن الأخريات

أعتذر لك وأقدم التبريكات فنجاح حفل انتحارك قد فاق التصورات

لن أحضر الجنازة، فاعذريني يا ابنة فرسان الاستقلال

ولا تنتظريني. فلن أبرر تغيبي وابتعادي عن حفلة العزاء

إذ لست بهاوية للمهرجانات

ولا تدركني النشوة في حفلات هدر الدماء وتفتيت الأفكار

ولا أستمتع بطقوس ذبح القرابين من قطعان الحريم والأغنام

***

اعذريني لن أشاركك فرحة تقطيعك للأوصال

لكني سأكتب للعالم عن نبأ موتك الاختياري وانتقامك من الذات

سأروي كيف كانت جثتك جسدا نضرا فسحلته بين الشوارع والبيوتات

أنت سحلته. جميعنا نتذكر وجهك العبوس ليلة الاستقلال

ثم في الركن الوضيع رميته، فوق ركام الحطب والنيران

ماذا بقي منك سوى الصوت المحترق والرائحة النتنة؟

***

أعتذر

حياتك المظلمة ما عادت تقلقني

ما عدت أحزن فكما تصرحين للجميع في الندوات والمؤتمرات

أنت امرأة تحيا الكمال بحماية الرجل فلان ووصاية الرجل علان

لكني أطلب منك ألا تختصري آهات الأخريات أو تحرقي أصواتهن

لا، لست أرجوك بل أحذرك

امرأة تطعن نفسها بيديها

تبيح كل المحرمات بحق فكرها وجسدها

تقول نعم لكل الأوامر والرغبات

تطفئ في النهاية الشموع احتفالاً بانتهاك حق سيادتها

تلك المرأة التي أقدم اعتذاري لها وأسفي عليها

ترسل لي الرسائل يوما تلو الآخر

تلومني تارة، وتارة تتوسلني، ثم تشتمني وتأمرني بنبرة عبد يجهد بتصنع لهجة الأسياد

تطلب أن أتوقف

ففي الأمر تهديد كبير لأسباب راحتها

ولرخائها الذي بسطته الأعراف والشروحات

... في الأمر بشاعة لا أدركها

***

مازلت أذكر اليوم الذي أتتني تتوسل أن أكتب عنها

كانت تحمل بين يديها ملفات متراكمة لقضايا لا تقبل التأجيل

كانت تحلم بأن تكون ناشطة في حقوق النساء

وتطلب عهدي بألا أحيل مآسيها للأرفف والنفايات

مازلت أذكر تلك الدموع وذلك الوجه المكفهر المحموم

كان مليئا باللكمات والندبات

***

اليوم استيقظت باكرة وهرعت إلى ساحة الدفاع

ماذا تفعلين عند المدخل؟ أجدك تقودين تظاهرة

حولك تجمهرت مجموعة من النساء. متخفيات مثلك

من أين لك هذا اللثام؟ هل خاطته جماعتك أم صنعه نفاقك وخوفك المجنون؟

فجأة رفعت بوجهي لافتة كراهية تكفرني وتتوعد لي

ولافتة أخرى كتب عليها

(نستنكر حق السيادة ونرفض المساواة)

من أنت؟

وكأني أسير بحلم رخيص

بالأمس تبكين الظلم

واليوم أراك تطالبين برأسي

ماذا حدث لحزنك؟

بم قايضوك؟ وكم دفعوا لك؟

كم تساوين في دنيا السياسة ولعبة الإصلاح؟

ودموعك. تبدو، تماماً، كدموع تتساقط ثم تتوقف وفقاً للغايات والاستراتيجيات

وتبقى معالم الوجه واحدة في الحالتين

تبقى الدموع رخيصة

كله سيان بدنيا القاتلات

***

لك أعتذر

لن أحكي عنك بعد اليوم. فلا تظني أني أقصدك بعد اليوم

أنا سأحكي عن أخريات كرامتهن أغلى من ربيع انتصاراتك

أخريات يعشن تحت النار ولا يقايضن الحلم

لثامك مدعاة للشك لا حجة لليقين. أنسجته مليئة بأنفاس اختلطت يوم الذبح برائحة الأغنام والقرابين

ما أنت سوى أنثى تقف مع الأشرار

امرأة تقايض فكرها

نموذج جديد لـ (...) في ليل القرن الواحد والعشرين





كاتبة وإعلامية سعودية

Albdairnadine@hotmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي