لا شك أن العلاقات الاجتماعية تمثّل جانباً أساسياً من حياة الإنسان، فهي ليست ترفاً، بل ضرورة نفسية تغذي شعوره بالانتماء، وتمنحه الاستقرار الذهني والراحة النفسية؛ فالميل نحو الانعزال التام وقطع الروابط الاجتماعية قد لا يكون دائماً نابعاً من خيار واعٍ، بل قد يعكس خللاً داخلياً يحتاج إلى وقفة وتأمل.
في المقابل، لا يُمكن إنكار أن العزلة في بعض صورها قد تكون ضرورة موقتة، أو قراراً نابعاً من نضج فكري وتوازن داخلي، لا من انسحاب مرضي.
يميل بعض الأشخاص إلى تقليل علاقاتهم الاجتماعية تدريجياً، وربما يقطعونها نهائياً، وغالباً ما يكون ذلك بسبب دوافع سلبية، مثل ضعف الثقة بالنفس أو الشعور بعدم القبول، في هذه الحالة لا تعد العزلة خياراً صحياً، بل تصبح عبئاً نفسياً يتفاقم مع الوقت.
وقد تكون الدوافع أكثر حدة، كالشعور بالنفور من الناس، أو الخوف من مواجهتهم، أو حتى بسبب تجارب سلبية كالعلاقات الفاشلة أو الإحباطات المتكررة.
هذه الحالات كثيراً ما تُفضي إلى القلق، الاكتئاب، التدهور العاطفي، والضغط النفسي، ويحذر المختصون من اعتبار هذه الحالات بسيطة، إذ إن تجاهلها قد يؤدي إلى تطور المرض النفسي بشكل مزمن، بل وقد تنعكس على الجسد، حيث أثبتت الدراسات أن العزلة الاجتماعية ترتبط بارتفاع خطر الإصابة بأمراض جسدية مثل أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم.
وفي المقابل،لا يمكن أن نغفل عن وجود عزلة إيجابية؛ فهناك من يختار العزلة بإرادته، لا للهروب من الواقع، بل لترتيب حاجات النفس والعودة بذهن أكثر صفاءً ووعياً، هذه العزلة المتزنة لا تعني الانقطاع عن الناس، بل توازن بين الحياة الاجتماعية والتأمل الشخصي، وهي مفيدة للفكر، محفّزة على الإبداع، وتسمح باتخاذ قرارات ناضجة بعيداً عن ضغط التوقعات أو ضجيج الحياة اليومية.
وتُعد هذه العزلة علامة على النضج لا الضعف، متى ما كانت مصحوبة بإحساس بالراحة، وزيادة في القدرة على الإنتاج والتفكير الهادئ وتحقيق الأهداف.
في النهاية، ليس الهدف هو الإلغاء الكلي للعلاقات، ولا الانعزال التام عنها، بل تحقيق التوازن بين الحاجة للهدوء والحاجة للارتباط الإنساني؛ فالإنسان يحتاج إلى مساحات خاصة تعيد له توازنه.
خلاصة القول، العزلة ليست دائماً مرضاً، كما أن العلاقات ليست دائماً هي الحل؛ فالتوازن بين العزلة والوصل، بين الصمت والكلام، هو ما يحفظ الإنسان من الميل الزائد في أي اتجاه؛ فما دامت العزلة تمنحك راحة، وتدفعك إلى الأمام، فهي نضج، أما إن كانت تحبسك عن الحياة، فقد لا تكون عزلة حقيقية، بل دافعاً داخلياً لحاجة لا يمكن أن تتجاهلها، فاجتهد ليعود الاتزان، وذلك بالفضفضة مع صاحب أصابه ما أصابك، أو الاتجاه إلى متخصص يوجهك إلى العلاج والحل السليم.
aaalsenan @