محطة / عماد النوير حاضر عن علاقة الرواية بالفيلم السينمائي
ضمن الموسم الثقافي لرابطة الادباء اقيمت مساء الاربعاء الماضي محاضرة سينمائية عن (الرواية والفيلم – عمارة يعقوب نموذجا)، حاضر فيها الزميل الناقد السينمائي عماد النويري وقام بتقديم المحاضر الدكتور اسامة ابوطالب رئيس قسم النقد في المعهد العالي للفنون المسرحية.
عن علاقة الفيلم بالرواية وضح المحاضر انها: علاقة وثيقة بدأت مع السنوات الأولى من ظهور السينما عندما بدأت الأفلام تفكر وتعتمد على الكثير من الروايات العالمية التي حققت النجاح في وقت ظهورها، وعلى مر عقود انتقلت الكثير من الروايات الى السينما نذكر منها تشارلز ديكنز « اوليفر تويست» وديستوفسكى «الجريمة والعقاب»، وجين اوستن «هوى وكبرياء»، وشارلوت برونتي «جين اير» وهيمنجواي «العجوز والبحر»، حقي «قنديل ام هاشم»، وطه حسين «دعاء الكروان»، واحسان عبد القدوس «الوسادة الخالية»، ويوسف ادريس «النداهة»، واسماعيل ولي الدين «الاقمر»، ونجيب محفوظ «الثلاثية»، وغسان كنفاني «المخدوعون» والطيب صالح «عرس الزين» وعلاء الاسواني «عمارة يعقوبيان»، وغيرهم.
وعن وجهات النظر المختلفة الخاصة بتحويل الرواية الى فيلم قال المحاضر انه: «على مر تاريخ السينما منذ المحاولات الاولى لنقل الرواية الى السينما على يد جورج ميليس في العشر سنوات الاولى من القرن العشرين كانت هناك ومازال تجاذبات بين اكثر من وجهة نظر في ما يخص العلاقة بين الرواية والفيلم. وجهة النظر الأولى تؤكد على ضرورة نقل الرواية كما هي، وضرورة ان يكون الفيلم امينا على كل تفاصيل الرواية حتى لو اعاد قراءتها من خلال الخطاب المرئي. واصحاب هذا الرأي يذكرون فيلم (هوى وكبرياء)، كمثال على الفيلم النموذجي المتحول عن رواية ناجحة وشهيرة. ووجهة النظر الثانية ترى ان الأدب له لغة مختلفة عن لغة الفيلم وان السرد الأدبي الذي يعتمد على العلامات الكلمية او الكلامية يختلف عن السرد السينمائي الذي يعتمد على العلامات الايقونية او البصرية. ومن هنا تؤكد وجهة النظر الثانية على ضرورة ترك المبدع السينمائي لكى يبدع بطريقته الخاصة ويقدم قراءته المرئية بالطريقة التي يراها مناسبة. وترى وجهة النظر هذه ان الفيلم عبارة عن تجربة شعورية ذاتية مختلفة يعيشها المخرج مع الرواية وليس شرطا ان تكون ترجمة لتصور تجربة شخص اخر. ولعلنا نتذكر هنا فيلم (اشرا ق) الذي اخرجه ستانلي كوبريك وظهر عام 1980، كما يمكن الاشارة أيضا الى فرانسيس فورد كوبولا الذي اعاد صياغة رواية (قلب الظلام) لجوزيف كونراد) وقلب احداثها لكنه في النهاية قدم فيلما من روائع السينما العالمية تحت عنوان (الرؤية الان).
اما وجهة النظر الثالثة فانها تعمل من خلال منطقة رمادية لا ترفض ولا توافق وتأمل في الاحتفاظ بشعرة معاوية بين الكاتب والمخرج بين الرواية والفيلم. وترى وجهة النظر هذه ان العمل الروائي رغم انه له عالمه الخاص ولغته الخاصة فانه يحقق الكثير على يد الفيلم الذي يستطيع ان يكشف بأدواته الكثير من جمال الرواية وسحرها، كما ان الفيلم بقراءاته المختلفة والمتنوعة يستطيع ان يحقق للرواية إضاءات تساعد على فهمها وتلقيها بشكل اسهل وبطريقة افضل. وكما يبدو فان وجهة النظر الثالثة تعتمد وترتكز على تلك الصيحات المعاصرة التي تنظر الى الفنون كوحدة واحدة وتدعو الى ان تتلاحم الاشكال الفنية المختلفة، في تقديم رؤية متآلفة ومتمازجة باعتبار ان حال الفن من حال العصر الذي ينتجه. وطالما ان ملامح العصر تتغير فان الاشكال والاساليب الفنية ايضا يجب ان تتغير، وعن تلك الاراء التي تطالب بفصل السينما عن الادب اوضح المحاضر انه وعلى مر تاريخ السينما كانت هناك العديد من الآراء التي طالبت ومازالت تطالب بضرورة فصل السينما تماما عن الرواية، باعتبار ان السينما ليست لها صلة باي فن اخر وأنها وان لم تجد لغتها الخاصة بعد فإنها في الطريق لتفعل ذلك، ومن الذين رفعوا لواء هذا الرأي المخرج الروسي الكبير اندرية تاركوفسكي والايطالى فيديركو فلليني والفرنسي الان رينيه والسويدي انجمار بيرجمان والاسباني بيدرو المادوفار.
واضاف الناقد السينمائي ومدير نادي الكويت للسينما عماد النويري، انه سواء اتفقنا مع وجهة النظر الاولى او الثانية او الثالثة ام لم نتفق فانه في نهاية الآمر ستكون أمامنا رواية سردية كلامية مترجمة الى لغة الفيلم، التي تتحدث بالصور المتحركة، وفي النهاية أيضا لابد لنا ان نشعر ان روح الرواية باقية مهما كانت وجهات النظر. وهذا في حد ذاته يمثل إشكالية كبيرة لأنه فى واقع الآمر لايوجد لدينا مواصفات قياسية نستطيع بها ان نقيس، ونعرف الى اي مدى ينجح المخرج في الحفاظ على روح النص الروائي. وذكر المحاضر امثلة لذلك منها: (تلك المعركة التي قامت بين ستانلي كوبريك وستيفن كينج عندما تم إنجاز فيلم «إشراق» عام 1980 فقد اعترض كينج على معالجة روايته واتهم كوبريك بأنه أضاع روحها أغرقها في معالجة فكرية ذهنية وجودية رمزية لم يقصدها أبدا. وعلى العكس من ذلك نتذكر فيلم (زوربا) الذي اخرجه مايكل كاكويانس وفيه ضيع الى حد ما روح رواية نيكوس كازننتزيكس. ثم هناك تلك المعركة التي قامت بين دوفراك وكافكا عام 1975 عندما اخرج دوفراك رواية المسخ لكافكا وجعل هذا المسخ عبارة عن صرصور ضخم وهو مالم يقصده ابد فرانز كافكا. ولا ينكر احد ذلك الجهد الخرافي الذي بذله دوفرا ك كمخرج في توضيح الالوان، التي كان يرى بها البطل حالة العالم من حوله. وهناك اشكالية ثالثة وهي أحجام السينما وترددها في إنتاج العديد من الروايات التي تصلح رغم حداثتها للمعالجة المرئية ويمكن ان نذكر هنا بعض نتاجات وليد اخلاصي وادوارد الخراط وزكريا تامر واسماعيل فهد اسماعيل وغيرهم. فحتى هذه اللحظة لاتوجد مؤسسات سينمائية مستقلة في العالم العربي تستطيع ان تجازف لتقديم تجارب روائية متفردة ومختلفة. ثم هناك اشكالية رابعة تتمثل في هامش الحرية المتاح لمعالجة روايات تعالج بشكل فعال وحضاري بعض مشكلات السياسة وبعض قضايا الفكر الديني. ثم هناك اشكالية خامسة تتمثل في لغة الرواية وقابليتها لان تتحول الى لغة الحياة اليومية.
وفي نهاية المحاضرة تحدث النويري عن فيلم (عمارة يعقوبيان) -الذي عرض منذ عامين فى يونيو 2006 وتكلف حسب بعض التقديرات 22 مليون جنيه- كنموذج لرواية ناجحة الى حد كبير، تم تحويلها الى فيلم ناجح. واشار الى ان المعالجة المرئية اعتمدت الى حد كبير بالالتزام الكامل برواية علاء الأسواني. واضاف النويري الى انه في الرواية يمكن الاشارة الى عالم الأسواني الثري والى عشقه بالتفاصيل والى ولعه الشديد بسبر أغوار شخصياته المختلفة، وقدرته على توظيف المكان، والى براعته في التحليل النفسي لشخصياته، والى قدرته لان يجعل هذه الرواية كوثيقة اجتماعية بل وتاريخية عن حياة الناس في مصر خلال الـ 30 عاما الأخيرة. وكل ذلك كان من الممكن تقصي اثاره في الفيلم الذي اخرجه مروان حامد عن سيناريو لوحيد حامد. وكانت هناك بعض الملاحظات التي اشار اليها المحاضر وهي: ان نجاح الرواية والفيلم بعد ذلك يؤكد ويثبت ان الحكاية قد انتصرت في النهاية وان المشاهد العربي مازال من اكثر المشجعين لحكاية القصة عن طريق الصور المتحركة، وانه ميال اكثر للخطاب البصري الذي يعتمد على الاشارة الايقونية البصرية في مستواها الاول.
الملاحظة الثانية وهي ان الرواية وبعدها الفيلم استطاعا ان يكسرا بعض تابوهات السينما العربية مثل تابوه الجنس والسياسة وان كنا نتحفظ على بعض اللقطات المثيرة المجانية التي كان يمكن اختصارها دون الاخلال بالسياق الدرامي للفيلم.