واضح وضوح الشمس، فالسيد وليد جنبلاط رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» الدرزي له منهج سياسي مميز لا يمكن لك أن تخطئه. فالرجل لا يتردد أبداً في تحديد الأصلح له ولمصالح حزبه ويقفز قفزة طويلة عالية ليركب حصان الموجة مهما كانت بعيدة أو مغايرة لفكره وهواه. فهو يركب جواد التغيير ببساطة شديدة ومن دون مواربة أو استحياء ومهما كانت رياح التبدل مخالفة لمبادئه ومهما قيل عنه أنه انتهازي أو انقلابي! فمصالحه السياسية متبدلة بكثرة دوران الأرض حول نفسها، فلا يوجد شيء عنده مطلق بل كل شيء نسبي ومتغير بحسب الظرف والزمن والموقع.
من الوارد الآن وبعد المرور بالمقدمة أن تقول بأن لا جديد في الكلام، فالسياسيون والأحزاب التي ينتمون إليها كلهم يعملون وفق المصالح على اعتبار أن السياسة هي علم الممكن. نعم هذا صحيح، لكن المميز في مدرسة جنبلاط أن منهجها التدريسي يتكون من أربعة أركان: التغير الكبير، التغير المستمر، التغير عالمكشوف، وأخيراً التغير من دون أي ظهر أو ساتر ليغطي على الماضي النقيض للموقف الحالي. فهذا السلوك بالتأكيد غريب وفي حاجة إلى مراس وجهد «ووجه منجب» يصعب على أي إنسان أن يمارسه.
فقبل أيام خرج على قناة «الجزيرة» يقدم «شبه» اعتذار للقيادة السورية عما بدر منه في خطاب 14 فبراير 2007. ففي مقابل أن يغض السوريون عن خطابه، سيتجاوز هو «عن الدم» كونه دائماً يشير بأصابع الاتهام إلى النظام السوري ويحمله مسؤولية مقتل أبيه النائب السابق كمال جنبلاط. فلو أخذت التطور التاريخي لتقلبات «الختيار» جنبلاط، نقول بأن تصريحه لقناة «الجزيرة» قبل أيام هي آخر صرعاته الانقلابية حيث بدا وكأنه بصدد صعود حافلة سورية-إيران- «حزب الله» في هذه المرحلة.
انحرافه عن الصحبة القديمة والبدء بمرحلته الجديدة دشنها في لقاء منطقة «الشوف» (الجبل) الذي جمعه هو والنائب العماد ميشال عون في 20 فبراير 2010، حيث أسس من جانب بناء تحالف جديد مع المعارضة، ومن جانب آخر أغلق نافذة كانت تطل على فريق 14 آذار.
ولو راجعنا التاريخ وما قبل لقاء «الشوف» لرأينا الشكل النمطي للنائب وليد جنبلاط الذي وبعد أن كان حليفاً للسوريين في زمن سابق ما، خرج قبل ثلاثة أعوام تقريباً وبانقلاب يفوق 360 درجة وهاجم النظام السوري ومعه فريق المعارضة، وذلك في 14 فبراير 2007 بمناسبة ذكرى استشهاد رفيق الحريري، بكلمات وأوصاف قاسية قد لا يكون من المناسب إعادة التذكير بها، ولا يدري الإنسان كيف يبرر ويغطي هذه الدرجة من التقلب، فأي رصيد من الخجل سيبقى لإنسان آخر لو تودد لنظام هاجمه بعنف قبل عامين. فهي واحدة من إثنتين، إما أنه كلام صادق وحقيقة ومن ثم نتهم كل من يتودد إليه بمثل تلك المواصفات، أو أن الأسد ونظامه الحاكم غير ذلك وبالتالي يكون من يتهمهم هو أولى بها صليا.
د. حسن عبدالله عباس
كاتب كويتي
hasabba@gmail.com