فهد توفيق الهندال / فاصلة / تنمية اللا عطاء!

تصغير
تكبير
الانتماء للوطن هو طرح قضاياه على طاولة البحث بعين النقد والتحليل، للبحث عن المعالجة ووسائل تنميتها السليمة عبر العطاء. المحرض في ذلك المستقبل الذي يتطلب وعياً سبّاقاً لكل الظروف المقبلة، على أرضية جادة من العمل وعلمية التساؤل وتقصي الحقائق، لضمان غد منجز لا يحتمل المصادفة أو التواكل في تسيير جوانب الحياة، وإنما فقط العطاء.

العطاء... ما هو العطاء؟

هو ذلك الحس النابض، المغلف بالضمير، الموجه بالعقل، المدعم بالمعرفة والعلم والقيم. وغالباً ما يكون العطاء دون ثمن، أو غاية، وإنما لإرضاء الذات أولاً، بما سيعود ايجاباً على محيطها.

المتأمل للوضع الراهن في الكويت، ومدى احباطات المواطن من تأخر التنمية ومشاريعها الواقعية، يدرك تلك التساؤلات القلقة عما ستؤول إليه الأوضاع في حالة وقوع أزمة ما تهدد استقرار وكيان الوطن، وتنذر بمزيد من المصاعب والعراقيل في طريق العطاء ومن ثم التنمية. لحظتها ستوجه كل أصابع الاتهام إلى الحكومة وحدها، فتتحمل كل أوزار الأمة ومثالب المسيرة الديموقراطية التي تحولت مع الوقت إلى كوبونات تسوّل! هذه هي الحقيقة المرة التي لا يريد الكثيرون التسليم بها أو مجرد التفكير بعواقبها أو تحليل أسبابها، مكتفين بترديد عبارات الجهوزية لأي أزمة أو اشكالية قد تعوق تنمية الوطن والمواطن الذي تعود بدوره على ريع ورفاهية الدولة.

فالتعليم على سبيل المثال، يتحمل في كل شاردة وواردة جزءاً كبيراً من تفشي الكثير من السلبيات في المجتمع، وتكرر اسطوانة ذلك باعتباره فشلاً في ترسيخ الكثير من القيم الواجبة في نفوس أبنائه منذ نعومة أظفارهم، لكونهم المؤسسة المكملة لتربية الأسرة. ولكن... هل تم وضع دراسات ووسائل بديلة لمعالجة مواطن الخلل في فكر التعليم الراهن؟ وهنا لا أشير فقط لمسؤولي المؤسسات التعليمية، وإنما أيضاً للجان المنبثقة والمشكلة سواء في مجلس الأمة، أو المجالس العليا، أو اللجان الأهلية وكل من ينتمي للعملية التعليمية.

طبعاً، سنوغل في الحلم وربما إلى أسفل درك الخداع، إن ظننا أن هناك لجاناً استشارية أو علمية تقوم دورياً بذلك. ولنفترض حسن النوايا والظن لنتساءل عن نتائج هذه اللجان لتخالف نظرتنا النقدية في استمرار السلبيات ذاتها، إن لم تتطور وأصبحت مستحيلة المعالجة وعصية على أي لقاح أو مضاد حيوي!

فما يحدث ليس إلا حشواً في قوالب جامدة، تبحث عن الكم لا الكيف والنوعية المنتجة في بناء المجتمع.

كيف يمكن لمثل هذه المؤسسات أن تقود مجتمعاً نحو التنمية والتقدم، وقد أصبحت كهوفاً بدائية في التفكير والإدارة، قبل أن تصبح أعشاشاً للمصالح الهدامة ومرتعا للفساد والتجاوزات والشللية وهضم الحقوق وانتفاء الواجبات؟

لنتساءل ثانية... كيف يمكن لموظف دفع من حياته فواتير باهظة الثمن على حساب وقته وصحته وظروفه، منذ أن كان طالباً يبحث عن التفوق والتميز في طلب العلم، وعاملاً مجتهداً في إحدى مؤسسات الوطن بشهادة من يفترض أنهم مسؤولوه بمدى اخلاصه ونزاهته والتزامه بواجبات العمل، وتطالبه بعد كل هذا أن يواصل مسيرة الابداع والعطاء وقد انتهكت حقوقه وبُخس حقه بفضل سياسة الأبواب الخلفية المتبعة في معظم مؤسسات الدولة، وبغفلة من الزمن والقانون لتمكن من هم أدنى لتولي ما هو أعلى؟ والدليل آلاف العرائض المقدمة إلى لجنة شكاوى مجلس الأمة، التي غلب الحفظ عليها لأسباب معينة! أو القضايا الإدارية التي تعصف بها قاعات المحاكم، وتشيخ آمال أصحابها بين أزمنة متباعدة وعهود موعودة! وكيف يمكن أن نشعر بحالة الرضا، وقد تفشى السخط العام من عدم وجود رؤى جديدة تنطلق بالتنمية فكراً ودوراً لا جداول وإحصائيات وضعها استشاريون لا يفقهون بثقافة وطبيعة الوطن، لتملأ الدنيا زهواً ومرحاً، فتكاد تشغل فم الزمان والناس، وقد تجاهلت تنمية الفرد أولاً في الوطن؟

وقبل كل ذلك... كيف يمكن لطالب في أي مرحلة تعليمية أن يجتهد ويتفوق ويتميز في طلب العلم، وهو ينظر أو بالأحرى يعلم علم اليقين أن زميله أو مجايله المتكاسل المتخاذل المتواكل، قد ضمن، وهو على كرسي الدراسة، موقعه المتميز في إحدى مؤسسات الدولة التي تهتم بتنمية وتخطيط مستقبل الوطن؟ والعاقبة لمن يعقل ويتدبر.



فهد توفيق الهندال

إعلامي وناقد كويتي

Kwt1972@gmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي