غياب مستمرّ عن شاشات صندوق النقد جراء ضبابية الأوضاع
الاقتصاد اللبناني بـ «الأرقام الدولية».. الانكماش يتمدد
يستمر غياب البيانات الخاصة بالاقتصاد اللبناني عن التقارير الدورية لصندوق النقد الدولي، بذريعة كثافة ضبابية الأوضاع السائدة وعمق حال «عدم اليقين» التي تحول دون تحديد الأرقام الحقيقية للناتج المحلي ووجهة تطوّر نِسَب النمو سلباً أم ايجاباً، في حين يَحضر وفد من المؤسسة الى بيروت الشهر المقبل مستطلعاً الأحوال وتحديثات الاتفاق الأولي العالق منذ سنتين ونيف مع الجانب اللبناني.
وفي الأثناء، يحرص البنك الدولي ومؤسسات الأمم المتحدة، وبينها «الاسكوا» واليونيسيف، على إبقاء خطوط التواصل مفتوحةً مع البلد «التائه» في نفق الانهيارات غير المقتصرة على الجبهيتن المالية والنقدية في ظل اشتعال جبهة الجنوب وتَفشي الفراغ والشلل الشامل في مراكز القرار في الدولة ومؤسساتها.
وتكاد «سويسرا الشرق» تنزلق الى بلدٍ معزول ومتروكٍ لمصيره المعلّق على نبذِ منظومة الحُكْمِ لضرورات الإصلاحات البنيوية والحوْكمة الرشيدة التي تشترطها المؤسسات الدولية للانتقال من مربع النصح إلى حيز المساهمة في النهوض الموعود، وفتْح الباب الموصد بقفل الإتفاق المنجَز مع الصندوق تسهيلاً لتدفقات الدول والصناديق المانحة والمؤسسات والصناديق المالية والاستثمارية.
وبلغةِ الأرقام المحدّثة على مستوى المؤسسات الدولية، لا يبرح الاقتصاد اللبناني خانة الانكماش الحاد الذي يَضرب مجمل ركائزه للعام الخامس على التوالي حيث تتوافق غالبية التقديرات على الإطاحة تماماً بفرصةِ استعادة النمو الايجابي، بفعل «حرب الجنوب» والقصور الرسمي عن تحقيق تقدُّم ملموس في ملف الاتفاق مع صندوق النقد، بما يتيح الحصول على تمويل بقيمة 3 مليارات دولار.
ورصدت «الاسكوا» (وهي إحدى اللجان الإقليمية الخمس التابعة للأمم المتحدة) المعادلة المقلوبة في تقريرها الأحدث، حيث كانت توقعات ما قبل الحرب تشير إلى نمو الناتج المحلّي بنسبة 1.3 في المئة خلال العام الماضي، و2.2 في المئة للسنة الحالية، بينما تكفّل تَمَدُّد حرب غزة الى لبنان بعكْس هذه التوقعات إلى ترقُّب انكماشٍ بنسبة 0.9 في المئة في 2024 ونمو «موعود» بنسبة 1.9 في المئة للسنة المقبلة.
وتلاحظ المنظمة الدولية ان الجمود السياسي يؤدي إلى تعليق تنفيذ مشاريع الاستثمارات العامة. فالإنفاق الحكومي محدود ولا يغطي سوى بنود أساسية، منها رواتب القطاع العام، ودعم محدود لبعض السلع الحيوية كأدوية السرطان والأمراض المزمنة ونزر من التحويلات النقدية إلى الأسر المصنّفة ضمن فئة «الفقر المدقع» والتي تتم تغطيتها بواسطة قرض من البنك الدولي.
بدوره، يتوقع البنك الدولي في أحدث تقاريره أن تسجّل البلاد نموّاً إقتصاديّاً بنسبة 0.5 في المئة خلال 2024، مقارنةً بإنكماش إقتصادي بنسبة 0.2 في المئة العام الماضي و0.6 في المئة في 2022. ومن المتوقع أيضاً أن يتحسّن متوسّط نموّ الناتج المحلّي الإجمالي الحقيقي للفرد الواحد من 1.2في المئة في 2022 إلى 2.4 في المئة في 2023 و3.1 في المئة في 2024.
كما توقّع البنك الدولي أنّ يظلّ عجز الحساب الجاري في لبنان مرتفعاً عند 10.4 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي مقارنة بـ 11 في المئة في 2023 و 32.7 في المئة في 2022. وبالتالي يحقق لبنان التوازن في الموازنة العامّة في 2024 مقارنةً بفائض بنسبة 0.5 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي في العام 2023 وعجز بنسبة 2.9 في المئة في 2022.
وفي سياق متصل، لاحظ التقرير الدولي أن لبنان كان يعاني أصلاً من إرتفاع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي قبل الأزمة، حيث وصلتْ النسبة إلى 155 في المئة نهاية العام 2018، أي قبل انفجار الازمات وتَدَحْرُجها المستمر، ثم ارتفعت النسبة بنحو 17 نقطة مئويّة إلى 172.3 في المئة خلال 2019 مع انكماش الإقتصاد بنسبة 7 في المئة، وبنحو 22 نقطة مئويّة خلال الفترة الممتدّة بين عامي 2020 و2023 لتبلغ 201 في المئة، حيث خفّفت مستويات التضخّم بشكل جزئي من الزيادة الحادة في القيمة المقابلة للديون المقوَّمة بالعملة الأجنبيّة بسبب إنخفاض قيمة العملة المحليّة.
وفيما يتعلّق بالحرب على غزة وتداعياتها العسكرية والاقتصادية على لبنان، فقد تسبّبت بالفعل، ولا تزال، بأضرار جسيمة في البنية التحتيّة، حيث يتم حرْق وتلويث جزء كبير من الأراضي الزراعيّة. علماً أنّ 20 في المئة من الأراضي المزروعة في البلاد تتواجد في الجنوب. كذلك الأثر الأكبر على زراعة الزيتون التي تمثل 7 في المئة من إجمالي الإنتاج الزراعي في لبنان حيث لحق الضرر بحوالي 100 ألف متر مربع من بساتين الزيتون.