في طريق وثيقة بكركي «مطبّات» و... أفخاخ
«حزب الله» على الأرض في الضاحية الجنوبية... وإسرائيل تسعى لتحديث «بنك أهدافها»
دَخَلَ لبنان استراحةً سياسيةً مرشّحة أن تستمرّ لِما بعد عيد الفطر، وقبْله الفصح لدى الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الغربي، على وقع وقوف المواجهات على جبهة الجنوب أمام ما يُشبه «تمرين انضباطٍ» تحت سقف عملياتٍ تُبْقي الفتيلَ مشتعلاً وموصولاً إلى «برميل البارود» ولكن مع إبطاء سرعة بلوغ مرحلة الانفجار ريثما يتّضح مسار حرب غزة التي تشهد سباقاً بين محاولات الوصول إلى هدنةٍ والاستعدادات لاجتياح رفح، ومن خلْفه ضغطٌ أميركي متجدّد لتَفادي صِدام إقليمي تتطاير شظاياه في عموم المنطقة مع ارتداداتٍ دولية لا يمكن احتواؤها.
وفيما تنشغل المنطقةُ بجولةِ وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن الذي التقى أمس في القاهرة، مسؤولين من كل من مصر والسعودية والأردن وقطر والمغرب وفلسطين والجامعة العربية، لبحث وقف الحرب في غزة وعملية السلام التي يُراد أن تكون «المكمّلَ السياسي» والمرتكَز لحلّ مستدام لـ «الصراع الأم»، سيبقى طريقه مفروشاً بالأشواك ما دام يفتقد إلى شريك اسرائيلي يقرّ بحقّ قيام الدولة الفلسطينية، بقي الوضعُ على الحدود اللبنانية - الاسرائيلية على دورانه منذ أيامٍ في «منطقة وسط» بين التهدئة والتصعيد، وسط معالم «دوْزنةٍ»، لا يُعلم إلى متى ستستمرّ، للمواجهاتِ التي لم تتوقّف ولكن وتيرتَها بقيت على تَراجُع متذبذب.
«نافذة ديبلوماسية»
وإذ مضتْ اسرائيل في غاراتٍ موْضعية على بعض المنازل في قرى حدودية مع قصفٍ لبلدات على الخطوط الأمامية، بالتوازي مع حرص «حزب الله» على إبقاء معادلة «الارتقاء» خطوة مقابل كل خطوة من الجيش الاسرائيلي عبر ردّه على استهداف «المنازل المدنية» بعملياتٍ، وإن محدودة في عددها، ضد «مواقع للعدو» بينها مبنى يتموْضع فيه جنود في المطلة وآخَر في أفيفيم، توقّفت أوساط سياسية عند كلام الناطق باسم الجيش الاسرائيلي دانيال هاغاري عن «أن حزب الله يجرّ لبنان إلى تصعيد خطير لكن هناك نافذة ديبلوماسية مازالت مفتوحة والحزب رفض دعوتنا للسلام على الحدود».
ورأت هذه الأوساط أن كلام هاغاري يؤشر في أحد جوانبه إلى حيثيات انكفاء المواجهات على جبهة الجنوب، إفساحاً في المجال أمام المسار الديبلوماسي، بدءاً من هدنة غزة، ولكن من دون مبالغةٍ في القفز إلى استنتاجاتٍ بأن انخفاض وتيرة المواجهات على الحدود اللبنانية - الاسرائيلية يعكس اختراقاتٍ محتمَلة خلف الكواليس في ما خص أسس التهدئة الدائمة على قواعد القرار 1701 وتفسيراتها «حمّالة الأوجه» من طرفيْ الصراع.
انتشار في الضاحية
وفي ما بدا انعكاساً للارتياب من «الارتقاء العكسي» من اسرائيل في اعتداءاتها جنوباً والذي لم يبدّل «حزب الله»، بإزائه حرفاً في مستوى جهوزيته الأعلى، كان بارزاً ما شهدتْه الضاحية الجنوبية لبيروت ليل الأربعاء من انتشارِ عناصر الحزب بشكل واسع في معقله الرئيسي وبكامل عتادهم العسكري وواضعين الأقنعة على وجوههم حيث عمدوا إلى تدقيق مشدّد للغاية في هويات المارة.
وربطت دوائر مراقبة بين هذا الانتشار المسلّح وبين معلومات عن أن تل أبيب تسعى لتحديث «بنك أهدافها» بعدما أيقنتْ أن الحزب أجرى تعديلات واسعةً على بنيته اللوجستية.
وعلمت «الراي» أن نزول «حزب الله» على الأرض يعود إلى خشيته من محاولة تل أبيب تنفيذ اغتيالاتٍ لمسؤولين رفيعي المستوى، من شأنها أن تطيل عمر رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في الحُكْم.
«وثيقة بكركي»
في موازاة ذلك، انهمك المشهد السياسي بـ«الروتشات» على وثيقة قدّمتْها الكنيسة المارونية وكانت محور اجتماع أمس، في بكركي دُعي إليه ممثلو الأحزاب والتيارات المسيحية (غاب عنهم تيار المردة الذي يترأسه سليمان فرنجية) الذين كانوا خاضوا حول بنودها نقاشاتٍ في الفترة السابقة بقيت بعيدة عن الأضواء.
وفي حين بات معلوماً أن الوثيقة تتمحور حول عناوين عدة، بينها الأزمة الرئاسية المتمادية والشغور في الموقع الأول في النظام الذي يشغله مارونيّ والذي تصرّ الكنيسة على ملئه من ضمن آلية تحترم الدستور وبعيداً من أي حواراتٍ تكون بديلاً عن الانتخاب في البرلمان أو ممراً إجبارياً له بما يجعل الرئيس يُنتخب في عملية تعليبٍ تفرضها موازين قوى وليس بقوة الدستور، إلى جانب مقاربة لقضايا إشكالية وطنية ولموضوع الشراكة وقرار الحرب والسلم والنزوح السوري ومحاولات ضرب ركائز الاقتصاد الحر والخشية من تحوّل لبنان تدريجياً دولة ايديولوجية دينية، أشارتْ مصادر مطلعة عبر «الراي» إلى أن طريق صدور هذه الوثيقة ليس معبّداً بالكامل بعد.
ولفتت المصادر إلى مطبّاتٍ تتصل أولاً ببعض النقاط التي يراد تضمينها «بصريح العبارة»، ناهيك عن عدم رغبة أطراف في أن تشكّل الوثيقةُ مدخلاً للقاء مسيحي على مستوى القادة تَعتبر أن رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل «يستميت» لأن تستضيفه بكركي لمعاودة «تعويم» نفسه وتصوير أنه جاء استجابةً لرغبته.
وبحسب المصادر، فإن ثمة أطرافاً لا تحبّذ مساراتٍ تحت عنوان «الوحدة المسيحية»، باعتبار أن لا معنى لها خارج الوعاء الوطني وطرفيْه المسيحي والمسلم، وترى أن عناوين ومبادئ سياسية وطنية وسيادية كفيلة بتشكيل جسر عابر للطوائف، على قاعدة أن الأزمة في لبنان ليست مسيحية ولا حلّها مسيحياً وأن قضايا مثل المطروحة في الوثيقة، كتحييد لبنان فكّ عزلته العربية والدولية يتطلّب مقاربة لجوهر المشكلة والدعوة لحلها «لمرة واحدة ونهائية».
ووفق المصادر نفسها فإن عنوان سلاح «حزب الله» ووجوب إنهاء وجوده خارج الشرعية أمر أساسي لا بدّ أن تدعو إليه الوثيقة، باعتبار أن تفرّد الحزب بقرار الحرب والسلم وزج لبنان في لعبة المَحاور والاستقواء على الدولة همو الذي يستجرّ أزمات متناسلةً، لافتة إلى أن «التيار الحر» ليس في وارد التزام هذا السقف المتعلق بسلاح الحزب ووجوب تسليمه، ما يشي بصعوبة بلوغ سقف مشترك ولا بطبيعة الحال «وضْع ميثاق شرف يُلْزم الأطراف المسيحية».