حسن عبدالله عباس / الحسين (عليه السلام) بين غلو الطرفين

تصغير
تكبير

يتجدد العهد بالحسين (عليه السلام) كل عام وفي مثل هذا الوقت احتفاء بذكرى استشهاده العظيم. فالحديث عنه حي نابض لا يزال يقوى ويلقى طراوة وحلاوة كلما تقدم الزمان. مقتل الامام الحسين (عليه السلام) سبط الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهله وأصحابه أشعلت في قلوب المحبين ناراً ترتفع جذوتها في كل يوم يلتقي الزمان بالعاشر من محرم. فالشيعة والسنة على السواء يحزنون لهذا المصاب الجلل، كيف لا وهو ريحانة الرسول (عليه أفضل الصلاة والسلام).

الشيعة وحسب اعتقادهم ومنذ مئات الأعوام يقيمون شعائرهم الدينية بإحياء هذه الحادثة العظيمة، وفيها تنشط الثقافة الدينية من تحت منبر ثقافي اسمه المنبر الحسيني، تخليداً لذكرى صاحبها (عليه السلام). السنة ومن طرف آخر وحسب اعتقادهم يحيون هذه الأيام بالصيام امتثالاً لحديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الشهير «صوم عاشوراء». فالطرفان يحييان هذا اليوم انطلاقاً من معتقداتهم المذهبية وأسانيدهم الروائية.

إذاً كل فرقة إسلامية ترى في عملها التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بإحياء ما جاء في موروثها المذهبي. من هنا واعتماداً على هذه الزاوية نقول إن كل فريق يفُترض في عمله نية القُرب من الله سبحانه وتعالى، ولا شيء غير وجهه الكريم.

لم أقل في ذلك كله جديداً سوى أن الغلو أبعد كل طرف إلى منحى تأزيم العلاقة مع الآخر. فالملصقات الكثيرة التي تراها في كل زاوية وتؤكد على ثواب صوم عاشوراء لم تعد تعني ثواب هذا اليوم من المنظور السني. وإلا فاحاديث استحباب الصيام كثيرة، واستحباب الصيام في أيام أخرى من السنة أيضاً كثيرة كيوم عرفة على سبيل المثال، فلم الإصرار وبهذا النشاط بتذكير الناس صوم عاشوراء «تحديداً» دون غيره من الأيام؟

وأما الشيعة فلهم شعائرهم وطقوسهم التعبدية التي يحيونها إيماناً منهم باستحبابها وأملا في التقرب إلى الله سبحانه وتعالى. ولكن الغلو لدى البعض منهم جعله يتمادى في الجوانب المذهبية ليصل إلى حد السب والقذف المُعلن ومن على منبر أبي عبدالله الحسين (عليه السلام) لبعض الصحابة بذريعة حرية النقد وحركة العقل الواسعة التي يتمتع بها المذهب الجعفري رغم اتفاق علمائهم عما رُوي عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) في حربه مع أهل الشام: «كرهت لكم أن تكونا شتامين».

الذي أريده من ذلك كله أن النوايا ابتعدت عن التقرب الى الله عز وجل واستُبدلت بنية استفزاز الآخر من باب «لا حباً في معاوية ولكن كرها لعلي». فكما أن الأول لم يعد يقصد حقيقة نية التقرب الى الله سبحانه وتعالى بقدر استفزاز الشعور الشيعي باستحباب صيام عاشوراء، كذلك الثاني لم يعد يقصد نية التقرب الى الله «بسب الصحابة» بقدر استفزاز الشعور السني . فهل هذه مقاصد الحسين (عليه السلام)؟


حسن عبدالله عباس


كاتب كويتي

[email protected]

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي