السينما والمسرح والإذاعة والتلفزيون والموضة، تعد مفاتيح لعاداتنا وتصرفاتنا، وقوى موجودة في المجتمع إن لم نحسن استخدامها في ما يناسب ثقافتنا وتمثيل هوياتنا لأصبحت قوى تتحكم بعقولنا وأفكارنا وأطباعنا وملبسنا ومأكلنا، بل وحتى العلوم التي نتعلمها ستفرض علينا فرضاً ناعماً لا نشعر بإحكام قبضته علينا.
قبل أيام تم عرض فيلم نابليون بونابارت، في دور السينما العالمية وهو فيلم من بطولة الممثل الأميركي خواكين فينيكس، الحاصل على جائزة الأوسكار، أعجبني الفيلم جداً، ولكن من خلال العرض رأيت أن نابليون شخص أخرق أرعن ضعيف أمام حبه لزوجته التي صرفت مشاعرها لغيره، وهو يفكر بها قياماً وقعوداً وأثناء الحروب، ونتيجة لذلك كان يحب القتل، وكان الشعب الفرنسي يتصف بالهمجية والثورة والعواطف المجردة من العقل، وعندما وصلت نزعات الطغيان لنابليون لتطول بريطانيا كانت القاصمة له ونقطة هلاكه.
واختتم الفيلم بأعداد القتلى على يد نابليون، في فرنسا وأوروبا كشخصية من ضمن الطغاة الذين صعدوا للحكم على جثث وجماجم الشعوب.
يقول المؤرخ البريطاني أندرو روبرتس: «إن الأفكار التي تُشكّل جزءاً أساسياً من عالمنا (الغربي) المعاصر — كتولية الوظائف بناءً على الجدارة، والمساواة أمام القانون، واحترام حق الملكيَّة، والتسامح مع الأديان والمذاهب، وعلمنة النظام التعليمي، وابتكار النظم المالية السليمة، وغيرها — كلها دوَّنت وابتدعت وأيَّدت ونشرت على يد نابليون. يُضاف إليها ما ابتكره من نظم الإدارة المحلية العقلانية والفعَّالة، وقضاؤه على اللصوصية الريفية، وتشجيعه العلوم والفنون، وإفناؤه للإقطاعية، وتدوينه أهم القوانين منذ سقوط الامبراطورية الرومانية»
بعد هذا التناقض الذي لا يهمني أيهما صحيح.
أعجبني الاستخدام الذكي لوسائل العرض السينمائي لإيصال ما يريده المخرج والمنتج من نقاط معينة بالإيجاب لطرف والسلب لطرف آخر بما يخدم أهدافه وقضاياه وفكره المشترك مع من يمول هذا العمل الفني.
قضيتي ليست فرنسا ولا نابليون، لكني أعتقد أننا إن لم نتطور ونضع لنا بصمة متفوقة جداً في مجالات القوى الناعمة نوصل بها رسائلنا للعالم، فسوف يصدر فيلم في المستقبل عن طغيان المسلمين في فلسطين، أو قتل بني قريظة في المدينة، أو سذاجة المسلمين وحبهم للجواري ونكون نحن -المتفرجين- وبعد العرض نتبادل الآراء على طاولة العشاء ويتم التصفيق لبريطانيا المنتصرة على الظلمة والحاقنة للدماء.