الوزير اللبناني السابق يرى أن «حل الدولتين لم يَعُد له نفس المعنى والدولة الواحدة متعذّرة"

طارق متري لـ «الراي»: اسرائيل واقعة في قبضة التناقض ولا يبدو ان لـ «حماس» هدفاً محدداً غير مقاومة الاحتلال

طارق متري: مشروعٌ لكونفيديرالية فلسطينية - إسرائيلية
طارق متري: مشروعٌ لكونفيديرالية فلسطينية - إسرائيلية
تصغير
تكبير

- الهدفَ الأول للحرب المتمثّل في القضاء على «حماس» لم يَعُد واقعياً وصار الهدف الفعلي محو غزّة
- الموقف المصري والأردني الصلب أفْشَلَ مشروع تهجير الغزاويين إلى سيناء
- «حماس» تتصرّف من دون حساب في السياسة وجلّ ما تسعى إليه الآن الدفاع عن بقائها الجسدي والسياسي أي الاستمرار بحُكم غزة
- هكذا تدرّج موقف مسؤولين لبنانيين من الخوف من تفلُّت الحرب المضبوطة إلى أنها «ممسوكة» فالقول «تَبَدَّدَ التوجس تماماً»
- ما لن يحدث حيال غزة هو عودة الإسرائيليين إلى حُكْمِها أو الإتيان بالسلطة الفلسطينية
- صيغة الحُكْم المفترَضة لغزة ستكون فيها «حماس» إما شريكاً أو الطرف الأقوى لكن لا يمكن أن تحكم لوحدها
- المتظاهِر غير الناخب وليس بالضرورة أن كل مَن يقفون معنا حالياً في العالم سيترجمون موقفهم في يوم انتخاباتهم بما يؤدي إلى تغيير سياسي
- الـ «1701» بعد الحرب: استمرارُ تنفيذه ولكن بمندرجاتٍ أقلّ أو تسوية كبيرة إيرانية وأميركية أو موْضعية لبنانية وإسرائيلية على الحدود فيصبح قابلاً للتطبيق
- السفيرة الأميركية أبلغت نظراء غربيين: لا تفكّروا في قرار جديد غير الـ «1701»
لن يُفْرِجَ الركامُ الرهيبُ في غزة المسفوكة الدم سريعاً عن أسئلةٍ كالأشلاء المبعثرةِ تحت جنازير الدبابات والمتناثرةِ كدموع الجنازات... ربما يحتاجُ الأمر إلى ألفِ هدنةٍ وهدنة لنفْض الغبار عن «الصندوق الأسود» لعمليةِ «طوفان الأقصى» والمحشوّ بأسرار عن التوقيت والشَراكات ولائحةِ أهدافٍ أصابتْ ومفاجآتٍ لم تكن في الحسبان... ولإشاحة الرماد عن جرائم حرب ارتكبها الكيانُ المأزوم وجنرالاتُه المهووسون بلعبةِ الإبادة، ومغزى تَحَوُّلِ بحْرنا ترسانةَ مدمراتٍ جاء بها الغربُ المصابُ بـ «عمى الألوان».
«مسودةُ» أسئلةٍ عن اليوم الأول في حربٍ بدأت قبل 75 عاماً وانفجرتْ مرة أخرى في 17 أكتوبر 2023 وستكون آيلةً للإشتعال مراراً وتكراراً... وعن اليوم التالي بعد كمّ أفواه المَدافع وتسييج المَقابر الجَماعية وإطلاق الأسرى والرهائن والمحتجَزين كما حركة النعوش... وعن كل يومٍ فلسطيني في روزنامةٍ من أوراق تفيض أياماً وأياماً وكأن زمَنها لا يذبل ولا يشيخ... عن هذا الكرّ والفرّ بين حربٍ وسلامٍ، حربٌ لم تتعب من موتٍ بلا طائل، وسلامٌ ضائعٌ في مهبِّ صراعٍ يستحق الجائزةَ الكبرى على الكوكب لأنه الأقدم والأطول والأعقد والأوضح والأكثر إيلاماً.
مشروعُ إجاباتٍ عن مشروعِ أسئلةٍ على طاولة طارق متري، الرجلُ بقاماتٍ كثيرةٍ وكأنه استثناءٌ في «جمهورية الزواريب» مع قلةٍ مُمْسِكَةٍ بِمَجْدِ «التجربة اللبنانية» من طرفيْها... إرثُها الغنيّ في وطنٍ اختبر التنوّعَ والريادةَ، ومعناها العميق كملاذٍ لعالَمٍ ينحو نحو صِدام الهويات... قلةٌ تُفاخِرُ بها كثرةٌ لِما تنطوي عليها تجاربها من علاماتٍ فارقةٍ في المعرفة والقِيَم والسلوك، ولِما تشكله أدوارُها من قيمة مضافة في بلادٍ يَنْحَرُها التقهقرُ على يد «دمى متحركة» بأسماء حَرَكية كثيرة.

يصعب على المرء رسم «بروفايل» سريع لشخصيةٍ بمكانة الوزير السابق، الديبلوماسي الأممي، الأكاديمي المسكون بحوارِ الثقافات والأديان.
طارق متري رئيس جامعة القديس جاورجيوس في بيروت، الوزيرُ في أربع حكوماتٍ متعاقبةٍ بينها تولّيه الخارجية بالوكالة يوم صدور القرار 1701 عن مجلس الأمن، المؤسِّس والمُشارِكُ في أُطُرٍ عدة للحوار اللبناني والإسلامي - المسيحي، الممثّل سابقاً للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، المُحاضِرُ في جامعاتٍ عدة لبنانية وفي الخارج، في جنيف وأمستردام الحرة وهارفارد، وصاحبُ أدوارٍ سابقة في هيئاتٍ غير حكومية عربية ودولية.
مسالكُ وعرةٌ، سنتان في ليبيا ومن أَجْلها، سطورٌ مستقيمةٌ بأحرف متعرّجة عن المسيحيين الشرقيين وعلاقتهم بالمسلمين. مدينةٌ على جبل، عن الدين والسياسة في أميركا. حرب إسرائيل على لبنان 2006، عن قصة القرار 1701. باسم الكتاب المقدّس وباسم أميركا. الدين وحقوق الإنسان. الدين والقانون والمجتمع... عناوينُ لمؤلفاتٍ شكّلت جوانبَ من تجربةِ طارق متري السياسية، الثقافية والفكرية، إضافة إلى دوره المؤثّر كأستاذ جامي وداعية حوار.
متري، رئيس مجلس أمناء مؤسسة الدراسات الفلسطينية والعضو في مجلس إدارة المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، من الجيل الذي وُلد مع النكبة الأولى (مواليد 1950) وعايَشَ المسارَ المديدَ من التحولات التي ارتبط جذرُها بالقضية الفلسطينية، وتالياً بالصراع العربي - الإسرائيلي الذي كان لبنان واحداً من حلباته الساخنة، وشارك، وجهاً لوجه، في واحدةٍ من المَعارك القاسية مع إسرائيل، يوم كان على رأس الديبلوماسية اللبنانية إبان حرب يوليو 2006 التي أفضت بعد 33 يوماً من القتال إلى القرار 1701 الذي عاد أخيراً إلى دائرة الضوء مع تحول خط التماس اللبناني مع إسرائيل جبهةَ مساندةٍ لغزة بقرار من «حزب الله» المُمْسِكِ بالإمرة الإستراتيجية في البلاد.
فبين اللكمة الإستراتيجية التي تلقّتْها إسرائيل بعملية «طوفان الأقصى» والهدنة الممدَّدة التي يحتاجها الجميع، أيُّ خلاصاتٍ يمكن استنتاجُها من حرب الـ 48 يوماً، التي تنافستْ الألقاب على توصيف تَوَحُّشِها؟ نسأل الوزير الذي رأى «أن من الصعوبة الآن الخروج بخلاصاتٍ حاسمة... ففي الإمكان التفكير بتوقعات ممكنة لِما هو آتٍ».
وإذ استوقفه تعبيرٌ ورد في السؤال حول «الهدنة التي يحتاجها الجميع»، قال «أعتقد أن ثمة انقساماً حقيقياً في الرأي العام الإسرائيلي وحتى داخل المجلس الحربي، بين التيار المتشدد والتيار الأقل تشدُّداً (كلاهما متشدد). فالأول وبقطع النظر عن أن العسكريين منه يعتنقون «عقيدة هنيبعل» التي تنطوي على أن من الأفضل للجندي أن يُقتل من أن يقع في الأسر، فهو يَعتبر أن الأسرى المدنيين والمحتجَزين بمثابة ضحايا وغير مستعدّ تالياً لإخضاع خطة الحرب على غزة لمصير هؤلاء ولمصلحتهم، أي أنه مستعدّ للتضحية بهم».
وفي تقدير متري أن التيار الثاني «يتكئ على حركة الاعتراض على إهمال قضية الرهائن والتي عبّرت عنها تظاهراتُ تل أبيب التي لم تقتصر على أقرباء هؤلاء، الأمر الذي دَفَعَ بالتيار الأكثر تشدداً إلى القبول بمعاودة التفاوض، الذي سَبَق أن جُمد، وعلى البنود عيْنها التي سَبَقَ ان اتُّفق عليها تقريباً».
متري، الذي يتابع عن كَثَبٍ ما يجري داخل إسرائيل لفت إلى ان «التيار المتشدد، ولنقُل التيار الحاكم مع كبار العسكر، باستثناء وزير الدفاع (يوآف) غالانت الأقرب أكثر إلى الآخَرين، يشعر وعلى نحو مكتوم بتناقُضِ هدفيْ الحرب المعلنيْن، القضاء على حركة حماس وإنقاذ الرهائن، فواحدٌ يتطلّب تصعيداً عسكرياً والآخَر يستلزم هدنة. والإسرائيليون واقعون الآن في قبضة التناقض رغم كلام (رئيس الوزراء بنيامين) نتنياهو عن أنه سيستكمل الحرب وبالقوة عينها. وهو أمر غير أكيد، وخصوصاً أن الهدفَ الأول للحرب والمتمثّل في القضاء على حماس لم يَعُدْ واقعياً، بل صار الهدف الفعلي تدمير غزة».
ولاحَظَ متري، الذي كان مديراً لمعهد عصام فارس للسياسات العامة والعلاقات الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت (2014 - 2019) أن «تدميرَ غزة هو الهدف الفعلي لإسرائيل وعند السواد الأعظم من الرأي العام فيها. وإحدى الجمعيات غير الحكومية الاسرائيلية (FakeReporter) والتي تتسم بالجدية أحصت على منصة X 18 الف تعليق تُستخدم فيها عبارة تسوية غزة بالأرض أو محو غزة أو تحويلها ركاماً. فالكلام عن القضاء على حماس يضمر محو غزة. وهذا ما تَحقق في الشمال ويمكن أن يتحقق في أجزاء أخرى، ولكن أعتقد ان ثمة عنصراً إضافياً صعّب الأمر على الإسرائيليين ويتمثل في الموقف الأردني والمصري».
الموقف الأردني – المصري «صلب»
وعندما يُسأل، صاحب كتاب «الدولة العربية القوية والضعيفة» (الذي وضعه بالاشتراك مع ساري حنفي عن مآلات ما بعد الانتفاضات العربية) عن الموقف العربي، يقول «إن الأمر يرتبط بتوقعاتك. فإذا كانت توقعاتك عالية ستكون الحصيلة ان الموقف العربي غير ذي جدوى. أما إذا كانت توقعاتك منخفضة، وهذا لسان حالي، فيصبح في الإمكان القول إن الموقف الأردني – المصري صلب. فالمشروع الإسرائيلي الذي وافقتْ عليه الولايات المتحدة وأرسلتْ (وزير الخارجية أنتوني) بلينكن للاجتماع بالقادة العرب على أساسه، كان تهجير الغزاويين إلى سيناء، الأمر الذي توقف نتيجة الموقف الحاسم للاردن ومصر، ما صعّب الأمر على إسرائيل. وما يصعبه اليوم أكثر هو المعارضة الأميركية لمعاودة حُكْم إسرائيل لغزة. ولذا اعتقد أن الهدنة ربما تتيح لإسرائيل التفكير بما ستفعله لاحقاً».
أما من جهة حركة «حماس»، في رأي متري، فهي «لم تتصرّف وفق ما يمكن وصفه بالرؤية - وهي كلمة كبيرة - أو خطة، ما يعني انها تتصرف من دون حساب في السياسة، وهذا ما ينطوي عليه ما يُنسب من كلامٍ إلى خالد مشعل وموسى أبو مرزوق وإسماعيل هنية عن أنهم لم يكونوا على علم بالعملية (طوفان الأقصى). فحماس تقاتل بدافع غريزة البقاء وللحفاظ على حُكْمها لغزة بعد انتهاء الحرب، رغم أن ما من كلام حتى الآن بينها وبين السلطة الفلسطينية ولا بينها وفتح في ظل ما يُحكى عن أفكار لمعاودة تنشيط السلطة الفلسطينية (كما عبّر الرئيس الأميركي جو بايدن في صحيفة «واشنطن بوست») أي توسيعها وضمّ قريبين من حماس إليها وتغيير قيادتها، وربما الاستغناء عن محمود عباس... كل هذا لم يُبحث بين الحمساويين ولم يفكّروا فيه، وجلّ ما يسعون إليه الآن هو الدفاع عن بقائهم الجسدي أولاً، والسياسي، أي الاستمرار في حُكْم غزة، ثانياً. وهذا ما يصعّب الأمور أيضاً لأن هذا الطرف لم يضع أهدافاً سياسية لمقاومته ليرى ماذا يمكن أن يحقق منها. هدفهم الآن من خلال عمليات التبادل، أخذ متنفس من الحرب لأيام، إضافة إلى استعادة بعض الأسرى».
ثمة تقديرات تشي بأن عملية «طوفان الأقصى» فاجأت حلفاء «حماس» في «محور المقاومة» ولم تكن إيران على عِلْم بها، كما ان تداعياتها ربما فاجأت «حماس» نفسها وسط همسٍ عن تحميلها مسؤولية استدراج الأميركيين ومعهم الغرب إلى المنطقة، كما نقول لمتري الذي يعرب عن اعتقاده ان «أغلب الظن ان الحمساويين أنفسهم الذي نفّذوا طوفان الأقصى فوجئوا بتداعياتها، كما الأطراف الآخرين، ومن المرجح جداً (لا يمكنني الجزم) ان الاتصالات غير المباشرة، والمباشرة أحياناً بين الإيرانيين والأميركيين مستمرة. وعندما يتحدّث الأميركيون عن الأمر أصبحوا يستخدمون عبارةً تشي بان الاتصالات أدنى من المحادثات وأقرب إلى التواصل أو الحديث. ولم يكن عابراً قول خامنئي في اليوم الأول من الحرب ان إيران لم تكن على عِلْم ولم تكن مُشارِكة في عملية طوفان الأقصى ليؤكد بلينكن في اليوم التالي صحة هذا الكلام. فثمة مراعاة متبادَلة بين الأميركيين والإيرانيين لأنهما لا يريدان حرباً كبيرة، وهو ما تعبّر عنه الولايات المتحدة جهاراً».
القرار 1701
هل يعني ذلك أن خطر نشوب حربٍ كبرى أو انزلاق جبهة جنوب لبنان - شمال إسرائيل إلى حربٍ شاملة تَضاءل؟... يجيب الديبلوماسي الذي شارك في «صُنع» القرار 1701، «مَن يراقب الموقف الإسرائيلي يكن كل يومٍ أمام صوتٍ إما سياسي أو عسكري أو صحافي (والصحافة لها وزنها وتأثيرها في إسرائيل) يقول ما معناه إنه لا يمكن ترك جبهة الشمال (مع لبنان) على حالها، فحزب الله يتربص بنا ولدينا من 75 ألفاً إلى 100 ألف مهجّر لن يعودوا إلى مستوطناتهم إلا إذا أبْعَدْنا خطر صواريخ الحزب المصلتة فوق رؤوسنا، وسط مناقشات حادة دارت من وقت لآخَر داخل المجلس الحربي الذي صوّت إحدى المرات بغالبية ضد فتح جبهة الشمال، وفي رأيي لسببين: الأول والأهمّ ان الإسرائيليين يعتبرون أن معركتهم الأولى هي في غزة والثانية في الضفة الغربية، أما الشمال فيأتي في الدرجة الثالثة. والسبب الثاني المرجَّح هو الضغط الأميركي، فالولايات المتحدة لا تريد حرباً إقليمية، وتقول للإسرائيليين إن حاملات الطائرات التي أتينا بها كافيةٌ لردْع الآخرين».
... في ليلةٍ ليلاء من اشتعال جبهة «المشاغَلة» في جنوب لبنان على نحو أكثر دراماتيكية، فَتَحَ الأميركيون «الهواتف الحمر» مع كبار المسؤولين اللبنانيين لمعرفة إذا كان «حزب الله» يتجه نحو حربٍ أوسع، وخصوصاً ان إسرائيل وضعتْ على الطاولة سيناريوات لها، فكان الرد ان الحزب الذي ينتقم لمقتل 7 عناصر في سورية، على التزامه بقواعد الاشتباك... ويعلق متري على هذه الزاوية بأنها «تنطوي على أداء أميركي يشبه العصا والجزرة».
ويقول إن «مَن يتاح لهم التحرك من المسؤولين اللبنانيين وإجراء اتصالات مع الخارج وفي الداخل، اتسم موقفُهم بالتدرّج حيال خطر الانزلاق إلى حربٍ أوسع. وفي البداية ثمة مَن كان يشعر بينهم، وعلى طريقة (كارل فون) كلاوزفيتز ومن دون أن يدركوا ذلك، بأن الحربَ تتجاوز أحياناً أهداف القائمين بها، أي أن الحرب نفسها لها منطقٌ يخالف أحياناً منطق مَن أشعلها، وذلك في دلالةٍ على خوفهم من أن الحرب المضبوطة يمكن أن تتفلّت، قبل أن يصبح لسان حال هؤلاء المسؤولين بعد مدة بأن لا خوف فالحرب ممسوكة ولا خشية من انزلاقها إلى ما هو أوسع، ثم تطورت تطميناتهم إلى حد القول إن أي توجس قد تبدّد تماماً».
أيُّ حربٍ عسكرية لا بد من أن تفضي في نهاية المطاف إلى مسارٍ سياسي، فهل بدأت تلوح في الأفق ملامح ديناميةٍ ما، أي هل ستكون غزة أمام 1701 في شمالها كمنطقة منزوعة السلاح؟ وهل سيشق حل الدولتين طريقه؟
يردّ متري «في ضوء ما يقوله الأميركيون كطرف مؤثّر (الأوروبيون تأثيرهم محدود جداً) عن أنه لا بد من الخروج من الحرب الدائرة بمسارٍ سياسي يؤدي في نهايته إلى قيام الدولتين، فإن هذا الأمر لا يعني شيئاً كثيراً لأن بايدن سينشغل بعد أشهر قليلة بالانتخابات الرئاسية، ولأن من المستبعَد حالياً قيام عملية سياسية كبرى على غرار مؤتمر مدريد، أي بمشاركة جميع الأطراف. وهذا مستبعَد ليس بسبب روزنامة الأميركيين بل نتيجة الواقع الإسرائيلي، إذ لا بد من رحيل نتنياهو غير القادر وغير الراغب في التفاوض، وهو أمر يحتاج إما لانتخاباتٍ وإما لانقلاب عليه من داخل الليكود وفي الكنيست. كما ان الوضعَ الفلسطيني غير جاهز كفاية».
من هنا فإن الخروجَ السياسي من الحرب، في تقدير متري «سيدور في غالبيته حول صيغة حُكْمِ غزة، تمهيداً لحديثٍ لاحق حول حل الدولتين. ومن الواضح ان ما لن يحدث حيال حكم غزة هو عودة الإسرائيليين إلى حُكْمِها أو الاتيان بالسلطة الفلسطينية لحُكْم القطاع (فهي غير قادرة وربما لا تريد أساساً)، وتالياً فإن صيغة الحُكْم المفترَضة ستكون فيها حماس إما شريكاً أو الطرف الأقوى، لكن لا يمكن أن تحكم لوحدها».
وألا يعتقد ان إسرائيل ستسعى عبر مجلس الأمن، إلى تسييج المنطقة العازلة التي تريدها في شمال غزة بقرار مشابه للـ1701؟... يجيب متري «الإسرائيليون يريدون تحويل شمال غزة منطقة عازلة بفرْضها كأمر واقع، وهم غير مهتمين كالعادة بالاتيان بقرار من مجلس الأمن يكرّس سيطرتهم، إضافة إلى ان مجلس الأمن يعاني شللاً وسيستمرّ كذلك إلى حين انتهاء ولاية غوتيريش، هذا إذا استمرّت الأمم المتحدة، التي انتابها الضعف، على قيد الحياة. ولذا من غير المرجح صدور قرار عن مجلس الأمن شبيه بالـ 1701 والمسألة الأهمّ ستكون مَن يدير غزة؟».
الصدمةُ التي تلقّتْها اسرائيل في 7 أكتوبر وبفعل نتائج الحرب التي لن تستطيع من خلالها تحقيق كل أهدافها، تطرح سؤالاً حول هل سيأخذها هذا مستقبلاً نحو مزيدٍ من التشدّد أم أنه سيجعلها تستخلص درسَ أن السلام أو حلّ الدولتين بات مسألةً استراتيجيةً كي تستطيع أن تبقى على قاعدة أن الأمن يكون بالسلام وليس بالقوة.
وفي هذا الإطار يعتبر متري «أن السيرَ بعمليةٍ سياسيةٍ مآلُها تسويةٌ ما، ينال الفلسطينيون بموجبها بعضاً من حقوقهم الوطنية، يتطلب قيادة سياسية في اسرائيل ليست موجودة في الحُكْم ولا في المعارضة».
ويضيف: «في إحدى المحاضرات التي كنتُ ألقيها في الأكاديمية الديبلوماسية في فيينا، استحضرتُ فكرة بنيديكت اندرسون حول أن الأوطانَ هي جماعاتٌ متخيَّلة. وعندنا، الجماعة المتخيَّلة، فلسطين، في الخمسينات والستينات وأوائل السبعينات، كانت من البحر الى النهر وتم اغتصابُها من اسرائيل. والمفارقة أن الفلسطينيين لم يعودوا يتحدثون عن «من البحر الى النهر»، ولم تَعُد هذه هي الجماعة المتخيَّلة، ولكنها صارتْ كذلك في اسرائيل حيث تجد حتى ابن 5 أو عشر سنوات يجيب حين تسأله عن حدود اسرائيل: من البحر الى النهر. وتالياً غالبية الرأي العام الاسرائيلي يريد كل فلسطين التاريخية. وهنا لم يَعُدْ مُهِماً الجدالُ حول هل كان هذا في أساس المشروع الصهيوني وراحوا يقضمون فلسطين تدريجاً إلى أن حان وقت ابتلاعها كلها. فأياً يكن فهمُنا لتاريخ الرؤية البعيدة المدى لاسرائيل فنحن صرنا اليوم هنا». ويتابع: «بوجود رأي عام اسرائيلي يريد كل فلسطين ويرفض أن يُعطي شيئاً، يصبح مفهوماً أكثر، أن ما قاله نتنياهو عن حُكم غزة لم يكن زلة لسان. أي وكأنه نادم، ويدعو لمعاودة بناء مستوطنة في غوش قطيف. والمفارقة أنه في الصحافة الاسرائيلية، هناك يومياً مقال عن غوش قطيف التي كانت قائمة في شمال غزة وجاء ارييل شارون في لحظةٍ ما وطَرَدَ المستوطنين منها. أي كأن ثمة دعوة للعودة إليها. أي أن جو الرأي العام الاسرائيلي هو اسرائيل الكبرى».
الحقد والكره للعرب في اسرائيل
وفي موازاة هذه المشكلة، والضعف الكبير الذي أصاب ما كان يُسمى معسكر السلام في اسرائيل والذي لم يعد يضم إلا حفنةً من دعاة السلام الحقيقي، يرى متري «أن عملية طوفان الأقصى أوصلت الحقد والكره للعرب في اسرائيل إلى مستويات غير مسبوقة، وبات الطاغي وفق منطق هؤلاء أنه لا يمكن القيام بتسوية مع الفلسطينيين وأن لا حلّ إلا بالقوة وليس السياسة».
ويضيف: «منذ 1948، الاسرائيليون يتقمّصون دور الضحية الدائمة حتى وهم يخوضون حروباً عسكرية وينتصرون فيها، وذلك على قاعدة أن العداء للسامية يمكن أن يستيقظ في أي يوم وأنهم لا يثقون إلا بأنفسهم. وهذا التقمّص أصبح قوياً جداً، وفي الوقت نفسه بلغتْ ممارسةُ سياسة القوة أوْجَها. وهذه هي اسرائيل، أي أناس يصوّرون أنفسهم ضحايا ويَشعرون بالخوف، وهم أنفسهم وحوشٌ في استخدام القوة. وفي رأيي أن منطق الخوف وعدم الثقة بأحد والإيمان بالقوة وصل إلى أقصاه اليوم في اسرائيل، وكي ينزلوا عن الشجرة المرتفعة قد يتطلب الأمر جيلاً كاملاً».
ما بعد «طوفان الأقصى» ارتسمتْ معالمُ تطورٍ غير مسبوق شكّلته خسارة اسرائيل معركة الرأي العام الدولي، بعدما تمكّن صوت آخَر ولا سيما بفعل وسائل التواصل الاجتماعي وتفلُّتها من قيود الإعلام التقليدي من كسْر ما يشبه الأحادية في التسويق من «جانب واحد» للسردية الاسرائيلية حول القضية الفلسطينية.
المتظاهر والناخب
وحين نسأل متري عن ذلك وعن سرّ استقطاب هذه القضية تظاهراتٍ وتحركات في عدد كبير من العواصم، وأي رمزياتٍ تتمتع بها ولا تنطبق على عشرات الصراعات المشتعلة حالياً في العالم، يقول: «هناك مَن يعتبر إن المتظاهر غير الناخب. بمعنى أن ليس بالضرورة أن كل مَن يقفون معنا حالياً سيترجمون موقفهم في يوم الانتخابات في دولهم بما يؤدي الى تغيير سياسي. وفي الولايات المتحدة مثلاً، الخيار هو بين بايدن وترامب، والأخير أسوأ من الأول. وهذا يعني أن التظاهرات في أميركا، والتي شارك فيها يهود، وما عبّرت عنه من تغييرٍ في قناعات كثيرين تجاه القضية الفلسطينية لن يؤدي إلى تغيير سياسي. وهذا يصحّ في اوروبا أيضاً. وأذكر أنه قبل 3 أعوام التقيتُ بأحد القيادات المتوسطة في الحزب الديموقراطي الأميركي، وقال لي في كلامٍ جدي ومحسوب على الورقة والقلم أن 45 في المئة من قيادات الحزب الوسطى والدنيا هم بقوةٍ مع الفلسطينيين، في حين نرى أن بايدن، مرشح «الديموقراطي»، انحاز لإسرائيل أكثر من أي رئيس أميركي سابق. وبالتالي أعتقد أنه يتعيّن أن ننتظر طويلاً قبل أن يؤدي التغيير الذي يحصل على مستوى الرأي العام إلى تغيير سياسي».
ويضيف: «مردّ الاهتمام الكبير في العالم الغربي بكل ما يخص اسرائيل، ليس فقط الوجود اليهودي في الغرب، بل ما يمكن تسميته بالاستثناء الاسرائيلي. وفي اوروبا والولايات المتحدة، أعيد في عملية معقّدة جداً، ولكنها نجحت، إشعارُ الأوروبيين بعقدة الإثم حيال اليهود. فإذا كنتَ أوروبياً، إما أنت حفيد شخصٍ شارك في قتلهم أو الوشاية بهم واضطهادهم أو السكوت عن قتْلهم، وهؤلاء هم واقعياً أجداد 80 في المئة من الأوروبيين. وكان الجيل الثالث بدأ ينسى هذا الأمر، وتم تذكيرهم بما ارتكبه أجدادهم بحق اليهود فأيقظوا لديهم الشعور بالإثم».
ويتابع متري: «وفي الولايات المتحدة، اليهود الذين هربوا من اوروبا لديهم شعور بالإثم بأنهم تركوا اخوتهم يموتون في سجون النازيين ومخيمات الإبادة، في حين أنهم جاؤوا إلى اميركا وبنوا ثروات وتملّكوا بيوتاً وغير ذلك، وتالياً هم يعوّضون عن هذا الشعور بالدعم المطلق لاسرائيل». ويردف: «ومع إيقاظ هاتين العقدتيْن بقوةٍ شعر الجيل الشاب خصوصاً بأنه لا يريد أن تنتقل إليه عقدة الإثم، وقد عبّر عن ذلك، وهو يَعتبر أنه نشأ على قِيَمٍ يعتمدها مقياساً واحداً لموقفه من كل الدول والقوى السياسية، اسرائيل وغيرها. وثمة يهود تَظاهروا وقالوا إننا مثل كل الناس، ونحاكم اسرائيل على القتل».
وإذ يحبّذ استبدالَ مصطلح «العداء للسامية» المتبَع في الغرب بـ «العداء لليهود»، يشير إلى أنه وللتعويض عن هذا العداء هناك في المقابل غلوّ في حب اليهود ( philosemitism)، ويقول «لو كنتُ يهودياً لانتابني الارتياب من الاثنين معاً، من الذي يكرهني كوني يهودياً ومَن يحبني بناء على ذلك، لأن هذا يعني أنه يتم التعامل معي كأنني استثناء أو شيء خاص. وهذا على المدى الطويل لا ينفعني إذا كنتُ مقيماً في الغرب، بل في اسرائيل. والأخيرة تعرف كيف تستثمر هذا الأمر. علماً أن هناك يهوداً مثقفين في الولايات المتحدة بدأوا يكتبون عن هذه القضايا، وهؤلاء ينبثقون من التيار الرئيسي لدى اليهود الذي يَعتبر أننا تعبنا من أن نُعامَل كأننا نختلف عن سوانا من شعوب العالم».
ومن هنا، يرى متري أن الأمور في ما خص مستقبل غزة على المدى القصير«لا تشي بما هو أبعد من محاولة ترتيب أوضاعها. ولكن على المدى الأبعد، سيكون هناك تغيير ويمكن أن يكون لمصلحة فلسطين، إلا أن الأمر سيتطلب وقتاً طويلاً». ويقول:«لو جاءت اليوم إدارةٌ أميركية وقالت: لنذهب إلى حلّ الدولتين وسنعطيكم كل باقي الضفة. لو كنتُ فلسطينياً لا أقبل، فنصف الضفة بات في يد المستوطنين، والضفة ليست موصولة بغزة، وبين الضفة والقدس هناك جدار».
حظوظ الدولة الواحدة «ضعيفة»
ويلفت الوزير السابق إلى أنه في المقلب الفلسطيني، النقاشُ الذي كان دائراً حول حل الدولتين أو الدولة الواحدة سيعود، ويقول:«حظوظ الدولة الواحدة ضعيفة بطبيعة الحال، لأن الاسرائيليين كلهم ضدها، سواء كانت ثنائية القومية أو دولة ديموقراطية يتساوى فيها كل مواطنيها. فالدولة الواحدة تعني أن فيها 7 ملايين يهودي و7 ملايين فلسطيني، وبعد عشر سنوات تصبح المعادلة 10 ملايين للفلسطينيين و8 لليهود، وهذا العامل الديموغرافي محسوب إسرائيلياً ويجعل مشروع الدولة الواحدة مستحيل التحقق إلى جانب اعتبارات أخرى».
ويضيف: «حالياً، يتم طرح مشروع جديد بدأ يجري تداوله في الصحافة الغربية وصار محور دعوة لمؤتمر في جامعة جنيف، ويقوم على إنشاء كونفيديرالية فلسطينية – اسرائيلية، فيتم إيجاد دولتين لا يعود مهماً حجمهما. فإذا كانت فلسطين صغيرة واسرائيل كبيرة، فكونهما كونفيديرالية هذا يعني أن الفلسطيني الذي يقيم في أراضٍ خاضعة لسلطة اسرائيل يَحمل الجنسية الفلسطينية والعكس صحيح، بحيث يصبح المستوطنون في الضفة اسرائيليين ولكن بمثابة زوار يعيشون في الكانتون الثاني».
ويضيف «حل الدولتين لم يعد له نفس المعنى، وحل الدولة الواحدة متعذّر، وتالياً لا بد من التفتيش عن صِيَغ أخرى، ولكن الأمر يحتاج إلى وقت».
وثمة مَن يرى أنه سواء كان الكلام عن حربٍ أو سِلْمٍ، لم يَعُدْ مُمْكِناً الحديثُ عنهما بمعزلٍ عن أن إيران صارتْ قوةً إقليميةً لديها ساحاتٌ للمشاغَلة وأذرعٌ للمشاغبة. وهناك انطباعٌ في ضوء ما أعقب«طوفان الأقصى»من تحريكٍ لجبهة الجنوب ان القرار 1701 كان من أول ضحايا الحرب.
ونسأل متري هل تعتقد أن هذا القرار انتهى؟ وماذا بعد حرب غزة وهل سيعود الوضع في الجنوب إلى ما كان عليه عشيتها ولا سيما أن اسرائيل بدأت تتحدث عن ضرورة خروج «قوات الرضوان» التابعة لـ«حزب الله» الى شمال الليطاني؟
يجيب: «قبل 7 أكتوبر كان الواقع جنوباً محكوماً بتنفيذٍ ولو جزئي للـ 1701 ببعض مندرجاته. وأعتقد أننا في المرحلة التي ستلي انتهاء الحرب أمام واحد من احتمالين: استمرارُ تطبيق القرار ولكن بالقليل من مندرجاته، أي البعض يصبح قليلاً. والاحتمال الثاني إذا حصلت تسوية كبيرة إيرانية – أميركية، أو تسوية موْضعية لبنانية – اسرائيلية على الحدود، عندها يصبح الـ 1701 قابلاً للتطبيق. وإذا كان المسارُ الذي يُعمل عليه بين الرئيس نبيه بري وآموس هوكشتاين (حول الحدود البرية) جدياً ووَصَل إلى تَفاهُم، فإن الناظِمَ لِما بعد حرب غزة سيكون الـ 1701 في أبعاده المتعددة وليس قراراً جديداً يَصدر عن مجلس الأمن أبلغتْ السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا عدداً من السفراء الغربيين أنه ليس وارداً».
ويضيف ان «القرار 1701 ينص على وقف الأعمال العدائية وليس وقف إطلاق النار. وحينها سألتُ وزراء الخارجية الذين شكرتهم آنذاك على صدور القرار، متى سنلتقي مجدداً ليصدر قرار وقف النار، فكان جواب وزير خارجية فرنسا... بعد أسبوعين، فيما قالت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس... بعد شهر. ومرّ 17 عاماً على هذا الكلام".
وإذ يوضح «أن وقْفَ الأعمالِ العدائية تدبيرٌ موقت يهيئ لوقف النار»، يشير حين نقول له أن «ثمة شقاً متعلقاً بلبنان في ما خص تطبيق الـ 1701 وإطلاق العمل بمندرجاته كافة إلى أن تحقيق وَقْفِ النار رُبط بمسائل عدة بينها بسْط الدولة اللبنانية سلطتها على أراضيها كافة، وهو شَرْطٌ غير قابل للتحقيق».
ويؤكد «إلى جانب بعض النقاط المرتبطة بلبنان، فإن اسرائيل لم تنفكّ تخرق القرار منذ 2006. واليونيفيل لديها سجلّ موثّق بالخروق الاسرائيلية اليومية، الجوّية وأحياناً البرية».
ويكشف متري جانباً مَخْفياً من القرار 1701 الذي صدر تحت الفصل السادس، والذي ينصّ على أن تنسحب اسرائيل من جنوب لبنان، على أن يدخل الجيش اللبناني وقوة «اليونيفيل» إلى جنوب الليطاني «وأن لليونيفيل الحق في اتخاذ كل التدابير الضرورية، وهذه لغة الفصل السابع، لتنفيذ جَعْلِ منطقة جنوب الليطاني خاليةً من المسلّحين والسلاح إلا المأذون بهما من السلطة الشرعية اللبنانية».
ويضيف: «هذا نصٌ صريح، أي لا يُفترض مرور حتى سيارة تابعة لـ «حزب الله» في جنوب الليطاني. ولكن الواقع ليس كذلك. وسأذكر هنا أمراً حصل إبان التَفاوُض حول قواعد الاشتباك - وهنا التعبير صحيحٌ وليس كما يتم استخدامه الآن، وهو بلغة الأم المتحدة أنه حين يتم إرسال قوة دولية ينبغي أن تتفق مع الجهة المحلية، أي الجيش اللبناني في حالتنا، حول المسموح أن تقوم به وغير المسموح به في ما خصّ الدوريات وحدود عمليات التفتيش مثلاً وسواها - وحينها وبعدما قررتْ الحكومةُ اللبنانية الموافقةَ على الـ 1701، كان التوافقُ على أن يجلس الجيش اللبناني مع اليونيفيل لوضع هذه القواعد، وكنا ندرك أن الجيش سيسأل حزب الله حول كل قاعدة. واتُّفق على قاعدة غير مكتوبة ولكنها من أكثر قواعد الاشتباك التي تم احترامها منذ 2006، وهي أن ما لا تراه غير موجود، وهذا «ينطبق» على السلاح تحت الأرض وفي المستودعات وعلى المسلّحين تحت الأرض. ومن هنا ارتيابُ حزب الله حين تدخل دورية لليونيفيل إلى بلدة أو أخرى فيتمّ اعتراضُها من الأهالي تفادياً لاكتشافِ مخرن سلاح في منزل أو بقعة معينة».
ويقول الوزير متري «بعد 7 أكتوبر، تبدّل الوضع وظهر سلاح تحت الأرض فوقها. ومن هنا صعوبة العودة إلى الواقع نفسه الذي كان سائداً قبل طوفان الأقصى. إلا إذا، وكما يقول البعض، اتجهتْ المنطقة إما إلى اتفاق أميركي - إيراني في نهاية المطاف، وإما إلى حرب أميركية - إيرانية. فإذا حصل الاتفاق، حزب الله سيرتاح كثيراً في لبنان، وبحال الحرب سيخرب لبنان ويغرق في الفوضى».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي