لندع الصراع جانباً بين الدول الكبرى المتداول اليوم بين السطو والخضوع وبين النصر والهزيمة للاستحواذ على الممرات المائية لطرق التجارة العالمية نظراً لتطورات الأسواق ونظام التسويق التجاري. وملف فلسطين وأوكرانيا والسودان يعتبر أحد ملفات هذا الصراع، وإسرائيل محور من محاور الصراع الدولي هذا في جانب، وفي الجانب الآخر فإن قوة العقيدة الإسلامية قد تجاوزت الأنظمة وعبرت القارات وسرت مسارها في أرجاء العالم بمعزل عن حروب الدول وسياساتها العرجاء وعن الإسلام السياسي وعروش العواهل الملكية وتيجانها...
خذ مثلاً بلاد أفريقيا اليوم وفيها 14 دولة مسلمة، المسلمون 550 مليون نسمة تقريباً لا شأن في إسلامهم لدولة أو سياسة وقريب في هذا في السومطرة وبلاد الجاوة والباكستان واندونيسيا... وقد يكون في الصين وما جاورها من بلاد الطاجيك عدة كهذه العدة من الملايين. فلا يزال الله يغرس في هذا الدين غرزاً يستعملهم في طاعته.
هذه القوة غالبة وصامدة تتطلب تفسيراً غير كلمة العقيدة مجردة عن خواصها ومزاياها ومحاسن الإسلام، هذه الميزة لم تتهيأ للعقائد الأخرى التي لم يُعرف لها مثل هذه الغلبة ومثل هذا الانتشار والظهور... وهذا ما أقلق الغرب فانطلق الباحثون يلتمسون الدواعي التي يُسرت لهذه الدعوة ما لم يتيسر لغيرها. فمن أسباب انتشاره في الهنود أنه سوى بين الطوائف المنبوذة وغيرها من طبقة البراهمة والاشراف. كما أن من أسباب انتشار الإسلام في اندونيسيا وماليزيا أنه صادف ثمة شعباً فقيراً زراعياً ساءت ظنونه بساداته من رجال الدنيا والدين وأنكروا تعاليهم عليهم وانشغالهم بالفساد المالي... فرحبوا بأصحاب الدين الجديد فأقبلوا عليه بالملايين.
كما أن من أسباب انتشاره في القارة الافريقية - عند فريق من الباحثين – أنه لا يمنع تعدد الزوجات ولا يحول بين الرجل الافريقي وطلاق زوجاته أو الاحتفاظ بما شاء منهن شريطة ألا يتجاوز الأربعة فقط!
كما أن من أسباب انتشاره الواسع في أوروبا وأميركا وأستراليا أنه دين الفطرة السوية، بسيط سهل القواعد والأصول ولا يحتاج الداخل فيه بعد شهادة التوحيد وأركان الإسلام إلى شيء من الغوامض والطلاسم والمراسم التي يتدين بها اتباع النحل الأخرى ولا يفقهون معناها.
وعلى هذا الأساس السابق نجد أن زعماء القبائل الاثيوبية والسودانية وغيرها دخلوا في الإسلام فدخلت القبيلة عن بكرة أبيها، وابتدأ هذا التحول من الطبقات العليا إلى من دونها كما ابتدأ من الأتباع إلى السادة والرؤساء...
ونخلص إلى أن الإسلام يحوي العقيدة المُثلى للإنسانية اليوم فلا يكون الإنسان مسلماً صالحاً مستقيماً وهو يطلب الآخرة على حساب الدنيا فينعزل أو أنه يصحب إسلامه في حاله ويدعه في حالة أخرى «أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ» أو رهيناً بواسطة بينه وبين السماء يتولاها في المعابد والكنائس والمقابر والأضرحة سدنة موكلون بالوساطة والوكالة بين المخلوق والخالق وبين العابد والمعبود.
قال ملك الروم هرقل (وكذلك يفعل الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب).
إنه صمود العقيدة الإسلامية في مواجهة التحديات وهذا ما أخاف بني صهيون.