رؤية ورأي

تصحيح اعوجاج المشهد السياسي

تصغير
تكبير

البيئات التشريعية في الدول المتقدّمة والناشئة (Developed and Emerging Countries) مختلفة كلّياً عن نظيراتها في دولنا النامية. فالبيئات التشريعية في تلك الدول مُدَعّمة ومُعَزّزة بمجموعة واسعة من الأدوات التنظيمية التي تُرشّد إجراءات وخطوات التشريع، وتوجّهها نحو تلبية الاحتياجات المتنوعة والمتعدّدة الأبعاد لمواطنيها ومجتمعاتها واقتصاداتها.
ومن بين هذه الأدوات التنظيمية – المفتقدة في الكويت – «تحليل الأثر التشريعي» (RIA)، الأداة التشريعية التي ينبثق منها تقرير منهجي تفصيلي، يتضمّن تحليلاً وتقييماً للآثار المحتملة لإقرار مشروع قانون، يُعد ويسلّم هذا التقرير قبل مداولة مشروع القانون في لجان البرلمان.

استخدام أداة «تحليل الأثر التشريعي» لترشيد مشاريع القوانين ممارسة عريقة في الغرب، حيث يرجع تاريخه إلى عام 1978، حين أصدر الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، الأمر التنفيذي الرئاسي رقم (12044)، الذي بموجبه ألزم الحكومة بإجراء دراسات تحليلية، لجميع مشاريع القوانين ذات الأثر الاقتصادي الذي يعادل أو يزيد على مئة مليون دولار، لمعرفة أثرها على التضخّم الاقتصادي المحلّي، قبل عرضها على الكونغرس الأميركي.
وعلى مدى عشرات السنين من ممارسة «تحليل الأثر التشريعي» كأداة لترشيد التشريع، طوّرت الدول المتقدّمة والناشئة – على مراحل – منهجيات هذه الأداة بحيث أوجبت المصادقة على التقارير المنبثقة من هذه الأداة من قبل جهات مستقلّة، وتوسعت هذه الدول بالتدريج في تطبيقات الأداة بحيث شملت مستويات تنظيمية أعلى وأدنى من القوانين كالسياسات العامة واللوائح التنظيمية.
كما تتجه بعض هذه الدول إلى فرض عقوبات في حال التأخّر في إعداد ومصادقة وتسليم تقارير الأداة.
فعلى سبيل المثال، ينظر حالياً مجلس العموم البريطاني في مشروع قانون يلزم الحكومة بتقديم تقرير «تحليل الأثر التشريعي» مصدّق عليه من جهة مستقلّة مع كل مشروع قانون – بفئتيه – تقدّمه الحكومة، وفي حال التأخّر في تقديم التقرير المصدّق يُلزم الوزير المعني بالإدلاء ببيانات أمام البرلمان في شأن أسباب التأخير ومساعي تعجيل تسليمه ومستجدات موعد التسليم، وذلك في كل ثالث جلسة برلمانية إلى حين تسليمه.
المراد أن الدول المتقدّمة والناشئة حريصة وتزداد حرصاً على توظيف وتطوير أداة «تحليل الأثر التشريعي» لترشيد التشريع لديها، لأنها توفّر لصانعي القرار وأصحاب الشأن معلومات مهمة حول إمكانية وكيفية تحقيق مشاريع القوانين لأهدافها.
وبالتالي تساعد أصحاب القرار (في السلطتين التنفيذية والتشريعية) في الدفاع عن قراراتهم ومواقفهم الفردية والتضامنية تجاه مشاريع القوانين، وفي الوقت ذاته تنمي الشفافية النيابية وتمكّن الشعب من الارتقاء في متابعة وتقويم نوّابه، وتباعاً «ترقية الأعراف والممارسات البرلمانية إلى النماذج المنشودة»، وهو أحد الأهداف الإستراتيجية التي دعا إلى تحقيقها ممثل سمو أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد، سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد، ضمن النطق السامي الذي ألقاه صباح أوّل من أمس في حفل افتتاح دور الانعقاد الثاني للمجلس الحالي.
بالرغم من الدعوات المتكرّرة من قبل القيادة السياسية إلى الشعب لتفعيل دوره المحوري في عملية «ضبط المشهد السياسي وتصحيح إعوجاجه»، كما جاء صراحة في النطق السامي الأخير، إلا أن هذا الدور ما زال معطّلاً لأسباب عدة من بين أبرزها الضبابية وانعدام أو ضعف الشفافية في المجلسين.
لذلك، انسجاماً مع الدعوات السامية إلى تصحيح مساري السلطتين التنفيذية والتشريعية وتنمية مشاركة الشعب في مشروع تصحيح اعوجاج المشهد السياسي، أدعو الحكومة إلى تكليف أمانة نظم المعلومات ودعم اتخاذ القرار – التابعة للأمانة العامة لمجلس الوزراء – بإعداد تقارير «تحليل الأثر التشريعي» لمشاريع القوانين التي تُقدّمها إلى المجلس، وأيضاً للاقتراحات بقوانين التي يُقدّمها نوّاب المجلس، على أن تُنشر هذه التقارير على موقع الأمانة العامة لمجلس الوزراء على شبكة الإنترنت، وذلك بعد المصادقة عليها من قبل جهة متخصّصة مستقلة...
اللهمّ أرنا الحقّ حقاً وارزقنا اتباعه.
abdnakhi@yahoo.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي