المقاطعة الرسمية والمقاطعة العاطفية العشوائية!

تصغير
تكبير

كتبت قبل أيام جُملة أعجبت البعض وهي «لا تعطِ طفلاً مسدساً ولا تعطِ سفيهاً ميكرفوناً»، بمعنى أن خطورة المسدس بيد طفل تُعادل الميكرفون عندما يمسكه سفيه أو شخص غير ذي صفة، ويتخذ قرارات ويُطالب الناس أن تفعل كذا وكذا.
تاريخ الدعوة للمقاطعة، ليس أمراً جديداً علينا، ونعرفها رسمية تصدر من الدولة بعد دراسة مجريات الأحداث وتُقر من المجلس النيابي وتأخذ مفعولها على أرض الواقع كمقاطعة الكيان الصهيوني.

لكن هناك مُقاطعات عاطفية عشوائية تصدر من أشخاص أو جهات لا صفة لهم، ولا يحق لهم إصدارها، ولو أن بعضها له أسباب جوهرية، إلا أنها تصدر من غير ذي صفة ومن دون دراسة، ونذكر هنا مُقاطعة المنتجات الدنماركية أو السويدية أو غيرها، التي صدرت من قبل من جهات مثل اتحاد الجمعيات التعاونية وليس من الدولة، لكن مفعولها وقتي ولا أثر لها في ما بعد، جمعية ما تُعلن أنها ترفع مُنتجات الدولة الفلانية من رفوفها، ويتجاوب معها الناس في حينه، لكن كونها غير مدروسة فإن المُتضرر من قرار المُقاطعة هو التاجر المحلي الذي يملك البضاعة، لكونه قد دفع ثمنها مسبقاً، ولا يتضرر في حينه تاجر بلد المنشأ، لكن لو كان القرار عملياً ومدروساً لكان من جهة رسمية، ويكون بدء مفعوله مثلاً بعد فترة من الزمن وليس في لحظة الحدث، لكن ما يحدث مُقاطعة لأسبوع وتُضرر المورد المحلي، وبعد أسبوعين كأن لم يحدث شيء، وتعود المُنتجات للرفوف وبقوة.
ضرر هذه المقاطعة العاطفية العشوائية مزدوج، حيث لا يتضرر الطرف الأجنبي إنما الضرر الأكبر على الجهات المحلية التي تمت مُقاطعتها، ونحن نتحدث عن ما يحدث هذه الأيام في أحداث غزة المؤلمة، شخص ما يُمسك الميكرفون أو السناب ويأخذ قراراً بمقاطعة كذ وكذا بالاسم لأنه أجنبي، ويُطالب الناس بالفعل نفسه، هنا لا صفة له عندما ذكر مسمى كافيه أو مطعماً مُحدداً، ولم يذكر كافيهات أو مطاعم أخرى، ويتجاوب معه الناس وخاصة الشباب، بل الأخطر من ذلك أن عدداً من المراهقين يقومون بجولات بوليسية لمعرفة من لا يُنفذ القرار، بل والقيام بتخريب واجهات المرافق الخاصة، ووفق مصدر أن الكافيه الواحد فقط لو أغلق أبوابه لو طالت المقاطعة، لخسر 14 ألف شخص عربي أسباب رزقهم عند الاستغناء عنهم.
المُلاحظ من هذه المقاطعات العشوائية أنها تثبت أننا شعب «أكول» في المقام الأول، فمقاطعتنا فقط في الأكل والمطاعم والكافيهات والمنتجات الغذائية، رغم أن الدول الذي سنقاطعها تنتج كل المُنتجات في حياتنا من سيارات وأجهزة كهربائية وأدوية وتلفونات وقنوات وغيرها، ولكن عندما نقاطع، نُقاطع كل ما يؤكل، وهذا فعلا أمر غريب ويحتاج دراسة.
سؤال لماذا المقاطعة عشوائية انتقائية رغم أن كل الدول الغربية والآسيوية وقفت بجانب إسرائيل بقوة، الأخطر من ذلك أن تنتشر في الكويت لوحات إعلانية في الشوارع من جهة مجهولة وبموافقة الدولة ممثلة بالبلدية تُطالب بالمقاطعة، لكن لم تُحدد أي الدول نُقاطع، مُغرد ذكر أن الهند هي أكثر دولة ساندت إسرائيل، لماذا لم يكن هناك دعوات لمقاطعة مطاعم البرياني والاستغناء عن الخدم والسواق من منازلنا أو العمالة في شركاتنا؟!
الذي مسك الميكرفون أو بموقعه في «السناب» أو «الانستغرام» وغيره، وطالب بمقاطعة منتج مُحدد بالاسم، ألا يعي أنه بعد انتهاء الحرب أو الأزمة، أن بإمكان صاحب العمل أو الشركة المتضررة أن ترفع عليه شكوى وتقاضيه قانونياً، طبعاً يحق لها ويفترض عمل ذلك، حتى يجب ألا تمر هكذا دعوات من غير ذي صفة بالمقاطعة، وأن تمر مرور الكرام وتسبّب خسائر وسمعة.
أخطر ما في الأمر مع سكوت الدولة التام أن معظم المُنادين بالمقاطعة والمنجرفين نحوها بقوة هم من الشباب والمراهقين والصغار والعديد من الكبار ونواب منتخبين كنا نغبطهم بعقل!، وكأنهم لا يعون أن أمن الوطن مُعتمد على الله ثم على معاهدات مع الدول الذين ينادي الكثيرون بمقاطعتها بينما معسكراتها على أراضينا... لهذا أين العقول النيرة؟، وكأننا لم نمر بتجربة قاسية من قبل.
لهذا، بالختام علينا أن ننظر لمصالحنا قبل الانجراف نحو عواطفنا والله الحافظ.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي