بالرجوع إلى تاريخٍ ماضٍ مبني على الفتح، وهي قاعدةٌ نحويةٌ لو أسقطناها على أسلاف الأمة الفاتحين لاقتفينا أثرهم بفتحٍ من الله ونصرٍ قريب، ولو تنحينا عنها لبنينا على السكون حياتنا.
جاهد الغرب كثيراً ووضع الأهداف نصب أعينه لأن يكون تاريخنا على الرفوف نطلع عليه مرة بين الفينة والأخرى لنزيل عنه غبار الأيام الذي تكوّن بإهمالنا عن الاطلاع والانتفاع والاتباع لخطوات أسلاف الأمة العظيمة، و لو أزلنا الغبار من عقولنا وقلوبنا عن ديننا وتاريخنا وإرثنا لعرفنا كم وكم من رجالٍ عفروا وجوههم بالغبار صباحاً لإبلاغ كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وعفروا وجوههم بالترابِ ليلاً لتسجد قلوبهم وتقترب وتدعو الله مخلصةً له الدين.
من بين تلك الكتب المغبرة على رف كتب التاريخ، أخذت كتاباً عليه صورةٌ لشجرةِ زيتونٍ لا شرقيةٍ ولا غربية، يجاورها المسجد الأقصى الذي بات أقصى أحلامنا وسيفاً أحدب كالهلال وآخر مستقيماً كصليب، كُتِبَ عليه عنوان الحروب الصليبية.
فتحته بشكلٍ عشوائي وإذا بـنور الدين محمود، رجلٌ جعل المسجد الأقصى أقصى آماله ومبلغ غاياته، فبنى منبراً عظيماً ليخطبَ عليه يوم فتح القدس قبل أن تفتح إيماناً بوعدِ الله عز وجل، فلا يكلُ عن العمل ولا يستريح من التعب إلا بالتعب لإيصال هذا المنبر للمسجد الأقصى، فسخر لهذا الهدف وقته وجهده، وأدرك بأن العمر قصير والموت قريب فأعد لهذه المهمة من يكملها من بعده ويسير على أثره فكان صلاح الدين الأيوبي، الذي أكمل المسيرةَ وفتح القدس وطهر الأقصى من دنس الفرنجة وحمل المنبر إلى المسجد الأقصى وارتقى عليه الخطيب الدمشقي محي الدين ابن زكي، وألقى خطبةً عصماء تحكي لنا أثر الجِدِ والعمل وبذل الأسباب والاتكال على الله وانتظار المدد منه سبحانه، إن شاء أعطى وإن شاء منع.
ولم يكن يوسف نجم الدين أيوب، الملقب بصلاح الدين عربياً لينسب فلسطين أو القدس لآبائه وأجداده أو أنها أرض العروبة، بل كان مسلماً كردي الأصل. أدرك أنها مسرى نبيه الأمين وأولى القبلتين وثالث الحرمين، ونسبتها له أنها أرض الإسلام والذي به يتم السلام.
فكان هو من فرض شروط السلام لمن أراد السلام على أرض المسلمين، فاتحاً الباب لقبولِ كل من أراد العيش تاركاً له اختيار دينه وعبادته إيماناً بـ «لكم دينكم ولي دين».
الإسلام حيٌ محفوظٌ وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبِّهَ لهم، نحن الذين متنا بعد أن أصبح الرجال أحياءً في قبورهم عند ربهم يرزقون.
واليوم مازال مشعل، نورالدين، وضاءً ولكننا أبدلناه بضوءٍ نظنه نوراً ولكنه لا يهدي الحائرين ولم يسرِ في قلوبنا كما سرى في قلبِ نورالدين محمود، ولم نصلح ديننا كما أصلحه صلاح الدين، اسماً ومضموناً، واكتفينا وقنعنا بالقعود عن العمل، فأين نحن من مَن ينشئ المنبر ومن يُعلّم أصول العلم والتطبيق الصحيح لقواعد الدين، وأين نحن من رجال السند والعلم والتربية والتزكية الذين مازالوا يتسلسلون ويتوارثون الإرث النبوي المحفوظ لنا ولم نلجأ له ولم نعتصم بحبله، الرجال الذين التف حولهم أمثال نورالدين محمود وصلاح الدين الأيوبي، من إرث مدرسة أبوحامد الغزالي، التي أحيا بها علوم الدين؟
إذا كان لك حلم فاستيقظ من نومك واسعَ إلى تحقيقه ولا تتمط وتتلذ بالفرش الوثيرة، فالحلم الحقيقي يحتاج إلى قيامٍ وعملٍ ليتحقق.
اعمل وتعلم ما تفيد به دينك وتخدم به وطنك فتنهض من خلالك حاجةٌ للأمة وتكون لبنةً صالحةً لبناء مجتمعٍ سليمٍ قويمٍ شاهقٍ، وأعدّ نفسك وأهلك للعمل والجد لصلاح الدين والدنيا ليسري من خلالك وأهلك نور الدين النبوي الممتد بالاتباع والتوارث، فيجري الله على أيديكم نفع البلاد والعباد.