«حزب الله» يمضي بـ «تحيير» إسرائيل: ردْع جنونها وليس استدراجه وإذا تدخّلت أكثر ستتوسّع الأمور
لبنان على حبل مشدود والتحذيرات الدولية تتوالى من «الحسابات الخاطئة»
مجندتان إسرائيليتان في دورية أمنية قرب الحدود مع لبنان أمس (أ ف ب)
استهداف مستعمرة المنارة الإسرائيلية بصاروخ موجه من لبنان أمس
- مسيّرة إسرائيلية استهدفت سيارة في الجنوب ومقتل عنصر من «حزب الله»
- «تشغيل» الساحات الأربع لـ «محور الممانعة»... مزيد من «الإشغال» أو شرارة تمدُّد الانفجار؟
- تقارير عن نزوح 13 ألف لبناني من القرى الحدودية الجنوبية
بين محاولةِ فَتْح الأفق السياسي في «قمة القاهرة للسلام»، وفتْح أفقٍ إنساني بإطلاق رهينتين أميركيتيْن، وفتْح أفقٍ إغاثيّ من خلال معبر رفح، مثلثٌ انشدّ إليه لبنان الذي تبقى عيونُه على وقائع الحرب بين «حماس» واسرائيل والتي تقترب من دخولِ مرحلةٍ جديدةٍ عنوانُها الاجتياح البري، فيما قلْبُه على إمكانِ أن ينزلقَ إلى الصراعِ المتعدّد البُعد والطرف انطلاقاً من «الأوعية المتصلة» التي تربطه، ولا سيما عبر «حزب الله»، بكل «صفائح» المنطقة بامتداداتها الاقليمية والدولية.
ومع دخول «طوفان الأقصى» أسبوعه الثالث وسط انفلاش المواجهات على طول الحدود الجنوبية للبنان، وإن من دون أن تبلغ حتى الساعة فتْح الجبهة وربْطها بـ «جهنّم» التي تزجّ فيها اسرائيل غزة وأهلها، فإن المشهدَ السياسي الذي صار «حربياً» بامتياز منذ 7 أكتوبر بقي موزّعاً على جبهتين:
• الأولى السِباق بين تَوالي الدعوات للرعايا العرب والغربيين بمغادرة لبنان، وآخر دفعةٍ كانت لمواطني سلطنة عُمان وألمانيا وهولندا وبلجيكا وأوكرانيا، وبين الحضّ وعلى مدار الساعة من عواصم دولية لبيروت بوجوب تفادي أي «خطأ في الحسابات» وإقحام البلاد في حربٍ لن يجد مَن يقف معه فيها ولا بعدها، وهي رسائل كانت وصلت مباشرة وعبر الهاتف، من باريس وبرلين وواشنطن التي تَواصَل وزير خارجيتها انتوني بلينكن هاتفياً مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي يوم الجمعة.
ولم يكن عابراً في هذا السياق ما أكده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لعدد من الصحافيين من أن باريس بعثتْ رسائل «بشكل مباشر للغاية» إلى حزب الله من أجل ثنيه عن الدخول في النزاع بين إسرائيل وحركة حماس، كما «أبلغنا هذه الرسائل إلى السلطات اللبنانية».
• والثانية محاولة الحصول على إجابة على «سؤال المليون» والمتمثّل في «هل سيفتح حزب الله الجبهة» ما أن يبدأ الاجتياح البري لتخرجُ المواجهات عن الضوابط التي تحكمها منذ أسبوعين تحت ما يُعرف بـ «قواعد الاشتباك» وإن مع اتساعِ رقعة العمليات والاشتباكات.
وما زال الجوابُ على هذا السؤال متعذِّراً في ضوء الحسابات المعقّدة التي تتحكّم باتخاذ قرارٍ بحجم الضغط على زرّ الانفجار الكبير الموجود في «حقيبة» محور الممانعة (بقيادة إيران) برمّته والذي كان لوّح بتفعيل شعار «وحدة الساحات» ما لم تقف الحرب على غزة وبحال تمسكت اسرائيل بإنهاء «حماس» ولو على أنقاضِ القطاع ودم أبنائه.
وجاءت مشهديةُ تحريك جبهات اليمن عبر إطلاق صواريخ على اسرائيل اعترضتْها مدمّرة أميركية، والعراق باستهداف قاعدة عين الأسد الأميركية، وسورية بمهاجمة قاعدة التنف، بالتوازي مع التسخين التصاعدي من جنوب لبنان، لتشكِّل أول شرارةٍ إلى قرب «تشغيل» تَلاحُم الساحات، وسط علامات استفهام حول هل ان الأمر في سياق «إشارة سبّاقة» ومحاولة إرساء «توازن رعب» لوقف خيار الغزو البري لغزة مقابل الردع الأميركي الذي شكله المجيء بحاملات طائرات وفتْح جسر جوي عسكري مع اسرائيل، أم أن ثمة قراراً نهائياً بانخراط المحور في الحرب ولعْب كل أوراقه التي راكَمها على مدى أعوام وعقود لإنقاذ «حماس» وحفْظ «رأسها».
وإذ ترى أوساط سياسية أن ثمة صعوبة في تَصَوُّر تفريط طهران «ضربةً واحدة» بكل أذرعها ووضْعها في «سلّة واحدة» في لحظة «يا قاتل يا مقتول» التي وجدت اسرائيل نفسها فيها، فإنها تَعتبر أن تحريك الساحات الأربع «معاً» في الساعات الماضية يعكس في جانبٍ منه تَعَدُّد الخيارات أمام طهران لمحاولة الحؤول دون التفرّد بـ «حماس» وقطْع الجسر الذي أوْصَل إيران إلى قلب العنوان الفلسطيني وحوّلها لاعباً رئيسياً لا يمكن تحديد مصير هذه القضية ولا رسْم مساراتها من دونها.
ومن هنا لا تُسْقِط هذه الأوساط إمكان أن يكون فتْحُ جبهة الجنوب، في الشكل الذي يستجرّ تمدُّد الحرب إلى لبنان، بمثابة «احتياط استراتيجي» لا يُستخدم إلا بحال بلغتْ «الموس ذقن» طهران نفسها، من دون أن يعني ذلك ألا يستمرّ «حزب الله» في دوره البالغ الأهمية في إشغال الجيش الاسرائيلي وفرق النخبة فيه وتشتيت قواه وتركيزه، وألا تحصل تطورات غير محسوبة يمكن أن تجرّ الجميع إلى الحرب بخطأ كبير ما لم يكن بقرار كبير تفرضه أي دينامية غير متوقَّعة في الميدان.
ويتوقف أصحاب هذه القراءة في هذا السياق عند مسألتين:
• الأولى إصرار واشنطن، التي لا تريد توسُّع المواجهة في المنطقة، على «نصيحة» تل ابيب بعدم المبادرة الى فتْح الجبهة مع لبنان وإبقاء المواجهات منضبطة، ودعوتها الى التركيز على غزة و«حماس» وترْك الأمر لها لردع «حزب الله» أو للردّ عليه بحال اختار هو الضغط على زناد تفجير الجبهة.
وكان لافتاً تذكير وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن خلال اتصاله بنظيره الإسرائيلي يوآف غالانت «لبحث التحديثات المتعلقة بعمليات إسرائيل الرامية إلى استعادة الأمن عقب هجمات حماس الإرهابية» بـ «دعم الولايات المتحدة لإسرائيل في الدفاع عن نفسها» وتشديده، في غمز من إيران و«حزب الله»، على «التزامنا بردع أي دولة أو جهات فاعلة غير حكومية تسعى إلى تصعيد هذا الصراع».
• والثانية سقفان رَسَم من خلالهما «حزب الله» ما يشبه معادلة «ردع الجنون الاسرائيلي وليس استدراجه»، وتعميق «الحيرة» الاسرائيلية مع تلويحٍ بأنه «إذا تدخّلت اسرائيل أكثر فالأمور ستتوسّع».
فرئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد أعلن أمس «صحيح أننا نقف من أجل غزة، ونتضامن مع أهلها ونؤيد حقهم في مقاومة الاحتلال وندعمهم في كل ما ينبغي أن ندعمهم به، ولكن في نفس الوقت نحن نحمي بلدنا ووضْعنا وأمنَنا، ونعرف كيف نتصرف بعيداً عن المنظّرين والحاقدين الذين بدأوا ينفثون سمومهم ويسألون عن أماكننا في هذه المعركة، فنحن حاضرون حيث نشاء وليس حيث ما يرغب به البعض، وللأسف أن هذا البعض قد تخلى في ما سبق عن فلسطين وعن غزة والمقاومة، وأضعَفَ المقاومة، ونال منها وحرّض عليها، واليوم يسأل عنها»، مؤكداً ان «المقاومة حاضرة وجاهزة وصفْعها للعدو مدوٍّ حتى ولو لم يتكلم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، والفعلُ الذي يمضي في الأرض في مواجهة العدو، يكفي أن هذا العدو لا يزال متردداً خوفاً مما نستبطنه نحن من موقف في لبنان، وعلى جبهتنا هنا أو على جبهة أخرى».
وقال: «نحن نلتزم تكليفنا الشرعي في حماية إنساننا وفي الدفاع عن حق كل مظلوم، وحيث يوجب التكليف منا أن نكون سنكون، لا حيث ما يرغب الواهمون أو المتطفلون على مشروع المقاومة وخيارها»، مضيفاً: «ما نفعله في لبنان هو حماية للبنان، ولا يجب أن يكون مبعث خوف أو قلق لدى أهلنا على الإطلاق، فنحن نحمي ساحتنا ونمنع العدو من أن يمارس جنونه وأن يعبث بكل الساحات، ونحن الذين نأخذه حيث نريد، حتى لا يأخذنا حيث يريد. وقد فقعنا عيون العدو على كل حافتنا الأمامية، ودمّرنا ما دمرنا له، ولكن على قاعدة أن ما نفعله يساهم في أن يرتدع هذا العدو ويذهب إلى وقف العدوان على غزة».
وتابع: «يأتينا من يأتي من محيطنا ومن الخارج، ويطلب منا أن لا نتدخل، وعندما نسألهم هل ستفعلون فعلكم الضاغط من أجل وقف العدوان، يقولون لا نعلم (...) ولأننا نملك روح الرؤية، ونعاهد الله أن نحفظ دماء شهدائنا ووصاياهم، ونلتزم نهج الولاية والطاعة لولي أمرنا، نحن نعرف ماذا نريد، ونتصرف بما يحمي أهلنا ومجتمعنا، وبما يدفع العدو من أجل أن يستكين ويهدأ وأن يرعوي عن عدوانه».
أما نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم فأكد أن «الأعداء جبناء وخائفون من قدرات المقاومة لذا هم على طريق الزوال ويرتكبون الجرائم بحقّ المدنيين وهذا الأمر لن يمرّ دون عقاب».
وأضاف: «نحن اليوم في قلب المعركة ونحقق إنجازات وهناك 3 فرق إسرائيلية موجودة في مقابل حزب الله، فيما هناك 5 فرق مقابل غزة، وكلما تتالت الأحداث ونشأ ما يستدعي تدخلنا أكثر فسنفعل ذلك»، وتابع: «ما نقوم به في الجنوب الآن هو مرحلة تتلاءم مع المواجهة، وإذا تطلّب الأمر أكثر من ذلك فسنفعل، والعدو في حيرةٍ من أمره، وإذا تدخّل أكثر فالأمور ستتوسّع، ونقول لمن يتّصل بنا إن عليه وقف العدوان أولاً حتى لا يتوسّع الصراع».
وأكد «لسنا مُجبرين على توضيح خطّتنا وعلى العدو الاكتفاء بالهزيمة التي مُني بها وإلا ستكون له هزيمة أكبر ولا أمل له بالنصر»، مؤكداً أن «المفاجآت الموجودة في غزة ستجعل الدخول البري الاسرائيلي مقبرة للصهاينة».
الميدان المشتعل
وفي الوقائع الميدانية، وعلى وقع إعلان وزير الدفاع الاسرائيلي «ان حزب الله قرر المشاركة في القتال وهو يدفع ثمنا باهظاً»، قام الحزب أمس (نعى مقاتلاً جديداً) بتوسيع نطاق عملياته حيث استهدف مواقع عسكرية إسرائيلية في البياض ومزارع شبعا و تلال كفرشوبا، كما استهدف موقع العباد (مقابل بلدة حولا) ومستوطنة حانيتا ومستوطنة برعام الشمالية، وجبل التيارات مقابل بلدة يارون ومستوطنة المنارة وعمود تجسس ومراقبة للجيش الاسرائيلي مقابل منطقة الدباكة في ميس الجبل.
وأعلن الجيش الاسرائيلي «أن خلية مخربين قامت السبت باطلاق قذيفة صاروخية نحو منطقة جبل روس حيث سقطت في منطقة مفتوحة. وقد رصدت استطلاعات الجيش الخلية التخريبية لتقوم مسيّرة باستهدافها».
وأضاف: «كما أطلق مخربون قذيفة مضادة للدروع نحو بلدة مرغاليوت حيث قامت مسيرة باستهداف الخلية بعد رصدها من استطلاعات الجيش. وتم رصد اصابات مباشرة في الغاراتيْن».
وفي حين أشارت وسائل إعلام لبنانية الى أن مسيَّرة اسرائيلية استهدفت سيارة «رابيد» في بلدة حولا ما أدى الى مقتل شخص فيها عُلم انه من «حزب الله»، أفادت قناة «الميادين» مساءً عن احتراق موقع «برعام» الإسرائيلي.
وردّ الجيش الاسرائيلي بقصفٍ عنيف للعديد من البلدات الحدودية مثل بليدا والضهيرة وعلما الشعب وتل النحاس بين كفركلا وبرج الملوك ويارون، عيتا الشعب ورميش، واستخدم في بعضها قنابل فوسفورية.
وفي موازاة ذلك، نُقل عن تقرير لمنظمة الهجرة الدولية (أول من أمس) أن المناطق الحدودية اللبنانية شهدت حركة نزوح لافتة حيث سُجّل حتى مساء الأربعاء الماضي نزوح 12854 شخصاً من القرى الحدودية، 2329 منهم تركوا قراهم خلال الأيام الثلاثة الماضية، فيما تحدثت صحيفة«الأخبار»عن نزوح أكثر من ثلثَي سكان المناطق الحدودية عن قراهم.
في المقابل، أعلنت هيئة البث الاسرائيلية انه تم إخلاء 3 مستوطنات جديدة على الحدود مع لبنان، بعدما كان أعلنت وسائل الإعلام العبرية تفعيل خطة طوارئ لإخلاء 23 ألف مستوطن من كريات شمونة، بالتزامن مع إنجاز عملية إخلاء 27 ألف مستوطن من 28 مستوطنة عند الحدود مع لبنان.
وكانت قرى القطاع الغربي من جنوب لبنان شهدت ليلاً ساخنا تخلله قصف عنيف استهدف محيط قرى علما الشعب ورامية وبيت ليف والضهيرة واللبونة، كما تخلله اطلاق عدد من القنابل المضيئة فوق سماء القرى المذكورة حتى ساعات الفجر الاولى، وذلك بعد يوم من سلسلة عمليات نفّذها «حزب الله» وأدتْ الى مقتل جندي اسرائيلي.
مطار بيروت «تحت تأثير» الوقائع اللاهبة
لم يتأخّر مطار رفيق الحريري الدولي في أن يجد نفسه تحت تأثير الوقائع اللاهبة التي هبّت من«طوفان الأقصى»وما تلاه، ولفحت لبنان انطلاقاً من جبهته الجنوبية.
وأكدت تقارير في بيروت أن حركة الطيران في المطار تتجه الى الانخفاض بنسبةٍ تراوح بين 60 و 65 في المئة اعتباراً من الأسبوع الطالع.
ومردّ هذا التراجع إلى إلغاء شركة طيران الشرق الأوسط (ميدل ايست) نصف رحلاتها، وإبقائها في بيروت على 8 طائرات من أصل أسطولها الذي يضم 22 طائرة، وازدياد عدد الشركات العربية والعالمية التي تعلّق رحلاتها الى لبنان (كان آخرها الطيران السعودي الذي علق رحلاته حتى 31 الجاري) ربْطاً بالتطورات على الحدود الجنوبية والمخاوف من اتساع رقعة الحرب لتشمل «بلاد الأرز»، وسط تقارير عن إلغاء نحو نصف الحجوزات التي كانت قائمة الى بيروت في الفترة المقبلة.
وأعلنت «الميدل ايست» يوم الجمعة، أنّ شركات التأمين خفّضت بنسبة 80 في المئة مبالغ تغطيتها للأضرار التي قد تنتج من تعرض طائراتها لأي حادث أمني في هذه الفترة.
وبناءً عليه، باشرت الشركة بإجلاء 10 طائرات مستأجرة إلى دول مجاورة، على أن يوضع العدد الأكبر في قبرص مع إمكان نقل بعض الطائرات إلى عمّان أو الدوحة أو اسطنبول، على أن تبقى في مطار رفيق الحريري نحو 7 أو 8 طائرات (مملوكة من الشركة) لتأمين الرحلات، ولا سيما إلى الوجهات الأكثر طلباً مثل باريس ودبي.
وباشرت«الميدل ايست» توزيع جدول رحلات لليوم وما بعده متضمّناً الرحلات المعدّلة وتلك غير المعدّلة والملغاة.
ومع دخول «طوفان الأقصى» أسبوعه الثالث وسط انفلاش المواجهات على طول الحدود الجنوبية للبنان، وإن من دون أن تبلغ حتى الساعة فتْح الجبهة وربْطها بـ «جهنّم» التي تزجّ فيها اسرائيل غزة وأهلها، فإن المشهدَ السياسي الذي صار «حربياً» بامتياز منذ 7 أكتوبر بقي موزّعاً على جبهتين:
• الأولى السِباق بين تَوالي الدعوات للرعايا العرب والغربيين بمغادرة لبنان، وآخر دفعةٍ كانت لمواطني سلطنة عُمان وألمانيا وهولندا وبلجيكا وأوكرانيا، وبين الحضّ وعلى مدار الساعة من عواصم دولية لبيروت بوجوب تفادي أي «خطأ في الحسابات» وإقحام البلاد في حربٍ لن يجد مَن يقف معه فيها ولا بعدها، وهي رسائل كانت وصلت مباشرة وعبر الهاتف، من باريس وبرلين وواشنطن التي تَواصَل وزير خارجيتها انتوني بلينكن هاتفياً مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي يوم الجمعة.
ولم يكن عابراً في هذا السياق ما أكده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لعدد من الصحافيين من أن باريس بعثتْ رسائل «بشكل مباشر للغاية» إلى حزب الله من أجل ثنيه عن الدخول في النزاع بين إسرائيل وحركة حماس، كما «أبلغنا هذه الرسائل إلى السلطات اللبنانية».
• والثانية محاولة الحصول على إجابة على «سؤال المليون» والمتمثّل في «هل سيفتح حزب الله الجبهة» ما أن يبدأ الاجتياح البري لتخرجُ المواجهات عن الضوابط التي تحكمها منذ أسبوعين تحت ما يُعرف بـ «قواعد الاشتباك» وإن مع اتساعِ رقعة العمليات والاشتباكات.
وما زال الجوابُ على هذا السؤال متعذِّراً في ضوء الحسابات المعقّدة التي تتحكّم باتخاذ قرارٍ بحجم الضغط على زرّ الانفجار الكبير الموجود في «حقيبة» محور الممانعة (بقيادة إيران) برمّته والذي كان لوّح بتفعيل شعار «وحدة الساحات» ما لم تقف الحرب على غزة وبحال تمسكت اسرائيل بإنهاء «حماس» ولو على أنقاضِ القطاع ودم أبنائه.
وجاءت مشهديةُ تحريك جبهات اليمن عبر إطلاق صواريخ على اسرائيل اعترضتْها مدمّرة أميركية، والعراق باستهداف قاعدة عين الأسد الأميركية، وسورية بمهاجمة قاعدة التنف، بالتوازي مع التسخين التصاعدي من جنوب لبنان، لتشكِّل أول شرارةٍ إلى قرب «تشغيل» تَلاحُم الساحات، وسط علامات استفهام حول هل ان الأمر في سياق «إشارة سبّاقة» ومحاولة إرساء «توازن رعب» لوقف خيار الغزو البري لغزة مقابل الردع الأميركي الذي شكله المجيء بحاملات طائرات وفتْح جسر جوي عسكري مع اسرائيل، أم أن ثمة قراراً نهائياً بانخراط المحور في الحرب ولعْب كل أوراقه التي راكَمها على مدى أعوام وعقود لإنقاذ «حماس» وحفْظ «رأسها».
وإذ ترى أوساط سياسية أن ثمة صعوبة في تَصَوُّر تفريط طهران «ضربةً واحدة» بكل أذرعها ووضْعها في «سلّة واحدة» في لحظة «يا قاتل يا مقتول» التي وجدت اسرائيل نفسها فيها، فإنها تَعتبر أن تحريك الساحات الأربع «معاً» في الساعات الماضية يعكس في جانبٍ منه تَعَدُّد الخيارات أمام طهران لمحاولة الحؤول دون التفرّد بـ «حماس» وقطْع الجسر الذي أوْصَل إيران إلى قلب العنوان الفلسطيني وحوّلها لاعباً رئيسياً لا يمكن تحديد مصير هذه القضية ولا رسْم مساراتها من دونها.
ومن هنا لا تُسْقِط هذه الأوساط إمكان أن يكون فتْحُ جبهة الجنوب، في الشكل الذي يستجرّ تمدُّد الحرب إلى لبنان، بمثابة «احتياط استراتيجي» لا يُستخدم إلا بحال بلغتْ «الموس ذقن» طهران نفسها، من دون أن يعني ذلك ألا يستمرّ «حزب الله» في دوره البالغ الأهمية في إشغال الجيش الاسرائيلي وفرق النخبة فيه وتشتيت قواه وتركيزه، وألا تحصل تطورات غير محسوبة يمكن أن تجرّ الجميع إلى الحرب بخطأ كبير ما لم يكن بقرار كبير تفرضه أي دينامية غير متوقَّعة في الميدان.
ويتوقف أصحاب هذه القراءة في هذا السياق عند مسألتين:
• الأولى إصرار واشنطن، التي لا تريد توسُّع المواجهة في المنطقة، على «نصيحة» تل ابيب بعدم المبادرة الى فتْح الجبهة مع لبنان وإبقاء المواجهات منضبطة، ودعوتها الى التركيز على غزة و«حماس» وترْك الأمر لها لردع «حزب الله» أو للردّ عليه بحال اختار هو الضغط على زناد تفجير الجبهة.
وكان لافتاً تذكير وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن خلال اتصاله بنظيره الإسرائيلي يوآف غالانت «لبحث التحديثات المتعلقة بعمليات إسرائيل الرامية إلى استعادة الأمن عقب هجمات حماس الإرهابية» بـ «دعم الولايات المتحدة لإسرائيل في الدفاع عن نفسها» وتشديده، في غمز من إيران و«حزب الله»، على «التزامنا بردع أي دولة أو جهات فاعلة غير حكومية تسعى إلى تصعيد هذا الصراع».
• والثانية سقفان رَسَم من خلالهما «حزب الله» ما يشبه معادلة «ردع الجنون الاسرائيلي وليس استدراجه»، وتعميق «الحيرة» الاسرائيلية مع تلويحٍ بأنه «إذا تدخّلت اسرائيل أكثر فالأمور ستتوسّع».
فرئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد أعلن أمس «صحيح أننا نقف من أجل غزة، ونتضامن مع أهلها ونؤيد حقهم في مقاومة الاحتلال وندعمهم في كل ما ينبغي أن ندعمهم به، ولكن في نفس الوقت نحن نحمي بلدنا ووضْعنا وأمنَنا، ونعرف كيف نتصرف بعيداً عن المنظّرين والحاقدين الذين بدأوا ينفثون سمومهم ويسألون عن أماكننا في هذه المعركة، فنحن حاضرون حيث نشاء وليس حيث ما يرغب به البعض، وللأسف أن هذا البعض قد تخلى في ما سبق عن فلسطين وعن غزة والمقاومة، وأضعَفَ المقاومة، ونال منها وحرّض عليها، واليوم يسأل عنها»، مؤكداً ان «المقاومة حاضرة وجاهزة وصفْعها للعدو مدوٍّ حتى ولو لم يتكلم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، والفعلُ الذي يمضي في الأرض في مواجهة العدو، يكفي أن هذا العدو لا يزال متردداً خوفاً مما نستبطنه نحن من موقف في لبنان، وعلى جبهتنا هنا أو على جبهة أخرى».
وقال: «نحن نلتزم تكليفنا الشرعي في حماية إنساننا وفي الدفاع عن حق كل مظلوم، وحيث يوجب التكليف منا أن نكون سنكون، لا حيث ما يرغب الواهمون أو المتطفلون على مشروع المقاومة وخيارها»، مضيفاً: «ما نفعله في لبنان هو حماية للبنان، ولا يجب أن يكون مبعث خوف أو قلق لدى أهلنا على الإطلاق، فنحن نحمي ساحتنا ونمنع العدو من أن يمارس جنونه وأن يعبث بكل الساحات، ونحن الذين نأخذه حيث نريد، حتى لا يأخذنا حيث يريد. وقد فقعنا عيون العدو على كل حافتنا الأمامية، ودمّرنا ما دمرنا له، ولكن على قاعدة أن ما نفعله يساهم في أن يرتدع هذا العدو ويذهب إلى وقف العدوان على غزة».
وتابع: «يأتينا من يأتي من محيطنا ومن الخارج، ويطلب منا أن لا نتدخل، وعندما نسألهم هل ستفعلون فعلكم الضاغط من أجل وقف العدوان، يقولون لا نعلم (...) ولأننا نملك روح الرؤية، ونعاهد الله أن نحفظ دماء شهدائنا ووصاياهم، ونلتزم نهج الولاية والطاعة لولي أمرنا، نحن نعرف ماذا نريد، ونتصرف بما يحمي أهلنا ومجتمعنا، وبما يدفع العدو من أجل أن يستكين ويهدأ وأن يرعوي عن عدوانه».
أما نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم فأكد أن «الأعداء جبناء وخائفون من قدرات المقاومة لذا هم على طريق الزوال ويرتكبون الجرائم بحقّ المدنيين وهذا الأمر لن يمرّ دون عقاب».
وأضاف: «نحن اليوم في قلب المعركة ونحقق إنجازات وهناك 3 فرق إسرائيلية موجودة في مقابل حزب الله، فيما هناك 5 فرق مقابل غزة، وكلما تتالت الأحداث ونشأ ما يستدعي تدخلنا أكثر فسنفعل ذلك»، وتابع: «ما نقوم به في الجنوب الآن هو مرحلة تتلاءم مع المواجهة، وإذا تطلّب الأمر أكثر من ذلك فسنفعل، والعدو في حيرةٍ من أمره، وإذا تدخّل أكثر فالأمور ستتوسّع، ونقول لمن يتّصل بنا إن عليه وقف العدوان أولاً حتى لا يتوسّع الصراع».
وأكد «لسنا مُجبرين على توضيح خطّتنا وعلى العدو الاكتفاء بالهزيمة التي مُني بها وإلا ستكون له هزيمة أكبر ولا أمل له بالنصر»، مؤكداً أن «المفاجآت الموجودة في غزة ستجعل الدخول البري الاسرائيلي مقبرة للصهاينة».
الميدان المشتعل
وفي الوقائع الميدانية، وعلى وقع إعلان وزير الدفاع الاسرائيلي «ان حزب الله قرر المشاركة في القتال وهو يدفع ثمنا باهظاً»، قام الحزب أمس (نعى مقاتلاً جديداً) بتوسيع نطاق عملياته حيث استهدف مواقع عسكرية إسرائيلية في البياض ومزارع شبعا و تلال كفرشوبا، كما استهدف موقع العباد (مقابل بلدة حولا) ومستوطنة حانيتا ومستوطنة برعام الشمالية، وجبل التيارات مقابل بلدة يارون ومستوطنة المنارة وعمود تجسس ومراقبة للجيش الاسرائيلي مقابل منطقة الدباكة في ميس الجبل.
وأعلن الجيش الاسرائيلي «أن خلية مخربين قامت السبت باطلاق قذيفة صاروخية نحو منطقة جبل روس حيث سقطت في منطقة مفتوحة. وقد رصدت استطلاعات الجيش الخلية التخريبية لتقوم مسيّرة باستهدافها».
وأضاف: «كما أطلق مخربون قذيفة مضادة للدروع نحو بلدة مرغاليوت حيث قامت مسيرة باستهداف الخلية بعد رصدها من استطلاعات الجيش. وتم رصد اصابات مباشرة في الغاراتيْن».
وفي حين أشارت وسائل إعلام لبنانية الى أن مسيَّرة اسرائيلية استهدفت سيارة «رابيد» في بلدة حولا ما أدى الى مقتل شخص فيها عُلم انه من «حزب الله»، أفادت قناة «الميادين» مساءً عن احتراق موقع «برعام» الإسرائيلي.
وردّ الجيش الاسرائيلي بقصفٍ عنيف للعديد من البلدات الحدودية مثل بليدا والضهيرة وعلما الشعب وتل النحاس بين كفركلا وبرج الملوك ويارون، عيتا الشعب ورميش، واستخدم في بعضها قنابل فوسفورية.
وفي موازاة ذلك، نُقل عن تقرير لمنظمة الهجرة الدولية (أول من أمس) أن المناطق الحدودية اللبنانية شهدت حركة نزوح لافتة حيث سُجّل حتى مساء الأربعاء الماضي نزوح 12854 شخصاً من القرى الحدودية، 2329 منهم تركوا قراهم خلال الأيام الثلاثة الماضية، فيما تحدثت صحيفة«الأخبار»عن نزوح أكثر من ثلثَي سكان المناطق الحدودية عن قراهم.
في المقابل، أعلنت هيئة البث الاسرائيلية انه تم إخلاء 3 مستوطنات جديدة على الحدود مع لبنان، بعدما كان أعلنت وسائل الإعلام العبرية تفعيل خطة طوارئ لإخلاء 23 ألف مستوطن من كريات شمونة، بالتزامن مع إنجاز عملية إخلاء 27 ألف مستوطن من 28 مستوطنة عند الحدود مع لبنان.
وكانت قرى القطاع الغربي من جنوب لبنان شهدت ليلاً ساخنا تخلله قصف عنيف استهدف محيط قرى علما الشعب ورامية وبيت ليف والضهيرة واللبونة، كما تخلله اطلاق عدد من القنابل المضيئة فوق سماء القرى المذكورة حتى ساعات الفجر الاولى، وذلك بعد يوم من سلسلة عمليات نفّذها «حزب الله» وأدتْ الى مقتل جندي اسرائيلي.
مطار بيروت «تحت تأثير» الوقائع اللاهبة
لم يتأخّر مطار رفيق الحريري الدولي في أن يجد نفسه تحت تأثير الوقائع اللاهبة التي هبّت من«طوفان الأقصى»وما تلاه، ولفحت لبنان انطلاقاً من جبهته الجنوبية.
وأكدت تقارير في بيروت أن حركة الطيران في المطار تتجه الى الانخفاض بنسبةٍ تراوح بين 60 و 65 في المئة اعتباراً من الأسبوع الطالع.
ومردّ هذا التراجع إلى إلغاء شركة طيران الشرق الأوسط (ميدل ايست) نصف رحلاتها، وإبقائها في بيروت على 8 طائرات من أصل أسطولها الذي يضم 22 طائرة، وازدياد عدد الشركات العربية والعالمية التي تعلّق رحلاتها الى لبنان (كان آخرها الطيران السعودي الذي علق رحلاته حتى 31 الجاري) ربْطاً بالتطورات على الحدود الجنوبية والمخاوف من اتساع رقعة الحرب لتشمل «بلاد الأرز»، وسط تقارير عن إلغاء نحو نصف الحجوزات التي كانت قائمة الى بيروت في الفترة المقبلة.
وأعلنت «الميدل ايست» يوم الجمعة، أنّ شركات التأمين خفّضت بنسبة 80 في المئة مبالغ تغطيتها للأضرار التي قد تنتج من تعرض طائراتها لأي حادث أمني في هذه الفترة.
وبناءً عليه، باشرت الشركة بإجلاء 10 طائرات مستأجرة إلى دول مجاورة، على أن يوضع العدد الأكبر في قبرص مع إمكان نقل بعض الطائرات إلى عمّان أو الدوحة أو اسطنبول، على أن تبقى في مطار رفيق الحريري نحو 7 أو 8 طائرات (مملوكة من الشركة) لتأمين الرحلات، ولا سيما إلى الوجهات الأكثر طلباً مثل باريس ودبي.
وباشرت«الميدل ايست» توزيع جدول رحلات لليوم وما بعده متضمّناً الرحلات المعدّلة وتلك غير المعدّلة والملغاة.