يوم ماراثوني من المواجهات خرقتْه الديبلوماسية التركية
الحرب الشاملة تطلّ «محدودةً» من جنوب لبنان بملاقاة «الساعة صفر» لاجتياح غزة
الجيش الإسرائيلي يستخدم قذائف الفوسفور في جنوب لبنان (أ ف ب)
- «حزب الله» نعى 5 من مقاتليه وسقوط 4 فلسطينيين في محاولة تسلُّل
- الجيش الإسرائيلي ردّ بالفوسفور على نطاق واسع
- «ميديل ايست» نقلت 5 طائرات إلى تركيا تحسباً وإجراءات احترازية في المطار
- شركات التأمين ترفض تغطية أي سفينة تتجه إلى لبنان ومخاوف من انقطاع وشحّ بالمواد الأساسية
كأنّها الحربُ بدأت من دون أن تبدأ... هكذا بدا المشهدُ في لبنان الذي يضع كل يومٍ رجلَه أكثر في حقل النار الذي حوّل غزة «محرقةً»، في ظل مقدّماتٍ تتراكَم في الميدان الذي تتسع رقعتُه على مدار الساعة على طول الحدود الجنوبية وتشي بأن «الجبهة الثانية» تقترب من أن تُفتح ما لم يُفْضِ الزحفُ الديبلوماسي على أعلى المستويات إلى المنطقة إلى «معجزة» تمنع الانفجار الإقليمي الذي يُخشى أن يكون صاعقَه انطلاقُ الاجتياح البري لقطاع غزة.
وفيما كانت الجبهةُ الجنوبية تشهد أمس تطوراتٍ متسارعةً تَصَدَّرها من المقلب اللبناني «حزب الله»، ولم تغِب عنها مجموعاتٌ فلسطينية، وتخللتها استهدافاتٌ نوعية لأهداف عسكرية للجيش الإسرائيلي الذي ردّ بقصفٍ هستيري لم يوفّر مناطق مأهولة على الشريط الحدودي، تقاطعتْ المخاوفُ من أن تهبّ الحربُ على لبنان من خلف ظهْر كل التقديراتِ التي تَعتبر أن زجّ الحزب في «مطحنة الدم» في غزة يحكمه اعتباران «رادعان»:
الأول أن حزب الله يشكل «الاحتياط الاستراتيجي» أو «خط الدفاع» الأخير عن إيران بحال أي هجوم مباشر عليها لتصفية برنامجها النووي.
والثاني أن «التحكم والسيطرة» الكاملين لحزب الله على الواقع اللبناني، والذي جاء نتيجة مسارٍ طويل من استخدام «الأنياب» تارة و«القوة الناعمة» طوراً يَجعل من الصعب استسهال تبديد هذا النفوذ والمخاطرة بأن «تحترق معاً» ورقتا حماس والحزب، ولا سيما بعدما «شمّرت» واشنطن عن حاملات طائراتها ولحقتْ بها دول أخرى أرسلت سفناً إلى شرق المتوسط.
على أن مؤشراتٍ مُعاكسةً بدأت ترتسم على المَنابر المشحونة بمواقف أقرب إلى «دق النفير»، ولا سيما من طهران، كما على الأرض التي بدا وكأن عناصرَ «التحميةِ» لها اكتملتْ تمهيداً لترجمة مبدأ «تَلاحُم الساحات» الذي بات الاقتناعُ بأن وحده اختراقٌ ديبلوماسي «عكْس كل التوقعات» يمكن أن يحول دون تشَكُّله فعلياً، علماً أن ثمة مَن يرى أن «الحريق الشامل» ورغم ما تترتب عليه من مخاطر استدراجِ «ميني حرب عالمية» في ضوء تعدُّد اللاعبيين الإقليميين والدوليين المنخرطين في الصراع، سيكون في النهاية المدخل لتفاهماتٍ كبرى بحجم الأبعاد التي أعُطيت لـ «طوفان الأقصى» سواء بوصفه 11 سبتمبر إسرائيلي أو لجهة ما رافقه من استحضار حرب أكتوبر 1973 أقلّه من حيث عنصر المباغتة الذي لُدغت به تل أبيب مرتين.
وفي حين تُحبس الأنفاس تحسُّباً لِما سيرافق ويعقب محطة الرئيس الأميركي جو بايدن في إسرائيل، هو الذي سيشارك أيضاً في قمة رباعية يستضيفها العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في عمان تضمّهما إلى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والفلسطيني محمود عباس، فإن بيروت كانت تتلقى بقلق كبير تَطايُر المواقف من فوق رأسها، على جبهتين:
• دولية مَضَتْ في دقّ «ناقوس الخطر» من انخراطِ حزب الله في الحرب وفق ما أعلنه المستشارُ الألماني أولاف شولتس قبيل انتقاله إلى إسرائيل إذ قال «أحذّر صراحةً حزب الله وإيران من التدخل في هذا الصراع»، وذلك غداة الرسالة المباشرة التي نقلتْها وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا إلى بيروت حيث «جئت لأقول بكل وضوح ان ما من مجموعة يجب أن تعتقد أن بامكانها محاولة استغلال الوضع الخطير للغاية، وعلى المسؤولين اللبنانيين أيضاً ان يتحملوا مسؤولية في هذا المجال كي يبقى بلدهم بمنأى عن هذه الدوامة وكي لا تحصل هذه الحرب».
• وإيرانية حيث برز خروج طهران على أعلى مستوى إلى «الجبهة الأمامية» في قرع طبول الحرب وفق ما عبّر عنه ما نُقل عن المرشد علي خامنئي من أنه «إذا استمرّت جرائم إسرائيل فلن يستطيع أحد وقف المسلمين حول العالم وقوى المقاومة»، وأيضاً تأكيد وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان «أن اتساع رقعة الحرب إلى جبهات أخرى بدأ يصل إلى مراحل لا يمكن تفاديها»، في موازاة تحذير «الحرس الثوري الإيراني» إسرائيل من «أن صدمة أخرى في الطريق إذا لم تتوقف الهجمات على غزة».
قلق أقرب إلى الذعر
وجاءت هذه التقاطعات، مع تدحرج التوتر العالي على الحدود الجنوبية والتهديد الإسرائيلي بإعادة لبنان إلى «العصر الحجري» بحال هاجَمَنا «حزب الله»، لتزيد من منسوبِ القلق الأقرب الى الذعر من أن يكون لبنان أمام ما هو أدهى من أهوال حرب يوليو 2006، وسط إشاراتٍ تم التعاطي معها على أنها في إطار الإجراءات الاحترازية السبّاقة التي تعكس جدية المخاوف من أن يكون الانفجار على الأبواب.
واستوقفت أوساطاً مطلعة في هذا الإطار التقارير عن أن شركة طيران الشرق الأوسط اللبنانية (ميدل إيست) وضعت 5 من 24 طائرة لديها في تركيا تحسباً لاندلاع صراع، وذلك غداة دعوة كندا لمغادرة رعاياها ما دامت الرحلات التجارية متاحة، وأيضاً ما أعلنه النائب مارك ضو من«أن شركات التأمين ترفض تغطية أي سفينة تتجه إلى لبنان باعتبار (ان فيه خطر حرب عالٍ)، وهذا يعني أن الاشغال ستتعطل، ويمكن أن يحصل انقطاع وشح في المواد الأساسية، وقد بدأت مؤشرات الغاء شركات الطيران رحلاتها الى لبنان».
وفي الإطار نفسه، برز الاجتماع الذي عقده وزير الأشغال والنقل علي حمية في مطار رفيق الحريري الدولي وخُصص لبحث «الإجراءات الاحترازية الواجب اتخاذها والسير بتنفيذها خلال حدوث أي ظروف استثنائية في البلاد»، مثنياً على «ما تم التفصيل فيه بالشرح من المعنيين قانوناً بتنفيذ الإجراءات والتدابير الواجب اتخاذها في أي ظروف استثنائية قد تمر بها البلاد أو المطار على حدّ سواء».
وفي حين بدأ التفكير في آليات استخدام المدارس الرسمية لإيواء نازحين من الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية خصوصاً، وسط خشيةٍ من أن يقع لبنان بين موجتيْ نزوح عاتيتيْن، للبنانيي «مناطق الخطر» والسوريين الذين التجأوا إليها أيضاً منذ بدء الحرب في بلادهم وغالبيتهم الساحقة تقيم في مخيمات، لم يقلّ دلالة تعجيل منظمة الصحة العالمية بتسليم الإمدادات الطبية الحيوية إلى لبنان ليكون جاهزاً للاستجابة لأي أزمة صحية محتملة حيث وصلت شحنتان إلى بيروت من المركز اللوجستي للمنظمة في دبي «تتضمنان ما يكفي من الأدوية والإمدادات الجراحية والرضوح لتلبية احتياجات ما بين 800 إلى 1000 جريح».
وزير الخارجية التركي
ولم يَحْجب دخان المواجهات جنوباً زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان لبيروت حيث أشار خلال لقائه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي «إلى التواصل مع الإسرائيليين لحضّهم على وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات إلى قطاع غزة والعمل على إيجاد حل نهائي للصراع انطلاقاً من حل الدولتين».
وكان فيدان كشف في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره اللبناني عبدالله بوحبيب أن بلاده تناقش مع «حماس» إطلاق سراح أجانب ومدنيين وأطفال تحتجزهم، معلناً «وصلتْنا حتى الآن طلبات من دول عدة لإطلاق سراح مواطنيهم. وبالنتيجة، بدأنا نقاش هذا الموضوع، خصوصاً مع الجناح السياسي في حركة حماس»، مضيفاً «جهودنا متواصلة» في هذا الصدد.
وأكد أنه «تناول مع بو حبيب العلاقات الثنائية والتطورات الإقليمية خصوصاً الأزمة الأخيرة في غزة وعملية منع توسيعها وانتشارها في المنطقة»، وقال: «نركز اتصالاتنا لإيصال المساعدات الإنسانية بسرعة لسكان غزة. وتستمر اتصالاتنا لمنع انتشار الحرب للدول الأخرى لا سيما تمدُّد الأزمة الى لبنان».
أضاف: «نعمل من أجل عدم انتشار الحرب، وفي نفس الوقت نركّز الآن على ايجاد الحل. هذه الحرب قد تؤدي الى حروب كبيرة جداً ومدمّرة لكنها قد تؤدي الى حل تاريخي، وفخامة الرئيس رجب طيب أردوغان يؤمن أنه من الممكن الخروج من هذه الأزمة الى السلام». وتابع: «حان الوقت ليقوم المجتمع الدولي بخطوة نحو قيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس، والسلام لن يحل في المنطقة اذا تم تأجيل موضوع قيام دولة فلسطين، وما الأزمة الحالية إلا دليل على ذلك»، مضيفاً: «من أجل اتخاذ قرارات ملموسة في هذا الصدد الاتصالات مستمرة بكثافة، وغداً (اليوم) سيجتمع وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي في جدة، ويوم السبت ستًعقد في القاهرة قمة للزعماء».
وتابع: «نحن دائماً خلال اجتماعاتنا نركز ونقول إن الطرق التي تم تنفيذها حتى الآن في هذا الموضوع كانت خاطئة. وسنعلن في الاجتماعات المقبلة الصيغة الجديدة لحل هذه المشكلة خصوصاً أنه بات معروفاً بأن الصيغة القديمة لم تنفع».
لسنا هواة حرب
من جهته أكد بوحبيب «أننا منذ عدة أيام، وبالتنسيق مع رئيس الحكومة، نقوم بحملة اتصالات ديبلوماسية من ضمنها هذا اللقاء اليوم. ونجري اتصالات مع عدد كبير من وزراء الخارجية العرب والأجانب، إضافة الى لقاءاتنا مع سفراء أكثر من 35 دولة، منها الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، وسفراء الدول المشاركة في قوات اليونيفيل، والاتحاد الأوروبي، وغيرها لشرح الموقف اللبناني ومفاده أننا لسنا هُواة أو دُعاة حرب بل نرغب بالحفاظ على الهدوء والاستقرار. ولتحقيق ذلك يجب توافر شرطين أساسيين، الأول: وقف الاستفزازات والاعتداءات الإسرائيلية المتزايدة على الحدود الجنوبية، والقتل المتعمّد للصحافيين واستهداف المدنيين والجيش اللبناني ومراكزه، ومواقع اليونيفيل، وقصف القرى والبلدات المأهولة بالمدنيين. كلها أفعال تصب الزيت على النار، وتخرق بشكل فاضح القرار 1701 وتوتر الأجواء، ما قد يؤدي الى اشتعال الجبهة بطريقة يصعب احتواؤها».
أضاف: «الشرط الثاني: وضع حد لاستمرار التصعيد في غزة لليوم الحادي عشر على التوالي الذي تحول الى حقد أعمى على كل سكان القطاع، قد يؤدي الى عواقب لا تُحْمَدُ عُقباها على الشعوب والدول في المنطقة، وعلى المصالح الدولية».
الميدان اشتعل
وكانت الوقائع اللاهبة على طول الحدود الجنوبية انطبعت بتكثيف «حزب الله» عملياته على مواقع إسرائيلية واستهدافه وحدات عسكرية، وبينها كما أعلن الحزب في بيانات له دبابة في ثكنة راميم قرب وادي هونين، ونقطة تمركزٍ عسكرية لجنود الاحتلال مقابل بلدة راميا ضُربت «بالصواريخ الموجهة وأوقعنا فيها عدداً من الإصابات المؤكدة بين قتيلٍ وجريح»، و«مجموعة من الجنود الصهاينة كانت متمركزة في موقع بياض بليدا استُهدفت بالصواريخ الموجهة وحققنا فيها إصابات مؤكدة» وتجمُّع في ثكنة برانيت بالصواريخ الموجهة.
وفي موازاة تقارير عن صواريخ أُطلقت في اتجاه مستوطنة كريات شمونة، وأخرى عن أن «حزب الله» الذي نعى أمس 5 من عناصره سقطوا في الجنوب، استهدف أجهزة التجسس والتصوير والجمع الحربي في موقع المالكية الإسرائيلي عند الحدود في سياق إصابة الجيش الاسرائيلي بـ «العمى»، لم يكن تم تأكيد ما نُقل عن وسائل إعلام اسرائيلية عن قتلى في صفوفه جراء ضربات الحزب بعدما أُعلن عن جرحى بين العسكريين.
وكان الناطق باسم الجيش الاسرائيلي أطل أكثر من مرة أمس معلناً في إحداها «أن قذيفتين مضادتيْن للدروع أطلقتا من داخل لبنان الى منطقة قريبة من كيبوتس يفتاح على الحدود اللبنانية بالاضافة الى اطلاق نار من أسلحة خفيفة نحو مواقع عسكرية على الحدود». وقبلها أكد «إحباط محاولة تسلل لخلية مخربين تم رصدها من قبل استطلاعات جيش الدفاع وهي تقترب من السياج الأمني على الحدود اللبنانية وتقوم بزرع عبوة ناسفة. وتم تصفية أربعة مخربين». علماً أن تقارير أشارت الى ان هذه العملية تقف وراءها مجموعة فلسطينية وأن مَن سقطوا فيها هم الذين أعلن الصليب الأحمر اللبناني توجُّه فرق منه الى علما الشعب لنقل جثثهم.
كما وجّه ادرعي «رسالة عاجلة» إلى الدولة اللبنانية عبر منصة «اكس» قال فيها: «نبقى في حالة تأهب واستعداد قصوى في منطقة الشمال. إذا ارتكب حزب الله خطأ فسنرد بقوة كبيرة جداً. على دولة لبنان ان تسأل نفسها إن كانت تريد المخاطرة بلبنان من أجل مخربي داعش في غزة».
وعلى وقع تهديدات ادرعي كان الجيش الإسرائيلي يقصف بشكل مكثف أهدافاً عديدة في جنوب لبنان ولا سيما بعد إطلاق صاروخ مضاد للدبابات على مستوطنة المطلة التي دعت سلطاتها المحلية كل مَن بقي فيها «إلى مغادرتها فوراً».
وطاول القصف الإسرائيلي، الذي أعلنت تل أبيب أنه استهدف مواقع لحزب الله والذي ذكرت وسائل إعلام لبنانية أنه تخلله في بعض المناطق استخدام القنابل الفوسفورية المحظّرة، خراج بلدة رميش وعيترون والطريق بين كفركلا والعديسة وتلة الحمامص وبليدا (انفجرت فوقها 3 صواريخ باتريوت) وأطراف يارون ومروحين والضهيرة وحولا وعيتا الشعب ومارون الراس، وسط ملاحظة أن القصف طاول أعماق بعض البلدات التي تردّد أن جرحى سقطوا فيها الى جانب الأضرار في المنازل.
وإذ كان بارزاً تذكير قوة «اليونيفيل» أمس «جميع الأطراف بأن الهجمات ضد المدنيين أو موظفي الأمم المتحدة انتهاكات للقانون الدولي قد ترقى إلى مستوى جرائم حرب»، فإن الحدود الجنوبية كانت اشتباكات ليلية بين «حزب الله» والجيش الإسرائيلي استمرت حتى فجر أمس.
وذكرت وسائل إعلام لبنانية «أن الجيش الإسرائيلي ألقى عشرات القنابل الفوسفورية والمضيئة فوق بلدات الضهيرة وكفركلا والعديسه والمطله والعرقوب وعيتا الشعب واللبونة ونتيجة ذلك تعرض عدد من المواطنين للاختناق ما أدى إلى نقلهم إلى المستشفيات».
وفيما كانت الجبهةُ الجنوبية تشهد أمس تطوراتٍ متسارعةً تَصَدَّرها من المقلب اللبناني «حزب الله»، ولم تغِب عنها مجموعاتٌ فلسطينية، وتخللتها استهدافاتٌ نوعية لأهداف عسكرية للجيش الإسرائيلي الذي ردّ بقصفٍ هستيري لم يوفّر مناطق مأهولة على الشريط الحدودي، تقاطعتْ المخاوفُ من أن تهبّ الحربُ على لبنان من خلف ظهْر كل التقديراتِ التي تَعتبر أن زجّ الحزب في «مطحنة الدم» في غزة يحكمه اعتباران «رادعان»:
الأول أن حزب الله يشكل «الاحتياط الاستراتيجي» أو «خط الدفاع» الأخير عن إيران بحال أي هجوم مباشر عليها لتصفية برنامجها النووي.
والثاني أن «التحكم والسيطرة» الكاملين لحزب الله على الواقع اللبناني، والذي جاء نتيجة مسارٍ طويل من استخدام «الأنياب» تارة و«القوة الناعمة» طوراً يَجعل من الصعب استسهال تبديد هذا النفوذ والمخاطرة بأن «تحترق معاً» ورقتا حماس والحزب، ولا سيما بعدما «شمّرت» واشنطن عن حاملات طائراتها ولحقتْ بها دول أخرى أرسلت سفناً إلى شرق المتوسط.
على أن مؤشراتٍ مُعاكسةً بدأت ترتسم على المَنابر المشحونة بمواقف أقرب إلى «دق النفير»، ولا سيما من طهران، كما على الأرض التي بدا وكأن عناصرَ «التحميةِ» لها اكتملتْ تمهيداً لترجمة مبدأ «تَلاحُم الساحات» الذي بات الاقتناعُ بأن وحده اختراقٌ ديبلوماسي «عكْس كل التوقعات» يمكن أن يحول دون تشَكُّله فعلياً، علماً أن ثمة مَن يرى أن «الحريق الشامل» ورغم ما تترتب عليه من مخاطر استدراجِ «ميني حرب عالمية» في ضوء تعدُّد اللاعبيين الإقليميين والدوليين المنخرطين في الصراع، سيكون في النهاية المدخل لتفاهماتٍ كبرى بحجم الأبعاد التي أعُطيت لـ «طوفان الأقصى» سواء بوصفه 11 سبتمبر إسرائيلي أو لجهة ما رافقه من استحضار حرب أكتوبر 1973 أقلّه من حيث عنصر المباغتة الذي لُدغت به تل أبيب مرتين.
وفي حين تُحبس الأنفاس تحسُّباً لِما سيرافق ويعقب محطة الرئيس الأميركي جو بايدن في إسرائيل، هو الذي سيشارك أيضاً في قمة رباعية يستضيفها العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في عمان تضمّهما إلى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والفلسطيني محمود عباس، فإن بيروت كانت تتلقى بقلق كبير تَطايُر المواقف من فوق رأسها، على جبهتين:
• دولية مَضَتْ في دقّ «ناقوس الخطر» من انخراطِ حزب الله في الحرب وفق ما أعلنه المستشارُ الألماني أولاف شولتس قبيل انتقاله إلى إسرائيل إذ قال «أحذّر صراحةً حزب الله وإيران من التدخل في هذا الصراع»، وذلك غداة الرسالة المباشرة التي نقلتْها وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا إلى بيروت حيث «جئت لأقول بكل وضوح ان ما من مجموعة يجب أن تعتقد أن بامكانها محاولة استغلال الوضع الخطير للغاية، وعلى المسؤولين اللبنانيين أيضاً ان يتحملوا مسؤولية في هذا المجال كي يبقى بلدهم بمنأى عن هذه الدوامة وكي لا تحصل هذه الحرب».
• وإيرانية حيث برز خروج طهران على أعلى مستوى إلى «الجبهة الأمامية» في قرع طبول الحرب وفق ما عبّر عنه ما نُقل عن المرشد علي خامنئي من أنه «إذا استمرّت جرائم إسرائيل فلن يستطيع أحد وقف المسلمين حول العالم وقوى المقاومة»، وأيضاً تأكيد وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان «أن اتساع رقعة الحرب إلى جبهات أخرى بدأ يصل إلى مراحل لا يمكن تفاديها»، في موازاة تحذير «الحرس الثوري الإيراني» إسرائيل من «أن صدمة أخرى في الطريق إذا لم تتوقف الهجمات على غزة».
قلق أقرب إلى الذعر
وجاءت هذه التقاطعات، مع تدحرج التوتر العالي على الحدود الجنوبية والتهديد الإسرائيلي بإعادة لبنان إلى «العصر الحجري» بحال هاجَمَنا «حزب الله»، لتزيد من منسوبِ القلق الأقرب الى الذعر من أن يكون لبنان أمام ما هو أدهى من أهوال حرب يوليو 2006، وسط إشاراتٍ تم التعاطي معها على أنها في إطار الإجراءات الاحترازية السبّاقة التي تعكس جدية المخاوف من أن يكون الانفجار على الأبواب.
واستوقفت أوساطاً مطلعة في هذا الإطار التقارير عن أن شركة طيران الشرق الأوسط اللبنانية (ميدل إيست) وضعت 5 من 24 طائرة لديها في تركيا تحسباً لاندلاع صراع، وذلك غداة دعوة كندا لمغادرة رعاياها ما دامت الرحلات التجارية متاحة، وأيضاً ما أعلنه النائب مارك ضو من«أن شركات التأمين ترفض تغطية أي سفينة تتجه إلى لبنان باعتبار (ان فيه خطر حرب عالٍ)، وهذا يعني أن الاشغال ستتعطل، ويمكن أن يحصل انقطاع وشح في المواد الأساسية، وقد بدأت مؤشرات الغاء شركات الطيران رحلاتها الى لبنان».
وفي الإطار نفسه، برز الاجتماع الذي عقده وزير الأشغال والنقل علي حمية في مطار رفيق الحريري الدولي وخُصص لبحث «الإجراءات الاحترازية الواجب اتخاذها والسير بتنفيذها خلال حدوث أي ظروف استثنائية في البلاد»، مثنياً على «ما تم التفصيل فيه بالشرح من المعنيين قانوناً بتنفيذ الإجراءات والتدابير الواجب اتخاذها في أي ظروف استثنائية قد تمر بها البلاد أو المطار على حدّ سواء».
وفي حين بدأ التفكير في آليات استخدام المدارس الرسمية لإيواء نازحين من الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية خصوصاً، وسط خشيةٍ من أن يقع لبنان بين موجتيْ نزوح عاتيتيْن، للبنانيي «مناطق الخطر» والسوريين الذين التجأوا إليها أيضاً منذ بدء الحرب في بلادهم وغالبيتهم الساحقة تقيم في مخيمات، لم يقلّ دلالة تعجيل منظمة الصحة العالمية بتسليم الإمدادات الطبية الحيوية إلى لبنان ليكون جاهزاً للاستجابة لأي أزمة صحية محتملة حيث وصلت شحنتان إلى بيروت من المركز اللوجستي للمنظمة في دبي «تتضمنان ما يكفي من الأدوية والإمدادات الجراحية والرضوح لتلبية احتياجات ما بين 800 إلى 1000 جريح».
وزير الخارجية التركي
ولم يَحْجب دخان المواجهات جنوباً زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان لبيروت حيث أشار خلال لقائه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي «إلى التواصل مع الإسرائيليين لحضّهم على وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات إلى قطاع غزة والعمل على إيجاد حل نهائي للصراع انطلاقاً من حل الدولتين».
وكان فيدان كشف في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره اللبناني عبدالله بوحبيب أن بلاده تناقش مع «حماس» إطلاق سراح أجانب ومدنيين وأطفال تحتجزهم، معلناً «وصلتْنا حتى الآن طلبات من دول عدة لإطلاق سراح مواطنيهم. وبالنتيجة، بدأنا نقاش هذا الموضوع، خصوصاً مع الجناح السياسي في حركة حماس»، مضيفاً «جهودنا متواصلة» في هذا الصدد.
وأكد أنه «تناول مع بو حبيب العلاقات الثنائية والتطورات الإقليمية خصوصاً الأزمة الأخيرة في غزة وعملية منع توسيعها وانتشارها في المنطقة»، وقال: «نركز اتصالاتنا لإيصال المساعدات الإنسانية بسرعة لسكان غزة. وتستمر اتصالاتنا لمنع انتشار الحرب للدول الأخرى لا سيما تمدُّد الأزمة الى لبنان».
أضاف: «نعمل من أجل عدم انتشار الحرب، وفي نفس الوقت نركّز الآن على ايجاد الحل. هذه الحرب قد تؤدي الى حروب كبيرة جداً ومدمّرة لكنها قد تؤدي الى حل تاريخي، وفخامة الرئيس رجب طيب أردوغان يؤمن أنه من الممكن الخروج من هذه الأزمة الى السلام». وتابع: «حان الوقت ليقوم المجتمع الدولي بخطوة نحو قيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس، والسلام لن يحل في المنطقة اذا تم تأجيل موضوع قيام دولة فلسطين، وما الأزمة الحالية إلا دليل على ذلك»، مضيفاً: «من أجل اتخاذ قرارات ملموسة في هذا الصدد الاتصالات مستمرة بكثافة، وغداً (اليوم) سيجتمع وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي في جدة، ويوم السبت ستًعقد في القاهرة قمة للزعماء».
وتابع: «نحن دائماً خلال اجتماعاتنا نركز ونقول إن الطرق التي تم تنفيذها حتى الآن في هذا الموضوع كانت خاطئة. وسنعلن في الاجتماعات المقبلة الصيغة الجديدة لحل هذه المشكلة خصوصاً أنه بات معروفاً بأن الصيغة القديمة لم تنفع».
لسنا هواة حرب
من جهته أكد بوحبيب «أننا منذ عدة أيام، وبالتنسيق مع رئيس الحكومة، نقوم بحملة اتصالات ديبلوماسية من ضمنها هذا اللقاء اليوم. ونجري اتصالات مع عدد كبير من وزراء الخارجية العرب والأجانب، إضافة الى لقاءاتنا مع سفراء أكثر من 35 دولة، منها الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، وسفراء الدول المشاركة في قوات اليونيفيل، والاتحاد الأوروبي، وغيرها لشرح الموقف اللبناني ومفاده أننا لسنا هُواة أو دُعاة حرب بل نرغب بالحفاظ على الهدوء والاستقرار. ولتحقيق ذلك يجب توافر شرطين أساسيين، الأول: وقف الاستفزازات والاعتداءات الإسرائيلية المتزايدة على الحدود الجنوبية، والقتل المتعمّد للصحافيين واستهداف المدنيين والجيش اللبناني ومراكزه، ومواقع اليونيفيل، وقصف القرى والبلدات المأهولة بالمدنيين. كلها أفعال تصب الزيت على النار، وتخرق بشكل فاضح القرار 1701 وتوتر الأجواء، ما قد يؤدي الى اشتعال الجبهة بطريقة يصعب احتواؤها».
أضاف: «الشرط الثاني: وضع حد لاستمرار التصعيد في غزة لليوم الحادي عشر على التوالي الذي تحول الى حقد أعمى على كل سكان القطاع، قد يؤدي الى عواقب لا تُحْمَدُ عُقباها على الشعوب والدول في المنطقة، وعلى المصالح الدولية».
الميدان اشتعل
وكانت الوقائع اللاهبة على طول الحدود الجنوبية انطبعت بتكثيف «حزب الله» عملياته على مواقع إسرائيلية واستهدافه وحدات عسكرية، وبينها كما أعلن الحزب في بيانات له دبابة في ثكنة راميم قرب وادي هونين، ونقطة تمركزٍ عسكرية لجنود الاحتلال مقابل بلدة راميا ضُربت «بالصواريخ الموجهة وأوقعنا فيها عدداً من الإصابات المؤكدة بين قتيلٍ وجريح»، و«مجموعة من الجنود الصهاينة كانت متمركزة في موقع بياض بليدا استُهدفت بالصواريخ الموجهة وحققنا فيها إصابات مؤكدة» وتجمُّع في ثكنة برانيت بالصواريخ الموجهة.
وفي موازاة تقارير عن صواريخ أُطلقت في اتجاه مستوطنة كريات شمونة، وأخرى عن أن «حزب الله» الذي نعى أمس 5 من عناصره سقطوا في الجنوب، استهدف أجهزة التجسس والتصوير والجمع الحربي في موقع المالكية الإسرائيلي عند الحدود في سياق إصابة الجيش الاسرائيلي بـ «العمى»، لم يكن تم تأكيد ما نُقل عن وسائل إعلام اسرائيلية عن قتلى في صفوفه جراء ضربات الحزب بعدما أُعلن عن جرحى بين العسكريين.
وكان الناطق باسم الجيش الاسرائيلي أطل أكثر من مرة أمس معلناً في إحداها «أن قذيفتين مضادتيْن للدروع أطلقتا من داخل لبنان الى منطقة قريبة من كيبوتس يفتاح على الحدود اللبنانية بالاضافة الى اطلاق نار من أسلحة خفيفة نحو مواقع عسكرية على الحدود». وقبلها أكد «إحباط محاولة تسلل لخلية مخربين تم رصدها من قبل استطلاعات جيش الدفاع وهي تقترب من السياج الأمني على الحدود اللبنانية وتقوم بزرع عبوة ناسفة. وتم تصفية أربعة مخربين». علماً أن تقارير أشارت الى ان هذه العملية تقف وراءها مجموعة فلسطينية وأن مَن سقطوا فيها هم الذين أعلن الصليب الأحمر اللبناني توجُّه فرق منه الى علما الشعب لنقل جثثهم.
كما وجّه ادرعي «رسالة عاجلة» إلى الدولة اللبنانية عبر منصة «اكس» قال فيها: «نبقى في حالة تأهب واستعداد قصوى في منطقة الشمال. إذا ارتكب حزب الله خطأ فسنرد بقوة كبيرة جداً. على دولة لبنان ان تسأل نفسها إن كانت تريد المخاطرة بلبنان من أجل مخربي داعش في غزة».
وعلى وقع تهديدات ادرعي كان الجيش الإسرائيلي يقصف بشكل مكثف أهدافاً عديدة في جنوب لبنان ولا سيما بعد إطلاق صاروخ مضاد للدبابات على مستوطنة المطلة التي دعت سلطاتها المحلية كل مَن بقي فيها «إلى مغادرتها فوراً».
وطاول القصف الإسرائيلي، الذي أعلنت تل أبيب أنه استهدف مواقع لحزب الله والذي ذكرت وسائل إعلام لبنانية أنه تخلله في بعض المناطق استخدام القنابل الفوسفورية المحظّرة، خراج بلدة رميش وعيترون والطريق بين كفركلا والعديسة وتلة الحمامص وبليدا (انفجرت فوقها 3 صواريخ باتريوت) وأطراف يارون ومروحين والضهيرة وحولا وعيتا الشعب ومارون الراس، وسط ملاحظة أن القصف طاول أعماق بعض البلدات التي تردّد أن جرحى سقطوا فيها الى جانب الأضرار في المنازل.
وإذ كان بارزاً تذكير قوة «اليونيفيل» أمس «جميع الأطراف بأن الهجمات ضد المدنيين أو موظفي الأمم المتحدة انتهاكات للقانون الدولي قد ترقى إلى مستوى جرائم حرب»، فإن الحدود الجنوبية كانت اشتباكات ليلية بين «حزب الله» والجيش الإسرائيلي استمرت حتى فجر أمس.
وذكرت وسائل إعلام لبنانية «أن الجيش الإسرائيلي ألقى عشرات القنابل الفوسفورية والمضيئة فوق بلدات الضهيرة وكفركلا والعديسه والمطله والعرقوب وعيتا الشعب واللبونة ونتيجة ذلك تعرض عدد من المواطنين للاختناق ما أدى إلى نقلهم إلى المستشفيات».