الخوف الصهيوني سينتهي بالهزيمة والرحيل
14 أكتوبر 2023
10:00 م
231
في مقال لها بتاريخ 1 يناير 2021، في صحيفة هآرتس الصهيونية، كتبت أستاذة الاجتماع الدكتورة إيفا ألوز Eva Illouz مقالاً مهماً عنوانه «الهولوكوست، العسكرة، ونصيحة ميكافيلي: كيف تغلب الخوف على إسرائيل»، وقد نشرت مقتطفات من هذه المقالة العلمية الطويلة والمهمة صحيفة القدس العربي بتاريخ النشر ذاته في الصحافية الصهيونية. في هذه المقالة أو بالأحرى التقرير، أوضحت الدكتورة ألوز، كيف تحولت أسطورة التخويف التي استخدمتها الصهيونية من وسيلة للتعبئة السياسية لليهود من أجل دعم قيام دولة لهم إلى مادة مثبطة نفسياً. الكيان الصهيوني الذي وظف ما يصطلح عليه بـ«الهولوكوست» أو الإبادة النازية لليهود من أجل بناء دولة خاصة لليهود، ومن ثم ضرورة عسكرة هذه الدولة من أجل صيانة أمنها من الأعداء المتربصين بها، كان له أثر في تشجيع هجرة المستوطنين من شتى بقاع العالم ودعمهم لقيام هذا الكيان من جهة وتبرير زيادة الميزانيات الأمنية وتعزيز مفهوم الخدمة العسكرية وإقامة الملاجئ والتحصينات والاحترازات من جهة أخرى، ناهيك عن نشر فكرة استهداف السامية من قبل أي طرف يتخذ موقفاً سياسياً أو فكرياً من سياسات هذا الكيان.
ثقافة الخوف التي وظفتها الدوائر الإعلامية والسياسية الصهيونية قد تحولت إلى عقدة نفسية تبرر أي سلوك معادٍ ضد الآخرين الذين يتم تصنيفهم جمعياً في خانة الأعداء.
منذ 4 ساعات
كوقائع تدل على تلك العقدة، تذكر الكاتبة ان مناحيم بيغن، رئيس وزراء الكيان الصهيوني الأسبق عندما سأل عن أسباب غزوه للبنان عام 1982، قال إنه لا يريد أن يشهد اليهود إحدى مذابحهم التي حصلت إبان النازية. وكذا كان قد استخدم سلفه موشى ديان الخطاب السياسي ذاته في الخمسينات لشحذ همم الصهاينة حينما أكد عليهم ألا يتركوا مجالاً لعودة المذابح التي تعرّض لها اليهود وعليهم أن يستعدوا للعسكرة وبناء الملاجئ والأسوار وكل ما يكفل أمنهم من شرور الفدائيين الفلسطينيين الذين هم يتشابهون مع الجنود النازيين!
من الملاحظات المهمة التي دونتها إيفا ألوز، هو أن الكيان الصهيوني لم يمر بالخط الطبيعي لمسار الدول التي تبدأ بالنضال العسكري للتخلص من العدو ثم التحول إلى دولة مدنية، بل ان هذا الكيان استمر على عسكرته بصورة متنامية وبشكل مستدام.
إن هذا الاستمرار بعسكرة الكيان الصهيوني يقود إلى صحة الفرضية بأن وسيلة التخويف الميكافيلية التي كان الغرض منها تبرير الاحتلال وتشجيع الهجرة إلى فلسطين ودعم فكرة قيام الدولة ومشروعية سحق الآخر قتلاً وتشريداً، لم تنتهِ أو تقل بمجرد انتفاء الغرض منها بل تحولت إلى عقدة نفسية أثرت في الإدراك العميق لتتحول إلى سلوك عدائي يمكن أن يقوم بأي شيء ضد الآخر ويعتبره صحيحاً حتى لو كان غير قانوني أو إنساني، مثل هدم البيوت وتشريد السكان وسلب ممتلكاتهم والاعتداء على حرياتهم الدينية والغزو للدول الأخرى وتوجيه الضربات العسكرية والاغتيالات للمدنيين والعلماء بحجة الإجراءات الوقائية، في حين أن أي ردة فعل إزاء ذلك يعتبر عملاً عدائياً ضد السامية في المنظور الصهيوني!
لقد طوّر نتنياهو عقدة الخوف إلى إستراتيجية حتى بلغ فيها تخوين أسلافه الذين أبرموا صفقات «سلام» من السلطة الفلسطينية.
نتنياهو، الذي أطلقت عليه صحيفة Jerusalem Post لقب «محترف سياسة الخوف»، ذهب إلى توظيف هذه الإستراتيجية لزيادة حصة شعبيته بالانتخاب وفي الوقت نفسه، لتبرير سياسته الخارجية المتحالفة مع دونالد ترامب، على الرغم من عدم أخلاقية هذا الأخير.
ونتنياهو من خلال هذه الإستراتيجية ذهب إلى تعظيم المخاوف من إبرام أي اتفاق أوروبي أميركي في شأن الملف النووي الإيراني.
ومن الإشكاليات التي يعاني منها الكيان الصهيوني جراء هذه العقدة هو ليس التحول في ميزان القوى الإقليمي لصالح محور المقاومة بل أيضاً التزايد الديموغرافي الفلسطيني الذي سيتحول قريباً إلى تفوق سكاني خاصة في ظل تراجع الهجرات وبروز الهجرات المعاكسة من الكيان الصهيوني للخارج!
وفي مرحلة متطورة تحول الخوف من وسيلة إلى إستراتيجية ثم إلى ثقافة حيث إن أكثر من 50 ٪ من المجتمع الصهيوني خائفون حسب صحيفة هآرتس.
وبذلك فلقد افتقد هذا الكيان أهم المقومات السياسية لبناء الدولة والمجتمع وهو الثقة بالمكان والزمان. مكانياً أصبح كل من لا يوافق وليس من يعادي فحسب سياسة هذا الكيان غير الأخلاقية هو آخر عدو. فحتى النقاد اليهود سواء في الكيان الصهيوني أو خارجه في دول أخرى كالولايات المتحدة أو اوروبا أصبحوا اعداء، وعليك أن تتصور الآخرين المحيطين بهم من فلسطينيين وعرب ومسلمين يشاهدون هذه العربدة الصهيونية على أراضيهم وفي مقدساتهم! وسيكون هنالك فقدان للثقة بالمكان الذي اغتصب. وزمانياً، أصبحت إستراتيجية الكيان الصهيوني تستقرئ المستقبل وفقاً لسيناريوهات الخوف!
فالخوف من التفوق العددي السكاني الفلسطيني يقودهم إلى مثل هذا الاعتداء المشهود حالياً أثناء تأدية الشعائر الدينية في المسجد الأقصى، وعقدة الخوف هي التي قادت القوات الاسرائيلية لقتل 42 مدنياً منهم الكثير من الأطفال في مدرسة تابعة للأمم المتحدة تحولت لموقع للاجئين بحجة أنهم إرهابيون لتتضح الحقيقة بخلاف ذلك، والخوف من الملف النووي الإيراني لكونه سينتج قنابل نووية تبرر حتمية الاعتداءات والاغتيالات ومحاولة توريط الدول الخليجية وإيران بمواجهات مكلفة ومستمرة، والخوف من الانتقام السوري، في ضوء تحالفات القوى مع نظامه السياسي، تبرر دعم الإرهابيين وحمايتهم والضربات الاستباقية في العمق السوري.
لا شك من أن ثقافة الخوف هذه ستقود إلى عدم الثقة بالنفس وهي من الظواهر التي انتهت إليها ألوز في تقريرها.
إن ما أسمته صحيفة هآرتس«بعصر الخوف»، سيقود حتماً إلى نهاية هذا الكيان الغاصب. لربما تكون سياسة التخويف أداة نافعة لبعض السياسيين من أجل بسط هيمنة سيكولوجية على الشعوب، ولكنها دون شك أداة مشاعة استخدمتها النظم الديكتاتورية، وتاريخياً لم يدم أي كيان سياسي وقد ترعرعت فيه هذه الثقافة، خصوصاً في ضوء المستجدات السياسية الراهنة في الشرق الأوسط والتي لها أثر بالغ على ميزان القوى الجديد.
إستراتيجية الخوف ستنعكس سلباً على الكيان الصهيوني خلال الفترة المقبلة من حيث اختلاف طبيعة المواجهة مع الشعوب وليس الحكومات، ومن حيث الاختلالات الحاصلة في ميزان القوى لغير صالحه، إنه الخوف الذي سينتهي إلى كابوس الرحيل إلى مسقط الرأس بعد حلم الاستيطان في«أرض الميعاد».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي