قبل الغزو العراقي كنت في باريس، وبعد ما حدث انتقلت مع عائلتي للرياض، وكنت أشعر بالألم وأنا أشاهد المظاهرات لشعوب عربية وإسلامية تساند المُعتدي، وقبل الضربة الجوية كنت في عيادة أسنان خاصة في الرياض، والطبيب الذي كان يُعالج ابنتي طبيب أميركي شاب، قلت له: «هل تتوقع أن الجيش الأميركي جاد في تحرير الكويت»، استنكر سؤالي وقال «وهل تتوقع أن جيش صدام المُهترئ سينتصر على الجيش الأميركي»، وأضاف قائلاً «الكويت ستتحرر وستكون بعد شهر في بلدك» فرحت للرد: وقلت له هذا وعد: «أنا أعاهدك إذا تحررت الكويت سأرسل لك فيزا لزيارتها».
وخرجت من العيادة، وماهي إلا أيام قليلة حتى بدأت الضربة الجوية، وتم تحرير الكويت بعد حين، وعدت في مارس 1991م للكويت المُحررة، ولم أنسَ وعدي لصديقنا الأميركي، وأرسلت له فيزا وجاء بالحال بسيارته، وكانت ضيافته على حسابي لأربعة أيام، وأخذت معه جولة من جنوب الكويت إلى المطلاع ليأخذ صوراً وبعدها عاد للرياض.
عموماً الحروب دمار وليست لعبة، ولها أصول واستعداد، لكن لا يُعقل أن يدخل تيار أو حزب أو ميليشيا في حرب مع دولة مُعترف بها، ولها حلفاء وينتصر آخر الأمر، أن تدخل حرباً من دون حسابات دقيقة و من دون أن يقف معك حلفاء، النتيجة معلومة في آخر الأمر.
فإمبراطور اليابان لو يعلم أن ضرب جيشه لبيرهاربر الأميركي عام 1941م سيقود لضرب مدنه بالقنابل الذرية واحتلال دولة اليابان بأكملها من قبل الجيش الأميركي لما فعلها، ولو يعلم من ضرب أبراج أميركا في 11 سبتمبر بالطائرات أن نتيجة هذا الفعل سيتم احتلال دولتي أفغانستان والعراق لما فعلها، ولو يعلم صدام أنه باحتلال الكويت سينتهي حكمة وسيتم احتلال العراق بأكمله لما فعلها، وبوتين لو يعلم أن دخوله لأوكرانيا سيستمر لأكثر من سنة لما دخلها.
عموماً العواطف لا تحرر أوطاناً، والجيوش النظامية لها عقيدة وأسس مع التعامل مع غير المقاتلين من البلد المهزوم، الإسلام انتشر بفعل عقيدة مُهمة وهي التعامل بالحسنى مع المدنيين من أطفال ونساء وكبار سن وكذلك عدم قطع شجرة.
ما يحدث الآن في غزة نتيجته أتت على لسان سيدة فلسطينية تقول «أنا تحت ذمتي 15 شخصاً كيف أطعمهم، نحن نتمنى أن يكون هناك حل سلمي (احنا ما نريد ان نكون في حروب... في حروب)»، تقول هذا الكلام الذي يمثل المدنيين الأبرياء الذي من أول ضربة للعدو تشرد منهم 23 ألف فلسطيني.
لهذا نتمنى من القيادات الفلسطينية أن تعود لإخوانهم في الصف العربي، وتسمع نصائح وحلولاً من قيادات عربية من المملكة العربية السعودية والأردن والمغرب والخليج لإيجاد حل سلمي، بدلاً من وضع يدها بقيادات تمثل الخط المُتشدد من تيار العسكر في إيران، حيث من أكثر من أربعين سنة وهم يعدون بتحرير فلسطين، ومع هذا لم يطلقوا ولا طلقة واحدة على العدو.
غير ذلك فتشرد وتشتت للشعب الفلسطيني المسكين الذي عاش الويلات من حروب عبثية نتائجها مُدمرة، ولا يعلم مآسي التشرد إلا الكويتي الذي عاصر أيام الاحتلال وأنا أحدهم.