نوبل 2023 تبحث عن بارقة أمل في عالم يتفكّك سريعاً

صورة مؤرخة في 16 سبتمبر 2021 تظهر ميداليات جوائز «نوبل»
صورة مؤرخة في 16 سبتمبر 2021 تظهر ميداليات جوائز «نوبل»
تصغير
تكبير
في أوسلو ينطلق الاثنين المقبل، موسم توزيع جوائز نوبل، في حدث سنوي يحل هذا العام وسط أجواء عالمية ملبدة بفعل استمرار الحرب في أوكرانيا، والتشظي المتواصل للمجتمع الدولي، وتكاثر الكوارث حول العالم.
هل تُحجب جائزة نوبل للسلام هذا العام؟
الآفاق الحالية قاتمة للغاية لدرجة أن بعض الخبراء لا يستبعدون أن تُحجم لجنة نوبل عن إعلان أي فائز بهذه المكافأة السنوية المنتظرة في موعدها المقبل يوم الجمعة في السادس من أكتوبر.

وفي مؤشر إلى هذه التوترات القوية، قررت مؤسسة نوبل عدم دعوة السفير الروسي لحضور حفل توزيع الجوائز في ديسمبر في ستوكهولم بعد الجدل الساخن الذي أثارته الدعوة الأولية.
وقال البروفيسور السويدي بيتر فالنستين المتخصص في القضايا الدولية «من جوانب عدة، سيكون من المناسب ألا تمنح اللجنة الجائزة هذا العام»، مضيفاً «ستكون طريقة جيدة لتسليط الضوء على خطورة الوضع العالمي كما حدث في سنوات الحربين العالميتين».
وسبق أن وصل أعضاء اللجنة الخمسة في سنوات ماضية إلى طريق مسدود، آخرها في 1972، في عز حرب فيتنام.
لكن في أوسلو، فإن عدم اختيار فائز من بين مئات الطلبات التي جرى تلقيها (351 هذا العام)، سيُنظر إليه حالياً على أنه اعتراف بالفشل.
ويقول أمين لجنة جائزة نوبل أولاف نيولستاد لـ «فرانس برس»، «من الصعب للغاية تصور» مثل هذا السيناريو.
ويضيف «لا أقول إن ذلك مستحيل (لكن) العالم يحتاج حقاً إلى شيء من شأنه أن يضعه على المسار الصحيح»، «لذلك أعتقد أنه من الضروري حقاً منح جائزة نوبل للسلام، حتى هذا العام».
- نضال المرأة الإيرانية؟
لكن من يكون الفائز المحتمل؟ هل تعطى الجائزة للنساء الإيرانيات اللواتي يعبّرن عن غضبهنّ، أحياناً من خلال خلع الحجاب علناً، منذ وفاة الشابة الكردية مهسا أميني في سبتمبر 2022 بعد توقيفها من شرطة الأخلاق بحجة انتهاك قواعد اللباس الصارمة المفروضة على النساء؟
أم تعطى الجائزة للجهات التي تحقق في جرائم الحرب المرتكبة في أوكرانيا أو تلك التي ستتولى يوماً ما المحاكمات المرتبطة بها؟
هل تُمنح جائزة نوبل للسلام إلى ناشطين يناضلون ضد التهديد الكبير الآخر، وهو تغير المناخ، بعدما كان صيف عام 2023 الأكثر سخونة على الإطلاق في العالم، وكان الطقس السيئ والحرائق والفيضانات مستعرة في جميع أنحاء الكوكب؟
يقول مدير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام دان سميث «أعتقد أن تغير المناخ هو خيار ممتاز لجائزة نوبل للسلام هذا العام».
ويرغب سميث في أن تُمنح الجائزة مناصفة إلى حركة «فرايدايز فور فيويتشر» («أيام الجمعة من أجل المستقبل») التي أطلقتها الناشطة السويدية الشابة غريتا ثونبرغ، وإلى الزعيم القبلي البرازيلي راوني ميتوكتير، المدافع عن حقوق السكان الأصليين الذين يدفعون ثمناً باهظاً جراء التغير المناخي رغم عدم تحمّلهم أي مسؤولية فيه.
ومن الأسماء الأخرى المتداولة: المحكمة الجنائية الدولية، والإيرانيتان نرجس محمدي ومسيح علي نجاد، والناشطة الأفغانية محبوبة سراج، أو حتى المعارض الروسي فلاديمير كارا مورزا.
وفي العام الماضي، مُنحت الجائزة لثلاث جهات ذات دلالات رمزية بالغة، وهي منظمة «ميموريال» الروسية غير الحكومية (التي أمر القضاء الروسي بحلها)، والمركز الأوكراني للحريات المدنية، والناشط البيلاروسي المسجون أليس بيالياتسكي.
- جائزة «تعكس العصر»
بالنسبة لجائزة نوبل في الآداب، المكافأة الرئيسية الأخرى، ينتظر النقاد تأكيد الوعد بزيادة التنوع الذي قطعته لجنة نوبل عام 2019 بعد فضيحة جنسية هزت الأكاديمية السويدية.
وفي العام الماضي، منحت اللجنة، الجائزة إلى الفرنسية آني إرنو، وهي مؤلفة عمل يتمحور حول تحرر امرأة من أصول متواضعة أصبحت، رغماً عنها، أيقونة نسوية.
وتقول أستاذة الأدب في جامعة ستوكهولم كارين فرانزين، «في السنوات الأخيرة، ثمة وعي أكبر بحقيقة أننا لا نستطيع الاستمرار في اعتماد نظرة تتمحور حول أوروبا، وأننا بحاجة إلى مزيد من المساواة، وأن نقدّم جائزة تعكس العصر الذي نعيشه».
مع ذلك، لم يتم الوفاء بوعد التنوع الجغرافي إلا جزئياً، فباستثناء الروائي البريطاني من أصل تنزاني عبدالرزاق قرنح في عام 2021، فإن آخر مرة مُنحت فيها جائزة نوبل الآداب إلى شخص من خارج أوروبا أو أميركا الشمالية، كانت عام 2012، مع الكاتب الصيني مو يان.
وسيفتتح موسم نوبل بالجوائز العلمية (الطب والفيزياء والكيمياء).
بالنسبة للطب، فإن الخبراء يتوقعون أن تؤول الجائزة إلى باحثين أجروا دراسات عن الخلايا المناعية القادرة على مكافحة السرطان، أو الكائنات الحية الدقيقة البشرية أو عن أسباب النوم القهري.
وبعد الأدب الخميس والسلام الجمعة، سيُختتم موسم نوبل بجائزة الاقتصاد يوم الاثنين في التاسع من أكتوبر، وهي الجائزة الوحيدة التي لم يبتكرها المخترع السويدي الشهير ألفريد نوبل (1833 - 1896).
كيسنجر لم يتسلّمها والفيتنامي لي دوك... رفضها
«فشل ذريع» يلاحق قرار منح جائزة نوبل للسلام للعام 1973
يلاحق قرار منح جائزة نوبل للسلام للأميركي هنري كيسنجر والفيتنامي لي دوك ثو قبل 50 عاماً، انتقادات شديدة إلى اليوم، بعد ان رفضها طرف ولم يتسلمها الآخر وتسببت في استقالة عضوين من اللجنة آنذاك.
يرى المؤرخ النروجي المتخصص في جائزة نوبل آسلي سفين أنها تمثل «فشلاً ذريعاً». ويتابع «هذه أسوأ جائزة في تاريخ جوائز نوبل للسلام».
كان تاريخ 16 أكتوبر 1973 بمثابة الصدمة حين أعلنت لجنة نوبل النروجية، أن الجائزة مُنحت بشكل مشترك لمستشار الأمن القومي، الذي تمت ترقيته أيضاً إلى رتبة وزير للخارجية، ولعضو المكتب السياسي لفيتنام الشمالية «لقيامهما بتفاوض مشترك على وقف إطلاق النار في فيتنام في العام 1973».
وفي 27 يناير من العام ذاته وقع الطرفان على اتفاقيات باريس والتي تنص على إقرار الهدنة في فيتنام.
ويشرح أسلي سفين لـ «فرانس برس»، أنه «لم يكن اتفاق سلام بل هدنة سرعان ما فشلت».
وكان الهدنة بمثابة فرصة متاحة للأميركيين لسحب قواتهم من فيتنام، بينما تواجه الولايات المتحدة انتقادات قوية مناهضة للحرب.
واثار قرار منح الجائزة اثر ذلك جدلاً واسعاً وسريعاً.
استقال حينها ولأول مرة في تاريخ الجائزة اثنان من الأعضاء الخمسة في لجنة نوبل، بسبب عدم رضاهما عن القرار.
ونشرت صحيفة «نيويورك تايمز» مقالة افتتاحيتها تحت عنوان «جائزة نوبل للحرب»، كما دان أساتذة جامعة هارفارد العريقة الاختيار الذي «يتجاوز ما يمكن أن يتحمله شخص يتمتع بفهم بسيط للعدالة».
واعتبر المغني طوم ليرر أنه بهذه الجائزة «أصبحت السخرية السياسية من دون جدوى».
وأصبح كيسنجر الذي يناهز عمره المئة عام اليوم، هدفاً محدداً للانتقاد وتوجه له اتهامات بنقل حرب فيتنام إلى كمبوديا الدولة المجاورة وأعطى أوامره بشن عمليات قصف واسعة على هانوي كأداة لممارسة الضغط على المفاوضات.
كما دعم الانقلاب الذي قام به الجنرال بينوشيه في تشيلي ضد الرئيس المنتخب ديموقراطياً سلفادور أليندي.
أما شريكه في الجائزة، والذي رفضها لي دوك ثو، ولم يكن معروفاً، فقد كان يستعد بالفعل لغزو فيتنام الجنوبية بعد ذلك بعامين.
وقال حينها في برقية «عندما يتم احترام اتفاق باريس في شأن فيتنام، وتصمت الأسلحة ويعود السلام بالفعل إلى فيتنام الجنوبية، سأفكر في قبول الجائزة».
أما كيسنجر فاستدعى اجتماعاً لحلف شمال الأطلسي لتجنب القدوم لاستلام جائزته في أوسلو خوفاً من أن تستقبله التظاهرات المنددة بالقرار.
ويبين المدير الحالي لمعهد نوبل أولاف نيولستاد، أن الوثائق التي رفعت عنها السريّة بعد خمسة عقود من الحظر تشير إلى أن اللجنة كانت تأمل في أن يكون قرارها قوة دافعة لاتفاقات باريس لتؤدي إلى سلام دائم.
فضلاً عن ان عودة السلام إلى فيتنام من شأنها أن تقلل من التوترات بين الشرق والغرب في مناطق أخرى من العالم وتوقف الحرب الباردة.
ويبين المسؤول لـ «فرانس برس»، «كنت أميل إلى الاعتقاد بأنه كان قرارا سيّئاً. بشكل عام، ليس من الجيد منح جوائز للأشخاص الذين يشنون حرباً».
خمسة أشياء عن جوائز نوبل
تُمنح جوائز نوبل هذا العام اعتباراً من الاثنين وحتى التاسع من أكتوبر في ستوكهولم وأوسلو.
وفي ما يلي خمسة أمور يجب معرفتها عن هذه المكافآت التي تُسلّم إلى رجال ونساء ومؤسسات عملوا من أجل تقدم البشرية، بحسب وصية مؤسس هذه الجوائز المخترع السويدي ألفريد نوبل.
غياب قسري
منذ عام 1901، لم يتمكن ستة من الحائزين جائزة نوبل للسلام من حضور حفل توزيع هذه المكافأة العريقة في أوسلو.
ففي 1936، كان الصحافي الألماني وداعية السلام كارل فون أوسيتسكي يعاني في معسكر اعتقال نازي.
ثم عام 1975، استُبدل الفيزيائي السوفياتي والمنشق أندريه ساخاروف بزوجته إيلينا بونر.
وفي 1983، قرر النقابي البولندي ليخ فاليسا عدم الذهاب إلى أوسلو خشية عدم تمكنه من العودة إلى بلاده.
أما المعارضة البورمية أونغ سان سو تشي، التي مُنحت الجائزة عام 1991 أثناء وجودها في الإقامة الجبرية، فقد حصلت على إذن من المجلس العسكري بالذهاب إلى أوسلو، لكنها امتنعت عن ذلك لسبب فاليسا نفسه.
وفي 2010، كان المنشق الصيني ليو شياوبو مسجوناً. وتُرك كرسيه الذي توضع عليه الجائزة فارغاً في بادرة رمزية.
كذلك عام 2022، كان المدافع البيلاروسي عن حقوق الإنسان أليس بيالياتسكي (يُكتب أيضاً بيلياتسكي) مسجوناً، ومثّلته زوجته ناتاليا بينتشوك في حفلة تسلم جائزة نوبل للسلام.
جائزة للأحياء
منذ 1974، ينص النظام الأساسي لمؤسسة نوبل على أنه لا يمكن منح الجائزة لشخص متوفى، إلا في حال حدوث الوفاة بعد الإعلان عن اسم الفائز.
وحتى اعتماد هذه القاعدة رسميا، مُنحت جائزة نوبل مرتين فقط لشخصين متوفيين، هما الشاعر السويدي إريك أكسل كارلفيلدت (نوبل للآداب عام 1931)، ومواطنه الأمين العام للأمم المتحدة داغ همرشولد، الذي اغتيل على الأرجح (جائزة نوبل للسلام عام 1961).
وقد حُجبت الجائزة أيضا سنة 1948 إثر وفاة غاندي كبادرة تقدير له.
كذلك حُرم الكندي رالف شتاينمان من الحصول على جائزة نوبل للطب سنة 2011، إذ علمت لجنة نوبل لدى الاتصال به لإبلاغه بالفوز بأنه توفي قبل ثلاثة أيام. لكنه اسمه لا يزال مدرجاً بين قائمة الفائزين.
أين النساء؟
مع 60 فائزة في تاريخ الجوائز، تقتصر نسبة النساء في قائمة الحائزين جوائز نوبل على 6 في المئة فقط منذ عام 1901.
وفي أدنى القائمة جائزة الاقتصاد (2.2%)، تليها الجوائز العلمية مجتمعة (3.7%).
أما على صعيد الأدب فتبلغ نسبة النساء الفائزات 14.2%، فيما الوضع أفضل قليلا على صعيد التمثيل النسائي بين الفائزين بجائزة نوبل للسلام (16%).
واعتبرت الفائزة الفرنسية بجائزة نوبل للآداب أني إرنو في تصريحات لوكالة فرانس برس سنة 2022 أن نوبل مؤسسة «للرجال».
على الرغم من البطء، إلا أن الأمور تتحسن. فمنذ مطلع القرن الحالي، نالت 31 امرأة جوائز نوبل، أي ما يقرب من ثلاث مرات أكثر من عددهنّ في العقدين السابقين.
وفي 2009، حصل رقم قياسي من خمس نساء على جائزة نوبل، بينهن أول فائزة بجائزة الاقتصاد الأميركية إلينور أوستروم.
كما أن أول شخص يفوز بجائزة نوبل مرتين كانت امرأة، وهي الفرنسية من أصل بولندي ماري كوري (الفيزياء 1903 والكيمياء 1911).
الرياضيات
لماذا لا توجد جائزة نوبل في الرياضيات؟ في ثمانينات القرن الماضي، دحض باحثون رواية جرى تداولها طويلاً، وتفيد بأن ألفريد نوبل تعمّد عدم تخصيص جائزة في هذه الفئة انتقاماً من عشيق عشيقته، عالم الرياضيات ماغنوس غوستا ميتاغ ليفلر. لكنّ شيئاً لا يدعم هذه الفرضية.
أما التفسير الأكثر منطقية لهذا الغياب فهو ذو شقين: عام 1895، عندما كتب نوبل وصيته، كانت هناك جائزة موجودة بالفعل في السويد للرياضيات، ولم ير تالياً أي فائدة من إنشاء جائزة ثانية.
وفي بداية القرن العشرين، كانت العلوم التطبيقية مفضلة من جانب النخب والرأي العام الذين لم يعتبروا أن البشرية تدين بالكثير للرياضيات.
العاشر من ديسمبر
تُعلن الجوائز في بداية أكتوبر من كل عام، لكنها تُقدم وسط أجواء احتفالية كبيرة في ستوكهولم للجوائز العلمية والاقتصادية والأدبية، وفي أوسلو لجائزة نوبل للسلام في 10 ديسمبر، ذكرى وفاة مؤسس هذه المكافآت، مخترع الديناميت ألفريد نوبل (1833 - 1896).
وفي ستوكهولم، تلي حفلة توزيع الجوائز مأدبة تجمع نحو 1300 ضيف في مقر البلدية، بحضور الملك كارل السادس عشر غوستاف والملكة سيلفيا.
وفي أوسلو، يجتمع ألف ضيف لحضور الحفلة في مقر البلدية، تليها مأدبة أصغر في «غراند أوتيل».
وبعد استبعاده من حفلة توزيع الجوائز العام الماضي في ستوكهولم بسبب الحرب في أوكرانيا، استُبعد السفير الروسي مجدداً هذا العام من قائمة المدعوين بعد جدل كبير.
وفي أوسلو، من ناحية أخرى، يخطط معهد نوبل النروجي لدعوة جميع السفراء.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي