هذه العمارة تعود إلى نحو ثمانية آلاف سنة
الحرب والنزوح يُهدّدان بيوت الطين التقليدية شمال سورية
أتت سنوات من نزاع دامٍ على بيوت الطين التقليدية التي لطالما ضجّت بالسكان قرب مدينة حلب في شمال سورية، وقد باتت اليوم مهددة بالاندثار.
بعد معارك دفعته إلى النزوح العام 2013، عاد محمود المحيلج (50 عاماً) في 2021 إلى قريته أم عامودا الكبيرة في ريف حلب الشرقي ليجد بيوتها الطينية التي تعود هندستها المعمارية إلى آلاف السنين، غير قابلة للسكن.
ويقول المحيلج أثناء تجوله بين الأزقة الضيقة والبيوت الصغيرة، «كان عدد سكان القرية بين ثلاثة إلى خمسة آلاف نسمة، لكن (...) الناس هاجروا، ولا يتجاوز عدد العائدين منّا اليوم الـ 200 شخص».
وتضمّ القرية المحاذية لسبخات الملح الأكبر في سورية، أكثر من 150 منزلاً طينياً شبه متلاصقة ببعضها البعض، سقطت جدران بعض منها، وتعلو بعضها قبة أو اثنتان أو أكثر باتت بمعظمها متصدعة.
وبُنيت هذه المنازل من خليط من التراب والتبن والقش والمياه. ويقول المحيلج إنها «دافئة في فصل الشتاء وتمنح بعضاً من البرودة خلال الصيف»، كما أن تكلفتها قليلة.
وحين وجد أن منزله الطيني لم يعد قابلاً للسكن، اختار المحيلج أن يقطن منزلاً صغيراً بناه من حجر وباطون.
ويقول بأسف «البيوت الطينية تندثر، باتت اليوم خراباً»، في وقت تحتاج إلى صيانة دائمة وإعادة ترميم بالطين كل سنتين على الأقل لتصمد بوجه العواصف والأمطار. لكن اليوم، «ليس هناك من يصونها».
وقرية أم عامودا الكبيرة واحدة من قرى عدة معروفة ببيوت الطين في محافظة حلب والتي نالت نصيبها من النزاع الدامي في سورية بسيطرة تنظيم «داعش» عليها لفترة قبل أن تستعيدها القوات الحكومية.
وجراء موجات النزوح الضخمة، فقدت البيوت الطينية حتى معمارييها.
وقد أتى النزاع المستمر منذ العام 2011 على البنية التحتية، وأودى بحياة أكثر من نصف مليون شخص وأدى إلى نزوح وتشريد ملايين السكان في الداخل والخارج.
في قرية حقلة المجاورة، يتحسّر جمال العلي (66 عاماً) على منازل طينية نشأ فيها لكن باتت اليوم تخلو من أي متطلبات العيش، ولا تصلها إمدادات الكهرباء والمياه.
ويقول «نشأنا في بيوت الطين وعشنا فيها»، مضيفاً «هذه البيوت أفضل ألف مرة من منازل الحجر» التي انتقل للسكن في أحدها اليوم.
- صنعة مهددة
قبل سنوات، نزح عيسى خضر (58 عاماً)، الخبير في بناء تلك البيوت والمتحدّر من محافظة حلب، إلى لبنان بحثاً عن ملجأ بعيداً عن القصف والدمار.
ويقول «تعلمت الصنعة منذ أن كنت في الـ14 من العمر في قريتي حيث كان أهالي القرية يتجمعون لمساعدة كل من أراد أن يبني بيوتاً مع قبب».
ويضيف اللاجئ الذي بنى منزل أهله الطيني في سورية، «اليوم وبسبب الحرب (...)، انقرضت الصنعة لأن الأجيال الجديدة لم تتعلمها».
ويتابع «هذه البيوت باتت على وشك الاختفاء».
وفي منطقة البقاع في شرق لبنان التي يقطنها خضر ولجأ إليها عشرات آلاف اللاجئين السوريين، أطلقت منظمة «آركنسيال» غير الحكومية اللبنانية مبادرة تهدف إلى الحفاظ على هذا الطراز المعماري.
ويشرح المهندس فضل الله داغر، أحد المشرفين على المبادرة، «تُعدّ هذه الهندسة صديقة للبيئة، وتعتمد على قوالب قابلة لإعادة التدوير».
ويُعتقد، بحسب قوله، أن هذه العمارة تعود إلى «نحو ثمانية آلاف سنة وقد انتشرت (بشكل رئيسي) في شمال شرقي سورية ومنطقة الأناضول».
وضمن المشروع، درّب خضر لاجئين سوريين على بناء تلك المنازل علّهم يحتاجون، وفق المهندس، لتلك الصنعة ذات التكلفة البسيطة «في حال عودتهم إلى بلادهم المدمرة».