تحطّم طائرة بريغوجين: فرضية الانتقام مرجّحة... وبوتين يُشيد برجل «الأخطاء» و«النتائج»
لا تزال الظروف الدقيقة المحيطة بالوفاة المرجحة لزعيم مجموعة «فاغنر» يفغيني بريغوجين، غير واضحة...
وورغم قناعة راسخة بدأت تتولّد لدى العديد من المحللين، بان الرئيس الروسي انتقم من «طاهيه» السابق، إلا أن فلاديمير بوتين، ظهر أمس، بعد نحو 24 ساعة من الحادث، ليعرب عن «تعازيه» لأقارب ضحايا تحطم الطائرة، الأربعاء، واصفاً بريغوجين، بأنه رجل ارتكب «أخطاء» جسيمة، لكنه «رجل أعمال موهوب».
وأضاف بوتين في تصريحات تلفزيونية، انه عرف بريغوجين «منذ فترة طويلة جداً، منذ بداية التسعينيات، لقد ارتكب أخطاء، ولكنه حقق نتائج ملموسة لنفسه وللقضية المشتركة».
وأكد أن «من الضروري انتظار نتيجة التحقيق الرسمي»، في الحادث الذي قُتل فيه جميع الأشخاص العشرة الذين كانوا على متن الطائرة، قائلاً إن «الفحص سيستغرق بعض الوقت».
صاروخ دفاع جوي؟
وفتحت السلطات الروسية، تحقيقاً في شأن انتهاك قواعد الملاحة الجوية.
وحضر عناصر من لجنة التحقيق، التي تتولى البحث في الجرائم الخطرة، الى مكان التحطم بعد أقل من 24 ساعة على وقوع الحادث.
لم يعد لـ «فاغنر» أي حساب رسمي على منصات التواصل منذ 26 يونيو، وآخر ما نشرته كان تسجيلاً صوتياً لبريغوجين.
لكن حسابات قريبة منها تحدثت عن اسقاط الطائرة بصاروخ من نظام «أس - 300» للدفاع الجوي، من دون أدلة.
وسارعت الحسابات على منصات التواصل الى طرح هذه الفرضية، بعيد الإعلان عن تحطم الطائرة. وتحدث حساب باسم «غراي زون» عن «آثار (خطوط) بيضاء» لصواريخ الدفاع الجوي، وفق شريط مصوّر قيل إنه يظهر الطائرة أثناء سقوطها.
وأفادت «رويترز»، أمس، بأن واشنطن تعتقد أن صاروخ أرض - جو، أُطلق من داخل روسيا، أسقط طائرة بريغوجين.
ونقلت الوكالة عن مسؤولين أميركيَّين - طلبا عدم نشر اسميهما بسبب حساسية الأمر - أن هذه المعلومات «لا تزال أولية وقيد المراجعة».
وألمحت رئيسة تحرير شبكة «آر تي» التلفزيونية، التي تعدّ مقربة من الكرملين، الى فرضية قتل بريغوجين.
وكتبت «شخصياً، أميل الى (الفرضية) الأكثر ترجيحاً».
عبوة ناسفة
وأشارت مصادر محلية إلى أنه «يجري التحقق من فرضية وجود عبوة ناسفة على متن الطائرة، وسط محدودية دائرة الأشخاص الذين كان يمكنهم تثبيتها».
وكانت طائرة «إمبراير ليغاسي» خضعت للصيانة على مدى 10 أيام، سبقت رحلتها الأخيرة.
وعشية الحادث، استقل مساعد الطيار رستم كريموف، الطائرة للعودة بها إلى سان بطرسبورغ، مع مجموعة من الركاب، من بينهم بريغوجين وديمتري أوتكين، مؤسس «فاغنر».
ولم تستبعد المصادر «زرع المتفجرات على متن الطائرة في عنبر الصيانة»، لافتة أن هناك «فرضية زرع العبوة الناسفة ضمن حجرة إحدى عجلات الهبوط قائمة».
وقالت إن «المعلومات الأولية تشير إلى أن انفجاراً وقع في إحدى العجلات في الهواء، مما أسفر عن سقوط أحد أجنحة الطائرة».
وتابعت «نتيجة الانفجار وانخفاض الضغط غاب جميع من كانوا على متن الطائرة عن وعيهم بشكل فوري، مما منع الطاقم من الإبلاغ عن حالة الطوارئ».
وقال مراسل «العربية» و«الحدث» في موسكو، إن المتهم الأول هو طيار بريغوجين الشخصي، أرتيم ستفانوف، حيث إنه آخر من قام بفحص الطائرة، قبل القيام برحلتها إلى أفريقيا، ثم هرب بعدها إلى الجنوب.
وأوردت التقارير ذاتها أن ذيل الطائرة المحطمة وُجد على بعد خمسة كيلومترات من موقع سقوطها.
وأكد أن جثة يفترض انها لبريغوجين موجودة في مكتب الطب الشرعي، وسط حراسة أمنية مشددة.
قيادات «فاغنر»
وتحطمت الطائرة في منطقة تفير شمال موسكو خلال رحلة بين العاصمة ومدينة سان بطرسبورغ. وكان على متنها 10 أشخاص، بينهم ثلاثة من أفراد الطاقم، وفق قائمة نشرتها هيئة الطيران.
ونشر موقع «دوسييه» (ملف) التابع لرجل الأعمال المعارض ميخائيل خودوركوفسكي، المقيم في المنفى، نبذات مقتضبة عمن كانوا على متن الطائرة، وبعضهم من كبار قادة «فاغنر».
وكان أبرزهم الذراع اليمنى لبريغوجين، أوتكين، الرجل الحليق الرأس والمعروف بملامحه الصلبة، والذي يعتقد أنه عمل سابقاً في صفوف جهاز الاستخبارات العسكرية.
ووفق الموقع، كان أوتكين «المسؤول عن القيادة والتشكيل القتالي لفاغنر».
معه كان فاليري تشيكالوف، أحد مديري شركة «كونكورد» التي أسسها بريغوجين، وعمل معه منذ مطلع القرن الحالي. وهو أشرف على مشاريعه المدنية في العالم مثل «التنقيب الجيولوجي، انتاج النفط، أو الزراعة»، وفق «دوسييه».
وفي الموقع قرب قرية كوجينكينو، على بعد نحو 350 كلم شمال موسكو، سيّرت الشرطة دوريات في المكان بينما حمل بعض الرجال المقنّعين بنادق، وسط تناثر الحطام على أكثر من كيلومترين.
أسئلة
ويقدم محللون سلسلة من الأسباب التي تضع اغتيال بريغوجين بقرار من قمة الهرم في موسكو، على رأس الفرضيات المرجحة: غضب بوتين جراء التمرد المسلح في يونيو الماضي؛ تاريخ الرئيس الروسي في القضاء على معارضيه، وتشدد الكرملين حيال أي معارضة منذ غزو أوكرانيا في العام 2022.
وأثناء التمرّد في 23 و24 يونيو، ألقى بوتين خطاباً موجّهاً للروس، وصف فيه حليفه السابق بريغوجين بأنه «خائن».
وكتب خودوركوفسكي عبر منصة «إكس»، «لو كانت روسيا دولة طبيعية، لكان تمرده أدى الى محاكمته»، مضيفاً «بصرف النظر عن رأينا ببريغوجين، لا يعقل قتل شخص من دون محاكمة، خصوصاً وأنه لم يكن مختبئاً».
وتابع «لكن في عالم بوتين، عالم رجال العصابات، هذه هي الطريقة الوحيدة للقيام بالأمور. من يدري ما كان (بريغوجين) ليقول خلال المحاكمة...».
من جهته، ذكر الباحث في مركز «روسي» البريطاني سامويل راماني، أن «ألكسندر ليتفينينكو وآنا بوليتكوفسكايا انتقدا حرب الشيشان مطلع الألفية وتم اغتيالهما في 2006».
وأضاف «بوتين اعتاد على الثأر المتأخر. مقتل بريغوجين أتى مبكراً».
وطرح السفير الأميركي السابق في موسكو مايكل ماكفاول أسئلة إضافية عبر «إكس»، منها «لماذا اختار بوتين قتل بريغوجين بهذه الطريقة الدرامية؟ لماذا سمح لبريغوجين بلقاء قادة أفارقة خلال قمة سانت بطرسبورغ» في يوليو.
كما سأل عن سبب السماح لمؤيدي «فاغنر»، بـ «التحدث عن الانتقام عبر منصات التواصل الاجتماعي الآن».
وفي سان بطرسبورغ، التي يتحدّر منها كل من بوتين وبريغوجين، قدم بعض الأنصار إلى مكاتب «فاغنر» للتعبير عن حزنهم.
ووضعوا أكاليل الزهور وشعارات «فاغنر» - الجمجمة - على نصب تذكاري موقت خارج مقر المجموعة المسلحة.
هبوط دراماتيكي... دوي هائل وجناح ينفصل ونار تأكل كل شيء
أفاد موقع «فلايت رادار24»، بأن طائرة يفغيني بريغوجين، ظهرت على الرادار حتى الثواني العشر الأخيرة، وهبطت بشكل «دراماتيكي».
وقال إيان بيتشينيك، من الموقع، إنه عند الساعة 3:19 مساء بتوقيت غرينيتش حدث «هبوط عمودي مفاجئ» للطائرة من طراز «إمبراير ليغاسي600». وخلال نحو 30 ثانية هبطت أكثر من ثمانية آلاف قدم من مسارها الذي كانت عليه بارتفاع 28 ألف قدم.
وأضاف «أيا كان ما حدث، فقد حدث سريعاً».
وأضاف ان محاولات يائسة ربما بذلها الطاقم بعد ذلك، لكن قبل سقوطها الدرامي لم يكن هناك «أي مؤشر على وجود مشكلة ما».
وأظهر مقطع مصور، الطائرة وهي تنخفض بسرعة ومقدمتها باتجاه مستقيم تقريباً نحو الأرض وعمود دخان أو بخار، خلفها.
وذكرت شركة تصنيع الطائرات البرازيلية «إمبراير»، أنها لم تقدم أي خدمة أو دعم في السنوات الأخيرة للطائرة التي تتسع لنحو 13 شخصاً.
وقال سكان قرية روسية قرب موقع تحطم الطائرة، إنهم سمعوا دوي انفجار ثم شاهدوا طائرة تهوي نحو الأرض.
وشاهد مراسل من «رويترز» في موقع التحطم رجالاً وهم يحملون أكياس الجثث السوداء على محفات.
وظهر جزء من ذيل الطائرة باللونين الأبيض والأزرق وأجزاء أخرى من الحطام على الأرض قرب منطقة أشجار.
ونصب محققون جنائيون خيمة ومعدات إضاءة في الموقع. ويوجد جزء من الحطام قرب ما بدا أنه بناية مهجورة غير مكتملة البناء.
وقال أحد سكان القرية ويدعى فيتالي ستيبينوك (72 عاماً)، لـ «رويترز»، «سمعت انفجاراً أو فرقعة. عادة إذا حدث انفجار على الأرض تسمع صدى للصوت، لكن الأمر كان دوياً فحسب ونظرت للأعلى فرأيت دخاناً أبيض».
وأضاف «انفصل أحد الجناحين باتجاه مغاير بينما سقط جسم الطائرة هكذا» مشيراً بذراعيه لتوجه الطائرة مباشرة صوب الأرض.
وقال «ثم انزلقت على جناح واحد... لم تسقط بمقدمتها بل انزلقت».
وتابع «كنت هناك فقفزت على دراجتي ووصلت (للموقع) خلال نحو 20 دقيقة. كانت النيران تأكل كل شيء. وكان هناك أشخاص يتحركون حول الحطام. سحبوا شخصاً أو رفات شخص... لم أتبين الأمر جيداً. رأيت الرقم على الطائرة وأخبرتهم به».
وقال قروي آخر يدعى أناتولي «بالنسبة لاحتمالات ما حدث، أقول: ليست صاعقة برق بل انفجار معدني... سمعت أشياء كتلك من قبل... ثم سقطت هناك» وهو يشير صوب مزرعة.
بايدن لا يعرف «حقيقة ما حصل»
توالت ردود الفعل من القادة الغربيين حول مصير زعيم «فاغنر» يفغيني بريغوجين، إذ قال الرئيس الأميركي جو بايدن «لا أعرف حقيقة ما حصل... قلما تحصل أمور في روسيا من دون أن يكون بوتين وراءها».
ورأت فرنسا، أن ثمة «شكوكاً منطقية» حيال الحادثة، فيما اتفق ناطق باسم الحكومة مع تقييم بايدن.
وسخرت وزيرة الخارجية كاثرين كولونا من اختفاء بريغوجين، مشيرة إلى أن «معدل حالات الموت في أوساط المقرّبين من بوتين مرتفع بشكل لافت... إنه أمر محفوف بالمخاطر».
وفي أوكرانيا، احتفل البعض بمقتل بريغوجين المحتمل، الذي عرف مقاتلوه بممارساتهم الوحشية.
وأكد الرئيس فولوديمير زيلينسكي، أن «لا علاقة لنا إطلاقاً بهذا الوضع بكل تأكيد. أعتقد أن الجميع يعرف مَنْ المسؤول عن ذلك».
وقال الرئيس الليتواني غيتاناس نوسيدا «لا ينبغي لنا حقاً أن نعتقد أن وفاة بريغوجين ستجعلنا نشعر بالهدوء أو أنها تحسّن الوضع الأمني بطريقة أو بأخرى» في المنطقة.
ويتوقع رئيس الوزراء البولندي ماتيوش مورافيتسكي، أن تشكل «فاغنر» الآن تهديداً أكبر، إذ ستصبح تحت سيطرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وقالت زعيمة المعارضة البيلاروسية المقيمة في المنفى سفيتلانا تيخانوفسكايا، إن بلادها لن تفتقد بريغوجين، «إنه قاتل وهكذا سيتم تذكره».