عوامل ديموغرافية و«ضغائن» توسّع هوة الخلاف حول التعديلات القضائية في إسرائيل
في وقت وصلت فيه الأزمة في إسرائيل بسبب التعديلات القضائية ذروتها، كان متظاهرون مختلفون في التوجهات والمواقف في مواجهة بعضهم البعض في محطة لمترو الأنفاق بالقدس، تحملهم مدارج السلم الكهربائي فريقاً في نهاية الرحلة باتجاه الكنيست للاحتجاج، والفريق الآخر باتجاه تل أبيب للمشاركة في تظاهرة لدعم الحكومة.
كان الأفراد من الجانبين يحملون العلم الإسرائيلي ولافتات مؤيدة للديموقراطية، وتبادلوا الابتسامات المهذبة ومصافحات بملامسة الأكف.
لكن بالنسبة للكثير من الإسرائيليين، هناك حالة من الاستقطاب بين الطرفين أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، حيث يعتبرون أن التصديق على مشروع قانون يحد من صلاحيات المحكمة العليا، ما هو إلا عرض ظاهري وليس سبباً جذرياً لتلك الشروخ العميقة.
من يفضلون إقرار التعديلات القضائية، هم في الأغلب قوميون متدينون ممن ساعدوا من خلال الحشد بأعدادهم المتزايدة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على العودة للسلطة في ديسمبر الماضي.
بالنسبة لهم، تخدم تلك التعديلات قضايا حقيقية ملموسة مثل توسيع المستوطنات في الضفة الغربية وتأمين الإعفاءات من التجنيد لطلبة المعاهد الدينية اليهودية، إضافة إلى تقييد ما يعتبرونه تجاوزاً من القضاء لصلاحياته.
يضعهم هذه الموقف في مواجهة الإسرائيليين الذين يصورهم زعيم المعارضة يائير لابيد على أنهم الطبقة المتوسطة المنتجة، لكن تلك الطبقة شهدت تراجع أحزاب يسار الوسط، التي كانت مهيمنة من قبل، تدريجياً مع تراجع عدد أفراد أسرهم لما دون معدل مواليد المعسكر المحافظ.
وتعهد بعض المحتجين، ممن صدمتهم وتيرة التعديلات القضائية ونطاقها، بعدم دفع الضرائب والامتناع عن التطوع في خدمة الاحتياط بالجيش.
وكتبت سيما كادمون الكاتبة الصحافية في «يديعوت أحرونوت»، أوسع الصحف انتشاراً في إسرائيل، «لسنا إخوة. نحن في خضم حرب أهلية. مجروحون وننزف ونشعر بالحزن والقلق».
وأضافت «التوافق... تلك الكلمة العجيبة التي لايزال الناس يتحدثون عنها وكأنها كانت على الدوام كيانا حيا ومستداما تهاوت مثل بيت عنكبوت».
يتهم معارضون للخطوة نتنياهو بمحاولة تمزيق عقد اجتماعي قانوني بالغ الحساسية تتخذه إسرائيل بديلاً للدستور في دولة تصنف نفسها على أنها يهودية وديموقراطية في آن واحد.
أما الكثير من الإسرائيليين المؤيدين للحكومة، فيعتبرون التظاهرات والاحتجاجات التي تهز أنحاء إسرائيل منذ سبعة أشهر محاولة لتقويض فوز معسكرهم في الانتخابات.
وتقول آفيا كوهين، وهي طالبة حقوق شاركت في تظاهرة تل أبيب «أنا هنا اليوم لأوضح للناس أنني انتخبت... صوّت لمن أؤيدهم وأنا أؤيد الإصلاحات القضائية مئة في المئة».
واتهمت جنود الاحتياط المحتجين بمحاولة تنفيذ «انقلاب عسكري».
وفكرة تمسك المنهزمين في الانتخابات بفرض نفوذهم أحيت الضغائن الطبقية داخل حزب ليكود المحافظ بزعامة نتنياهو، وهو الحزب الذي صعد للمرة الأولى للسلطة في أواخر السبعينيات بدعم من اليهود المهمشين بسبب انحدارهم من أصول من دول في منطقة الشرق الأوسط.
وقال وزير الخارجية إيلي كوهين، المولود لمهاجرين من المغرب لصحيفة «معاريف» اليومية إنه كان يعتقد أن شخصاً بخلفية مماثلة سيستبعد من منصة قضاء المحكمة العليا «لأن الانتماء لزمرة معينة هو فحسب الذي يمكنك من التأهل لذلك».
لكن استطلاعات عديدة للرأي أظهرت أن معظم الإسرائيليين لديهم تحفظات على التعديلات القضائية المطروحة التي أضرت بالاقتصاد وأثارت القلق لدى دول غربية حليفة لإسرائيل.
وأشار النائب المعارض البارز بيني غانتس إلى أن يوم الأربعاء سيوافق ذكرى «خراب الهيكل» (تيشعاه بئاف) التي يتم إحياؤها بالصيام والحداد، ذلك الخراب الذي يُلقي حكماؤهم بالمسؤولية عنه على اقتتال طائفي داخلي غير مبرر.
وقال غانتس للبرلمان «إنه يوم حزين. عشية( تيشعاه بئاف)، نحن على شفا الهاوية»، لكنه تعهد بأن حزبه سيدعم الحكومة عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي مهما كانت نتيجة التصويت.