إيران ترحّب بالمشاركة في المساعي لحلّ الوضع السياسي فيه «إذا طُلب منها»
لبنان بعد بيان «مجموعة الخمس»: تَراجُع «الجزرة» وتَقَدُّم عصا العقوبات
- المصارف تحذّر من العودة للإقفال بحال تمادي عمليات الاقتحام من مواطنين لتحرير ودائعهم
- تحرك ميداني للتيار الحر أمام بعثة المفوضية الأوروبية: لن يبقى في لبنان لا لاجئ ولا نازح
بعدما كان السؤال متى يعود الموفد الفرنسي جان - إيف لودريان إلى بيروت؟ بات... «هل يعود» قريباً أو لن يعود أبداً إلا تتويجاً لتفاهُم مبرَم على إنجاز الاستحقاق الرئاسي؟
والفارق الشاسع بين هذين السؤاليْن يتأتى من الخلاصات التي انتهى إليها اجتماع «مجموعة الخمس» حول لبنان (تضم ممثلين للولايات المتحدة وفرنسا والسعودية ومصر وقطر) في الدوحة أول من أمس والتي باغتت باريس وغالبية أطراف الداخل اللبناني ببيانٍ عالي السقف بدا بمثابة «خلْط للأوراق» و«تدوير» للمبادرة التي كانت تقودها فرنسا في ما خص الأزمة الرئاسية:
* بنسختها الأولى (مع باتريك دوريل) التي قامتْ على مقايضةٍ بين وصول سليمان فرنجية (المدعوم من فريقِ الممانعة بقيادة «حزب الله») إلى قصر بعبدا ودخول نواف سلام (قريب مما كان يُعرف بـ «14 مارس») إلى السرايا الحكومية.
* ثم نسختها الثانية بعدما «تحوّرت» مع لودريان إلى محاولةِ إرساء حوارٍ تعتقد باريس أنه قد يكون «تعويضياً» لـ «حزب الله» عن سقوط حظوظ فرنجية واشتمّ منه البعض طاولةً «مفخّخة» تضمر في أصلها أو في مآلاتها المحتملة إعادة نظر في دستور الطائف بالمباشر أو بتكريس أعراف كاسرة لتوازناته.
ومَن دقّق في البيان المشترك (من 290 كلمة) الذي صدر عن المجتمعين في العاصمة القطرية، يجد ما يكفي من عناصر تشير إلى أن لا ضوءَ أخضر من شركاء فرنسا في مجموعة الخمس لحوارٍ لم يأتِ ذكره في النص الذي غابت عنه أيضاً أي إشارة لمبادرة باريس أو لمهمة لودريان، بل على العكس أعْلى البيان أولوية «الحاجة الملحة للقيادة اللبنانية للتعجيل بإجراء الانتخابات الرئاسية وتنفيذ إصلاحات اقتصادية ضرورية» وأن «يلتزم أعضاء البرلمان اللبناني بمسؤوليتهم الدستورية ويشرعوا في انتخاب رئيس للبلاد»، مع تلويح غير مسبوق «بخيارات محددة ناقشناها في ما يتعلق باتخاذ إجراءات ضد أولئك الذين يعرقلون إحراز تقدم في هذا المجال».
وفيما عاكَسَ هذا النص مَن تصوّروا أن المجتمعين كانوا سيبحثون في «أسماء محددة» للرئاسة ليتفاجأوا برفْع «عصا العقوبات» على معطّلي الانتخابات الرئاسية، بالتوازي مع تأكيدٍ ضمني أن الممر الرئيسي للحلّ يبقى المؤسسات الدستورية (البرلمان) وأن على اللبنانيين وقادتهم أن يساعدوا أنفسهم ليساعدهم الآخَرون، لم يخلُ البيان من جانب «مشفّرٍ» في عبارة انطوت على غمز من مواصفات رئيسٍ بعيد عن «الفساد المالي والسياسي» وفق المنظور الذي لطالما شكّل مرتكزاً لمقاربة الرياض التي تَعتبر أن الأزمة في لبنان، الرئاسية والمالية، منبعها سياسي وليس تقنياً فقط، ويرتبط بواقع تراجُع قوة الدولة واقتياد لبنان إلى مشاريع اقليمية على حساب شعبه وازدهاره.
وحدّد البيان في هذا الإطار وجوب أن يكون الرئيس «يجسد النزاهة ويوحّد الأمة ويضع مصالح البلاد في المقام الأول، ويعطي الأولوية لرفاه مواطنيه ويشكل ائتلافاً واسعاً وشاملاً لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الأساسية، لا سيما التي يوصي بها صندوق النقد الدولي»، مع إشارة إلى «انّ بلداننا على استعداد للعمل مع لبنان لدعم تنفيذ هذه الإجراءات التي لا مفر منها لتحقيق ازدهار البلاد واستقرارها وأمنها في المستقبل».
واستنتجت أوساط سياسية أن البيان صيغ بنفْس روحية ما كان صدر عن الاجتماع الأميركي - السعودي - الفرنسي في نيويورك في سبتمبر 2022 ولا سيما في تأكيد «أهمية تنفيذ الحكومة اللبنانية لقرارات مجلس الأمن الدولي والاتفاقات والقرارات الدولية الأخرى ذات الصلة، بما في ذلك تلك الصادرة عن جامعة الدول العربية، بالإضافة إلى الالتزام بوثيقة الوفاق الوطني التي تضمن الحفاظ على الوحدة الوطنية والعدالة المدنية في لبنان».
وإذ استوقف الأوساط عبارة «العدالة المدنية» التي اعتُبر اتفاق الطائف ضامناً لها، لم يقلّ دلالة بالنسبة إليها ما نشرته وكالة الأنباء السعودية أمس عن اجتماع «المجموعة الخماسية» التي تمثلت المملكة فيه بـ «معالي المستشار في الأمانة العامة لمجلس الوزراء الأستاذ نزار بن سليمان العلولا».
واستحضر بيان الخارجية السعودية فقرات من البيان المشترك للقاء الخماسي وتحديداً ما تمّت ناقشته من «خيارات محددة في ما يتعلق باتخاذ إجراءات» ضدّ معرقلي التعجيل بإتمام الانتخابات الرئاسية و«تأكيد أهمية تنفيذ العديد من الإصلاحات الاقتصادية تجاه لبنان وشعبه الشقيق»، وتشديد المجموعة على «الالتزام بسيادة لبنان واستقلاله، والحاجة الماسة إلى الإصلاح القضائي وتطبيق سيادة القانون، لا سيما في ما يتعلق بالتحقيق في انفجار مرفأ بيروت عام 2020، مع حضّ القادة في لبنان، وكافة الأطراف اللبنانية على اتخاذ إجراءات فورية للتغلب على المأزق السياسي الحالي»، وأيضاً «أهمية تنفيذ الحكومة اللبنانية لقرارات مجلس الأمن الدولي والاتفاقيات والقرارات الدولية الأخرى ذات الصلة، بما في ذلك الصادرة عن جامعة الدول العربية، بالإضافة إلى الالتزام بوثيقة الوفاق الوطني (اتفاق الطائف)».
وفي حين توقفت الأوساط نفسها عند أن اجتماع الدوحة وهو الثاني لمجموعة الخمس خلص إلى بيانٍ مشترك على عكس الاجتماع الأول في باريس في فبراير الماضي، اعتبرت أن ما صدر ليس بالضرورة أن يعكس تناغُماً كاملاً حيال المرحلة المقبلة وكيفية مقاربة الأزمة الرئاسية في ضوء الانسداد الذي عبّرت عنه جلسة الانتخاب في 14 يونيو الماضي، بل هو يؤشر أكثر إلى مسارٍ من فرْملة الاندفاعة الفرنسية التي ذهبت بعيداً في مبادرتها وذلك بعد ما يشبه «الحياد» الذي التزمته الدول الأخرى في المجموعة في عزّ محاولة باريس إحداث خرق وذلك على قاعدة «جربوا حظكم ولن نكون عائقاً» وهو ما تمت مواكبته بتأكيد الرياض لاءاتها: لا فيتو على أي مرشح، ولا دعم لاسم محدد، ولا ضغط على أي فريق لبناني لتغيير موقفه من انتخاب فرنجية.
ومن هنا، برز التساؤل حول جدوى عودة لودريان لبيروت هذا الشهر ما دام باب الحوار أُقفل من الداخل برفْض قوى وازنة في المعارضة له وبتأكيد مجموعة الخمس ما يشبه أولوية ترْك اللعبة البرلمانية تأخذ مجراها لإتمام الاستحقاق «تحت سيف العقوبات»، وسط توقّعاتٍ بأن تكون لخلاصات اجتماع الدوحة تداعيات تجعل «حزب الله» وحلفاءه يتشددون أكثر في تمسكهم بفرنجية كـ «خيار أول وأخير».
ولم يكن ممكناً في الإطار نفسه معرفة إذا كان لودريان سيحاول في سياق مبادرته أن يطرق أبواب طهران بتكليفٍ فرنسي، وذلك بعدما كانت طهران أعلنت (قبل أن يصدر البيان عن اللقاء الخماسي) بلسان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني رداً على سؤال وكالة «تسنيم» حول «الاجتماع الخماسي المتعلق بالوضع السياسي في لبنان وتصريحات وسائل الإعلام حول دعوة إيران»: «نعتبر قضية لبنان قضية لبنانية، ويجب أن يتفق شعب لبنان على مصير هذا البلد. ونعتبر أنّ التدخلات في الحوار الداخلي لهذا البلد غير بنّاءة وتعوق دور الشعب اللبناني في تقرير مصيره. لكن الدول يمكن أن تساعد، بطبيعة الحال، ونحن نرحّب بالاتجاهات البنّاءة. إذا طُلب من إيران المشاركة، فسنرحّب بذلك».
اعتراض على الأرض ضد النازحين
في موازاة ذلك، انشغلت بيروت بملفين:
- الأول ارتفاع سخونة ملف النازحين السوريين في ضوء اتساع رقعة الاعتراض السياسي على ما صدر عن البرلمان الأوروبي حول هذا العنوان الأسبوع الماضي واعتُبر دعوة لبقاء النازحين في لبنان.
وبعد مؤتمر صحافي لعدد من نواب «التيارالوطني الحر» في مقر البرلمان أكدوا فيه «أن القرار في شأن النازحين لا يعود إلا الى اللبنانيين وحدهم»، مهاجمين التوصيات الدولية والأوروبية المتجاوزة سيادةَ لبنان، ومؤكدين «لن يبقى في لبنان لا لاجئ ولا نازح»، نفّذ التيار مساء أمس وقفة احتجاجية أمام بعثة المفوضية الأوروبية «تأكيداً لحق لبنان في سيادته على أرضه ومنْع المساس بكيانه».
اقتحامات المصارف... تابِع
- والثاني استمرار مسلسل الاقتحامات اليومية لبنوك من مواطنين يعمدون إلى «تحرير ودائعهم» بالقوة، حيث سُجل أمس دخول عنوةً إلى مصرفين في شحيم الشوف (حمل المودع قنبلة هدد بتفجيرها) وبنت جبيل (الجنوب)، وسط تحذير جمعية المصارف من «اعتداءات كأنها ممنهَجة لتدفع بالمصارف إلى الإقفال»، معتبرة «أن تساهل الدولة ومؤسساتها بالتعامل مع المعتدين رغم تهديدهم حياة الموظفين يشجع المعتدين على الاستمرار بفعلتهم، وكأن المطلوب هو إقفال المصارف لفترة غير محددة».
وإذ أكدت الجمعية أنه «ما هكذا تعالَج الأزمات النظامية التي كانت الدولة من أول مسبّبيها، وما هكذا يستعيد المودعون أموالاً بددتْها السياسات الخاطئة على مدى السنين»، حذرت من أنها «مع ما تتعرض له من اعتداءات لا تستطيع الاستمرار بمتابعة أعمالها وكأن شيئاً لم يكن. وبالتالي، ستضطر المصارف إلى العودة إلى التدابير التنظيمية السابقة، في حال لم تتوقف الاعتداءات عليها، وذلك تجنباً لحصول ما لا تُحمَدُ عقباه».
وفي هذا الوقت كان التحقيق اللبناني يُستكمل مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي يستعدّ مبدئياً لمغادرة منصبه نهاية الشهر الجاري، والمدعى عليه (مع شقيقه رجا ومساعدته ماريان الحويك) بجرم إثراء غير مشروع وتبييض أموال وتهرّب ضريبي.
وقد استمع قاضي التحقيق الأول في بيروت بالإنابة شربل أبوسمرا لسلامة أمس، للمرة الثانية في نحو أسبوع وقرّر تركه مجدداً رهن التحقيق من دون أن يحدد له موعداً لجلسة جديدة.