«الراي» استكشفتْ حجم حضوره وسألت.. عما له وما عليه

الذكاء الاصطناعي.. هل يرتطم بـ «التذاكي» في لبنان؟

تصغير
تكبير

- السياسيون عاشقو الإطلالات الإعلامية قد يجدون في الذكاء الاصطناعي كاتباً ماهراً لخطبهم
- القطاع الخاص «اندمج» مع الذكاء الاصطناعي.. أما القطاع العام فاستعصى عليه حتى التحوّل الرقمي
- للذكاء الاصطناعي حضوره في المدارس والجامعات والشركات الكبرى في لبنان
- الإدارة اللبنانية المتهالكة ما زالت تعتمد المعاملات الورَقية ما يعوق لبْننة الذكاء الاصطناعي
- الحديث إعلامياً عن الذكاء الاصطناعي في لبنان يفوق كثيراً.. استخدامه

... مالئ الدنيا وشاغِل الناس والأبحاث. إنه الذكاء الإصطناعي الذي يتمدّد ليبسط سيطرتَه على كل نواحي الحياة وينافس الأدمغة البشرية الحاضِرة والمُهاجِرة.

مخاوف إنسانية كثيرة يثيرها الذكاء الإصطناعي، وعلامات إستفهام كبرى ترتسم حول مستقبله وتبقى أجوبتها مُبْهَمَة. لكن بمعزل «عما له وما عليه» لم يعد ممكناً القفز فوقَ الـ AI كما يُجْمِع كل الخبراء بعدما بات إستخدامه ضرورة عالمية ووطنية.

أين لبنان من هذه التقنية الجديدة وهل هو قادر وسط أزماته على مواكبتها كما يجب؟

الذكاء الاصطناعي ليس جديداً. البعض يردّه إلى أواسط الخمسينات من القرن الماضي حين بدأت الأبحاث حوله في معهد دارتموث في الولايات المتحدة وحتى إلى فترة الحرب العالمية الثانية التي شهدت فورة تكنولوجية أوجدتْها الضرورات، فيما آخَرون يقولون إنه خرج إلى الحياة في بداية الثمانينات بدعمٍ من الحكومة اليابانية حينها وأعمال علماء أميركيين بعد فترة ركودٍ وإنعدامٍ للتمويل إمتدّت طوال السبعينات.

ظل الذكاء الإصطناعي في مرحلةِ تطويرٍ وتحسينٍ إلى أن شهد باكورةَ تجلياته العملية على صعيدٍ شاملٍ مع ظهور Chat GPT الذي وصل إلى الجمهور الواسع في نوفمبر 2022 وسجّل مليون مستخدم في الأسبوعين الأوليْن من إطلاقه ليصل عدد مستخدميه إلى مئة مليون بعد شهرين فقط ما جعله التطبيق الأسرع نمواً في عالم التكنولوجيا وفاقَ كل التطبيقات الأخرى.

«هذه الأرقام إن دلت على شيء فعلى أهمية تطبيق Chat GPT الذي أطلقته شركة Open AI والذي ساعد الناس في حياتهم وأعمالهم ودراستهم» وفق ما يقول لـ «الراي» الخبير في التكنولوجيا والتحول الرقمي، بول سمعان.

ويضيف سمعان: «التطبيق قادر على المساعدة في كل المجالات وليس محصوراً بأمور محددة ويمكنه التعامل مع عدد كبير من اللغات حتى العامية منها. يستطيع كتابة تقرير حول موضوع معيّن أو إجراء تلخيص أو وضع سيناريو لفيلم والإجابة عن أي سؤال مطروح، كذلك يمكنه إعادة كتابة أي نص أو كتابة رسالة إلكترونية لهدف معيّن ويمكنه إسداء النصح حول مشكلة محدّدة وإقتراح حلول لها. يمكن للتطبيق المساعدة في كتابة وتصميم إعلانات أو خطط تسويقية وغيرها الكثير من المهام ولا سيما تلك المتعلقة بكتابة الكودات للتطبيقات والمواقع أو بتصحيح ما هو موجود منها وإيجاد الثغر فيها... أما الفارق بينه وبين محركات البحث التقليدية مثل غوغل أو غيرها فهي انه يعطي الزبدة أو الخلاصة بدل أن يعمد الشخص المتصفح إلى البحث في النتائج العديدة التي تظهر أمامه في محركات البحث».

Chat GPT ليس التطبيق الوحيد للذكاء الإصطناعي بل أن الدول والشركات تتبارى اليوم في إطلاق تطبيقاتها الخاصة ففي الصين مثلاً نجد ernie وفي روسيا Giga Gpt، وغوغل قد أطلقت نظامها الخاص تحت اسم BARD AI الذي يتوقع أن يشكل منافساً قوياً لتطبيق Chat GPT.

بات معلوماً الخوف الذي يثيره إنتشار وتطور الذكاء الإصطناعي وهو خوف مبرر حتى الآن ما لم تسارع الشركات وحتى الحكومات إلى إيجاد قوانين تضع أطراً لإستخدام هذا الذكاء في شكل يمنعه من إحتلال وظائف البشر أو القيام بمهامهم والتحول إلى أداة يمكن إستخدامها للشرّ بدل الخير والمنفعة العامة.

حين سألناه عن مدى صدقية الذكاء الاصطناعي وإن كان قادراً على الإجابة عن كل أسئلتنا، أجاب سمعان «ان الذكاء الإصطناعي يعتبر مُنْحازاً أي أنه يعطي النتائج بناءً على الداتا التي تلقّاها من الشركة التي أطلقتْه، ومعلوماته تعود إلى العام 2022. كذلك ثمة بلدان لديها نظرة معيّنة إلى الديانات والأخلاقيات والقضايا الجنسية بحيث لا يمكن للذكاء الإصطناعي الإجابة إلا وفق المعطيات التي زُوّد بها. لكن حالياً يتم العمل على تطويره ليصبح أقل إنحيازاً وأكثر موضوعية».

لكن ما يؤكد عليه الخبير أن «إجابة الذكاء الإصطناعي مرتبطة بالقدرة على طرح السؤال في شكل مفصّل ودقيق وليس بالعموميات. ومن هنا نشأ ما يعرف بـ Prompt Engineering او البرومبت وهي طريقة التعاطي مع التطبيق وتزويده بمعلوماتٍ أكثر للحصول على الأجوبة المطلوبة. فكلما زدنا الشرح في السؤال كانت الإجابة شخصية ومفصّلة على قدر إحتياجاتنا. كما تفيد تقنية البرومبت في معرفة كيفية تزويد النظام بالمعلومات للحفاظ على أمنها وخصوصاً إذا كانت معلومات دقيقة أو سرية».

ويقول سمعان: «لا شك أن الذكاء الاصطناعي سيلغي وظائف. ولكن مع كل إختراع تقني جديد وظائف تزول وأخرى تولد. ومن المؤكد أنه بات من الضروري التعامل مع الذكاء الإصطناعي من الأفراد والشركات والحكومات وتعريف الناس إلى كيفية إستخدام هذه التقنية الجديدة. فالشركات يمكن أن تستغني عن 80 في المئة من موظفيها إذا أبقت على 20 في المئة لديهم دراية ومعرفة حقيقية بطرق إستخدام الذكاء الإصطناعي ومؤهّلون للإستمرار ومواكبة التطور».

أين لبنان الذكي من الذكاء الإصطناعي؟

تلقّف لبنان كعادته على الصعيد الخاص الذكاء الإصطناعي، وكان لخبراء التحول الرقمي اللبنانيين موقع رائد في تعريف الناس به في لبنان والعالم العربي. وبات له حضوره في المدارس والجامعات والشركات الكبرى ولا سيما التي تعنى بالتكنولوجيا الحديثة.

لكن لبنان الرسمي المتخبّط بنكده ما زال بعيداً عن الاستخدامات الفاعلة للذكاء الاصطناعي الذي يمكن لو طُبق أن يكون الطريق نحو إدارة أفضل وأكثر فاعلية.

«للأسف نحن في لبنان نعاني بنى تحتية متهالكة»، يقول سمعان، و«إداراتنا ما زالت في غالبيتها تعتمد على المعاملات الورقية. الحكومة اللبنانية أقرت سابقاً إستراتيجية التحول الرقمي التي عملتْ عليها وزارة التنمية الإدارية بالتعاون مع وكالة التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة (UNDP) وكانت خطة طموح تحمل رؤية مستقبلية وقادرة على نقل لبنان إلى عصر جديد ومواكبة الذكاء الإصطناعي. لكن للأسف إرتطمت الخطة بعوائق متعددة، أوّلها التمويل وثانيها عدم وجود الحوافز لدى الموظفين لمتابعة التدريب المطلوب لمواكبة التحول الرقمي».

وأضاف: «ذكرت الخطة كيفية الإستفادة من الذكاء الإصطناعي وإدخاله ضمن إستراتيجية التطوير لكن ثمة تحديات كثيرة مالية وإدارية وسياسية عرقلت السير في الخطة رغم أن بعض الوزارات قد بدأت بتطبيقها من خلال هبات من جهات مانحة وليس على صعيد رسمي عام. فمشاريع التحول الرقمي تحتاج إلى توافق بين كل الوزارات، لكن النكد السياسي والفساد وسوء الإدارة عوامل تبطئ عملية التحول الرقمي على الصعيد الرسمي، فيما يشهد القطاع الخاص تنافساً قوياً في إستخدام التقنيات الجديدة والإعتماد أكثر فأكثر على الذكاء الاصطناعي».

في وسائل الإعلام اللبنانية تكثر الندوات والحديث عن الذكاء الإصطناعي وما يثيره من تساؤلات، لكن يبدو حتى الآن أن الحديث عنه يفوق إستخدامه. وما يُخشى منه في لبنان، البلد الذي يعيش أزمة طبابة وتعليم إضافة إلى أزماته المالية والأمنية، أن يتم اللجوء إلى الذكاء الإصطناعي كبديل عن الاستشارات الإنسانية التي يمكن أن تكون عالية الكلفة ولم يعد اللبنانيون قادرين على تحمل كلفتها.

ففي ظل ارتفاع تعرفة الإستشارات والمعاينات الطبية وتَعذُّر الدخول إلى المستشفيات في بعض الأحيان، بات يمكن للمواطن اللبناني الذي يعاني مشكلةً صحيةً ما أن يسأل Chat GPT إيجاد حل لها مثلاً أو إقتراح دواء.

لكن سمعان لا يرى في الأمر مخاطر «إذ ان نصائح الذكاء الإصطناعي تبقى أفضل بكثير وأكثر صدقية من فيض النصائح التي تظهر على تيكتوك مثلاً ويتبعها الناس عشوائياً. فتطبيق Chat GPT يمكن أن يقدّم نصائح طبية أو يقترح أسماء دواء وفق المعلومات التي يُدْخِلُها إليه الشخص في السؤال، لكنه في الختام يرفع عنه المسؤولية ويطلق تحذيراً بوجوب إستشارة طبيب. وفي القضايا الحساسة كالمسائل الصحية والطبية لا بد للسائل أن يُجْري أبحاثه الخاصة للتأكد من الإجابة وصدقيتها. ومن طرائف التطبيق أنه يتفاعل مع السائل في شكل شبه إنساني فلا يجيب بطريقة أوتوماتيكية بل يعبّر عن أسفه مثلاً ويقدّم الإجابة في ما بعد ما يجعل السائل يَطْمئن إليه».

وفي ظل الأزمة الاقتصادية اللبنانية وجد الشباب اللبناني، من الباحثين عن فرص للإستثمار أو تطوير أعمالهم أو إطلاق شركاتهم الخاصة وابتكار تطبيقات جديدة، في Chat GPT الخبير الأوفر والأسلم ليرسم لهم خريطة طريقة ويقدم لهم نصائح مفيدة يمكن أن تعينهم في الزمن الصعب الذي يمرون به.

فليس من الصعب أن يجد التطبيق حلولاً عملية مثلاً إن تم شرح وضع البلد المالي والاقتصادي له وتزويده بالمعطيات الكافية وطلب نصائحه المحدّدة فيكون بذلك بديلاً عن الخبراء المدفوعين قادراً على تقديم أجوبة شاملة. لكن يبدو أن سلبياته على صعيد إستبدال العنصر البشري والموظفين به لم تظهر بعد.

على صعيد الجامعات والمدارس بدأت الخشية في لبنان كما في سائر الدول من إمكانات الغش التي يتيحها التطبيق أمام الطلاب في الإمتحانات والفروض. وقد سارعت بعض الجامعات إلى منْع إستعماله من قبل الطلاب.

لكن ما يراه الخبراء أن التعلم هو الأساس بالنسبة للطالب الذي يبدأ من الصفر ليكتسب معارف ومهارات يمكن للذكاء الإصطناعي أن يطوّرها. فتطبيق CHAT GPT يستطيع أن يقدم أفكاراً لكن يبقى على الطالب التمعن بها ومناقشتها وتطويرها على طريقته الخاصة.

وفي بلد كلبنان يمكن أن يشكل مساعداً حقيقياً بالنسبة للطلاب غير القادرين مثلاً على متابعة دروسهم في شكل يومي بسبب العمل أو عدم القدرة على الوصول إلى الجامعة بفعل غلاء المواصلات فهو يلخص المحاضرات مثلاً ويقدّم زبدتها ليستفيد منها الطالب.

حتى رجال السياسة الذين يعشقون الظهور الإعلامي والتأثير على الناس يمكنهم أن يستعملوا التطبيق ليكتب لهم خطابات تؤثّر في الجمهور وتصيب النقاط التي يودّ السياسي التحدث عنها وإيصالها إلى مؤيديه.

لكن السؤال الذي يَطرح نفسه: هل يمكن استخدام CHAT GPT لأغراض أمنية خطرة أو للغشّ والخداع؟

لا شك يمكن التحايل على التطبيق للإستفادة منه مثلاً في طرق التحايل على المصرف أو لإبتكار طريقة لأذية شركةٍ ما أو حتى إعداد قنبلة أو سلاح.

فالتطبيق يمتنع عن الإجابة إذا صادف أي كلمة مصنَّفة «خارج القانون»، لكن إذا إستطاع السائل التحايل عليه وإستخدام طريقة ماكرة في طرح السؤال من دون إستخدام كلمات خطرة فإنه قد يحصل على الإجابة التي يَطمح إليها وتكون طريقه إلى القيام بعمل سيء. لكن لحسن الحظ (أو لسوئه) فإن الذكاء الاصطناعي يطوّر نفسه باستمرار ويُنْزِل تحديثات جديدة تجعل من الصعب غشه ودفْعه للإجابة عن أسئلة قد تحمل مخاطر.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي