زرت الجمهورية الفرنسية مرة واحدة في عام 1980م ضمن وفد ثقافي لاقامة معرض فن تشكيلي، وكان الوفد برئاسة الوزير الراحل عبدالعزيز حسين، وهو أحد رموز التعليم والثقافة في الكويت، وضم الوفد بعض الفنانين التشكيليين ومنهم الفنانان محمود الرضوان وعبدالله القصار وقد سافرنا على متن طائرة خاصة.
وقد زرنا ضمن البرنامج متحف اللوفر وبرج ايفل وبعض معالم السياحة والثقافة في باريس، وكانت رحلة ممتعة كون باريس احدى أجمل العواصم الثقافية، وقد التقينا ببعض الجاليات العربية المقيمة في فرنسا وقد تحدثت معهم وكانوا يعبرون عن بعض الصعوبات التي تواجههم منها العنصرية وعدم المساواة، إلا ان الكارثة ان الحكومات الفرنسية المتعاقبة على مدى اكثر من أربعة عقود من الزمن، وكأنها تقلد بعض الحكومات العربية.
بدأت الثورة الفرنسية من عام 1789م إلى عام 1799م، وحدثت مآس كثيرة خلالها وبعدها، ولقد تأثرت قارة أوروبا بالثورة واستوحت منها الكثير من القيم أهمها الحرية والمساواة والاخاء، إلا ان مسألة وجود القيم شيء وتطبيقها على المدى الطويل شيء آخر.
ان الاقصاء وعدم تطبيق العدالة الاجتماعية ولا قيم الثورة الفرنسية دفعت بأجيال من أصول مهاجرة منذ اكثر من نصف قرن إلى الغضب لعدم احتواء المجتمع الفرنسي لهم، رغم ان اللغة الفرنسية هي لغتهم الأولى والثقافة الفرنسية هي ثقافتهم الأولى، ورغم ان اجدادهم حاربوا ضمن الجيش الفرنسي في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وفي بعض المستعمرات الفرنسية في أكثر من قارة في العالم، فشهدت فرنسا على فترات متفاوتة امتعاضاً تطور إلى غضب من الشعارات البراقة.
وبات التيار المحافظ المتشدد الذي كان وما زال يجاهر بمعاداته للمهاجرين بصورة بشعة مرفوضة، فزاد الطين بلة، ما دفع بالكثير منهم إلى التعبير عن غضبهم، وأذكر منها ما حدث في عام 2005م حيث تم اعلان حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر بقرار من البرلمان الفرنسي، وخلال تسعة عشر يوماً تم حرق أكثر من ثمانية آلاف سيارة، وتم إيقاف اكثر من 2700 شخص، وفي عام 2017م كان هناك حادثتان منفصلتان عن الاضطرابات في فرنسا على مزاعم إساءة استخدام السلطة من قِبل الشرطة.
وهناك سلسلة من المواقف شبه اليومية التي تحدث لمن يعيش في فرنسا، وهذا ما أكده الافارقة العرب وغير العرب الذين يعيشون فيها، فكانت ردة الفعل للاقصاء المتعمد والتهميش، فكانت الاضطرابات في الشوارع الفرنسية في اكثر من مدينة وهو أمر يتكرر بشكل مستمر بين فترة وأخرى.
ولا تعاني فرنسا من ظاهرة العنصرية فقط، بل كانت هناك ملفات مست شرائح كثيرة من الفرنسيين مثل ملف تغيير السن القانونية للتقاعد فكانت ردة الفعل سلسلة من أعمال الشغب، إلا ان الشرطة الفرنسية لم تتعامل مع المتظاهرين بالعنف نفسه، الذي تعاملت فيه مع من رفض عملية قتل الشاب الجزائري نائل المرزوقي، من مسافة «الصفر» دون مبرر أمني.
ان الوسط السياسي الفرنسي لا يخلو من التعصب والعنصرية، وما وجود مارلين لوبان رئيس حزب اليمين المتطرف وتصريحاتها إلا دليل على ذلك رغم انها تحمل الماجستير في القانون!
وهناك شخصيات سياسية تمارس سلوك تلك العنصرية بنسب متفاوتة، إضافة إلى وسائل الاعلام المختلفة وما زلت أتذكر ان صحافياً كتب مقالة بعد ان فازت فرنسا بكأس العالم في عام 1998م، حين قال انني لا اشعر بأن المنتخب الفائز هو فريق فرنسي باشارة واضحة إلى ان بعض اللاعبين من أصول مهاجرة بقيادة النجم زين الدين زيدان، الذي حقق الكأس لفرنسا للمرة الأولى في تاريخها في ذلك الوقت، وحتى الفريق الفرنسي الذي فاز بكأس العالم عام 2018م كان يضم العديد من اللاعبين الذين تعود اصولهم إلى مهاجرين معظمهم من افريقيا، وقبل أيام تم استدعاء واستجواب مدرب نادي باريس سان جيرمان «غالتييه» بتهمة العنصرية والإساءة للدين الاسلامي، ولم يصدر الحكم القضائي بعد، وتم استبداله بتعيين مدرب جديد للنادي هو الاسباني لويس انريكي.
ان التفاوت الطبقي الكبير بين فئات المجتمع يعمل على تقويض ركائز المجتمع ليواجه مختلف الصعوبات، ولا اعرف لماذا يتناسى الساسة الفرنسيون سبب الثورة وهو احتكار طبقة النبلاء الاقطاعيين وطبقة الكنيسة مقابل تهميش عامة الشعب، فكان الفشل الذريع في معالجة العجز المالي، كما ان انتشار الجوع بين معظم الناس كان سبباً كافياً لردة فعل كبيرة تمثلت بالثورة الفرنسية.
ولانني لا أحب التعميم في كل شيء، فلا يمكن وصف المجتمع الفرنسي بأنه مجتمع عنصري ولكن لا يمكن وصف تصرفات البعض إلا بأنها نوع من العنصرية المريضة، ولقد كان هناك الكثير من العناصر البشرية الراقية في المجتمع الفرنسي تتمثل بأن تقوم امرأة فرنسية بيضاء بالزواج من مهاجر افريقي، وان تقوم بعض الشركات بتوظيف المهاجرين والكثير منهم لديه أصدقاء من أصول مهاجرة، بل ان بعض الحكومات الفرنسية ضمت بعض الوزراء من الجنسين الذين ينحدرون من أصول افريقية، وهناك بعض الأحزاب الفرنسية ترفض أي نوع من العنصرية مثل الحزب الشيوعي الفرنسي الذي تم تأسيسه في عام 1920م، وهو يدعو إلى الشيوعية والاشتراكية الديموقراطية، كما انها ضد العولمة، وهناك الكثير من المستقلين الذين يدعمون الاثنيات انطلاقاً من النظرة الإنسانية.