أحمد المليفي يكتب عن «خطاب العهد الجديد... وبرنامج عمل الحكومة»
فيما أكد أن وجود ملاحظات على برنامج عمل الحكومة، لا يعني خلوه من الإيجابيات، رصد الدكتور أحمد عبدالمحسن المليفي 12 ملاحظة في برنامج عمل الحكومة السابق الذي حمل عنوان (وطن آمن ورفاهية مستدامة).
وأعد المليفي دراسة في هذا الإطار تحت عنوان «خطاب العهد الجديد... وبرنامج عمل الحكومة» سلّط فيها الضوء على ما اعتبره بعض القصور في نقاط مهمة في البرنامج قد تؤدي الى عدم تحقيقه ما تتطلبه المرحلة من استحقاقات وتلبية الطموحات، معرباً عن أمله في تداركها في برنامج عمل الحكومة المقبل.
وشدد على أن «وجود ملاحظات على البرنامج لا يعني بأي حال من الأحوال خلو البرنامج من الإيجابيات، فهي ملاحظات تمثل وجهة نظر تقبل الخطأ قبل الصواب».
وقال المليفي في مقدمة دراسته: تنص المادة 98 من الدستور الكويتي على أن (تتقدم كل وزارة فور تشكيلها ببرنامجها إلى مجلس الأمة، وللمجلس أن يبدي ما يراه من ملاحظات بصدد هذا البرنامج).
كما تنص المادة 57 من الدستور على أن (يعاد تشكيل الوزارة على النحو المبين بالمادة السابقة عند بدء كل فصل تشريعي لمجلس الأمة)
وقد تقدمت حكومة سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح ببرنامج عملها 2022-2026 للمجلس المبطل الذي جاء بعنوان (وطن آمن ورفاهية مستدامة).
وحيث إن ذلك البرنامج - من وجهة نظرنا- قد أصابه بعض القصور في نقاط مهمة قد تؤدي إلى عدم تحقيقه ما تتطلبه المرحلة من استحقاقات، وتلبية الطموحات التي وردت في خطاب العهد الجديد الذي ألقاه سمو ولي العهد نيابة عن سمو الأمير حفظهما الله وذلك بتاريخ 22/ 6/ 2022 وخطاب وثيقة العهد الجديد الذي ألقاه سمو ولي العهد أمام مجلس الأمة في افتتاح دور الانعقاد الأول للمجلس المبطل وذلك بتاريخ 18/ 10/ 2022.
لذلك نشير إلى تلك النقاط لعل وعسى أن يتم تداركها في برنامج عمل الحكومة المقبل.
1 - مقومات النجاح
لا يمكن لأي برنامج إصلاحي أن ينجح ويحقق أهدافه إلا بتعاون شعبي داعم له، وهذا لن يتم إلا إذا أحاط الناس علما بهذا البرنامج وأهدافه واطمأنوا بأنه سيحقق لهم التنمية والرفاه ويوفر لهم سبل الحياة الكريمة. فالحكومة لا تستطيع أن تجعل الشعب يقف معها ويساندها ما لم يعرف الشعب ما تريد الحكومة من أهداف تنموية لتحقيقها.
لذلك كان على الحكومة أن يكون لها برنامج إعلامي ثقافي حواري حول نقاط البرنامج وأهدافه حتى يعرف الجميع برنامج العمل وأهدافه، فيعمل على دعمه وتحقيقه على أرض الواقع وتنال بذلك الحكومة الموافقة والتأييد من الشعب قبل المجلس وتحصل نتيجة لذلك على الدعم المطلوب.
2 - رؤية 2035
البرنامج تمسك برؤية الكويت 2035 التي تسعى لأن تكون الكويت مركزاً مالياً وتجارياً واستثمارياً يقوم فيه القطاع الخاص بقيادة النشاط الاقتصادي.
هذه الرؤية عندما طُرحت من قِبل سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد رحمة الله عليه بعد أن تولى الحكم في عام 2006 عمل عليها رئيس الوزراء البريطاني الاسبق توني بلير بتكليف من الديوان الأميري عام 2008 وفي عام 2010 تم وضع مشروع الرؤية ولم تطلق إلا في عام 2017 وإلى اليوم لم يتحقق منها شيء يذكر.
الرؤية لا شك كانت مقبولة في ذلك الوقت، ولكن بعد كل هذه التجارب والممارسات ثبت عدم قدرتنا على تنفيذها لعدة أسباب داخلية وخارجية، كما أن دول المنطقة لم تسبقنا فقط في هذا المضمار بل هي منطلقة بقوة نحو تحقيقها، ما يجعلنا حتى لو نبدأ، فإننا لن نستطيع أن نجاريها.
تغيير الهدف ليس عيباً ولكنه ذكاء لكي نحقق الأهداف. لذلك علينا إعادة النظر في هذه الرؤية لعدة أسباب داخلية وخارجية.
3 - القضية الإسكانية
الحكومة تعاني من تراكم الطلبات الإسكانية وعدم القدرة على التنفيذ مع شح بالموارد المالية وقد أثبت الواقع العملي لكثير من الدول أن واحدا من أهم الحلول لمثل هذه المسائل هو المطور العقاري. فأين هو في البرنامج؟
لقد تمت الإشارة إلى الأزمة الإسكانية وتم وضع حلول واضحة بأنها لن تؤدي إلى النتيجة المرجوة منها لسبق تجربتها، مع تكلفة مالية ستكون أعلى، ولكن لم تتم الإشارة لقانون المطور العقاري بالتشريعات بصورة واضحة، لم تكن هناك إشارة واضحة والتزام بقانون المطور العقاري.
قانون المطور العقاري يجب أن يصاغ بطريقة تناسب ما نريده في الكويت ويحقق الهدف المرجو منه لكي يتم كسر الروتين وتجاوز البيروقراطية وتحويل الإنفاق إلى استثمار، والمصروف إلى إيراد.
كما أن الأمر لن يتوقف عند القضية الإسكانية بل يجب أن يتجاوز ذلك لكل المشاريع التنموية والترفيهية.
4 - الحكومة الرقمية
الالتزام بنسبة 80 في المئة لتحقيق الحكومة الرقمية نسبة غير مقبولة لدولة تعد الأولى في وضع خطط الحكومة الإلكترونية منذ عام 2004 وأنشأت بالمرسوم 266 لسنة 2006 الجهاز المركزي لتكنولوجيا المعلومات.
إن تحقيق الحكومة الرقمية سيلبي تطلعات القيادة السياسية في محاربة الفساد والقضاء على البيروقراطية وأداء العمل بجودة عالية وبوقت قصير وشفافية التقييم للعاملين في الجهاز الحكومي.
5 - الأمن الغذائي
البرنامج في مقدمته يقول بأنه يركز على الأولويات ويتصدى لمعالجة الكليات، وواحدة من الأولويات المهمة للدولة بل والخطيرة هي تنمية الثروة الزراعية والحيوانية والسمكية، الغذاء والماء من أكبر تحديات المستقبل.
ومن أهم أهداف التنمية المستدامة هو توفير الأمن الغذائي. فأين هو من برنامج الحكومة؟ فقد أشار ديوان المحاسبة بتقريره في الإصدار الرابع تحت عنوان (وعادت الحياة لطبيعتها) إلى هذا الخلل حيث أشار التقرير إلى أنه لا توجد خطة استراتيجية للأمن الغذائي لدى هيئة الزراعة.
في المقابل جاءت الزراعة في برنامج عمل الحكومة في خانة السياحة والترفيه تحت مسمى تنسيق الحدائق العامة بما يحقق الترفيه.
إن الاهتمام بالثروة النباتية والحيوانية والسمكية بجانب أنه يحقق الأمن الغذائي فإنه سيساهم في مواجهة بعض التحديات التي وضعها البرنامج وهي معالجة بعض المؤشرات السلبية للبيئة. كذلك تحويل الدعم الذي يبلغ 1 في المئة من ميزانية الدعم البالغة 4 مليارات ونصف المليار تقريباً الى إيرادات وهي من ضمن النتائج المرجوة وتوفير فرص وإيراد جديد.
6 - البدون... والتجنيس
في المحور السياسي في البند الثاني الخاص بالمقيمين بصورة غير مشروعة (البدون)، وضع توجه لتقديم مشروع قانون وهذه غلطة كبيرة إذا تمت، القضية لا تحتاج إلى إصدار قانون جديد، لدينا قانون الجنسية الكويتي النافذ الذي تجنّس عليه الآباء والأجداد وتجنسنا نحن عليه وسيتجنس عليه أبناؤنا فلا يجوز إصدار قانون لمجموعة معينة.
من يدعي بأنه يستحق الجنسية وفقاً للمادة الأولى، فعليه إثبات ذلك وفقاً للمادة 20 من قانون الجنسية التي تنص على أن عبء الاثبات يقع على من يدعي أنه يتمتع بالجنسية الكويتية.
ولا يمنع ذلك من فتح المجال له من خلال لجان يترأسها قضاة ليثبت ذلك، وإذا أثبت ذلك فيحصل على الجنسية، وإذا لم يثبت فيكون وضعه وضع من يطلب التجنيس وهو حق سيادي للدولة وفقاً للشروط الواردة بالقانون وبعد تعديل وضعه القانوني.
غير هذا الإجراء، فيه انحراف في معالجة هذه القضية وفتح لباب تعديل القانون لتجنيس من لا تنطبق عليه الشروط القائمة، ولا يجوز وضع قوانين لمجموعة معينة لإضفاء المشروعية على مخالفاتها (القاعدة القانونية عامة ومجردة).
7 - القضية المرورية
البند 3 من المحور الأمني تحدث عن معالجة الاختناقات المرورية، الأمر أكبر من فقط الاختناقات المرورية، فعندنا الإجازات المزورة أو الممنوحة بغير وجه حق، المخالفات المرورية الصارخة وما ينتج عنها من حوادث قاتلة وغيرها من قضايا تمس الجانب الأمني بصورة مباشرة وغير مباشرة، فاختصار المحور الأمني بالاختناقات المرورية ليس كافياً.
8 - تجارة الإقامات
في المحور الأمني البند 4 القضاء على تجار الاقامات، ولكنه لم يشر إلى قانون الغاء الكفيل لأنه هو وحده الكفيل بمواجهة تجارة الإقامات ويساهم مساهمة فعالة في تعديل التركيبة السكانية ويحقق إيرادات للدولة بدل أن يأخذها تجار الإقامات ويسهم في تعديل مؤشر الدولة في القضايا الإنسانية الخاصة بالعمالة والاتجار بالبشر.
9 - الاقتراض
مازال البرنامج يتحدث عن الاقتراض وهو مسلك خطير في ظل التغييرات العالمية واحتمال حدوث الأزمات والحروب وانخفاض أسعار النفط ما يعني الدخول في نادي المقترضين دون إمكانية الخروج منه.
10 - الاستثمار الرياضي والترفيهي
إدخال الهيئة العامة للاستثمار في مجال النشاط الرياضي أو الترفيهي ثبت فشله، وأتمنى أن يكلف ديوان المحاسبة لمراجعة كل دراسات الجدوى التي قامت بها إدارة الاستثمار المباشر وكيف تم التعامل معها وكم تكلفتها والمكاتب التي تم التعامل معها وكيف تم ذلك؟
11 - لجان المتابعة والتقييم
في بند الحوكمة ومتابعة التنفيذ، وهو أخطر وأهم بند، وأحد أهم أسباب الفشل في متابعة تنفيذ الخطط السابقة، مارس البرنامج نفس الأسلوب بتشكيل لجان المتابعة والتقييم من الوزراء أنفسهم لمتابعة برنامج عمل الحكومة والمشاريع التنموية الكبرى.
من وجهة نظرنا، المتابعة والتقييم يجب ان تتم من خلال جهاز له استقلالية كاملة عن مجلس الوزراء ويرفع تقارير مباشرة إلى سمو رئيس مجلس الوزراء لا أن يُشكل من الوزراء أنفسهم المطلوب منهم تنفيذ الخطة في وزاراتهم. ففي هذا التشكيل تعارض مع مبدأ الحوكمة وتعارض المصالح.
12 - البديل الإستراتيجي
مازال الحديث عن البديل الإستراتيجي الذي يعرف الجميع بأنه غير قابل للتطبيق، وأن عملية الإصلاح الإداري والمالي للجهاز الإداري ليست بذلك التعقيد الذي يحاول البعض أن يصورها.