قطب إعلام ورياضة ورجل أعمال وسياسة طُبعت مسيرته بالفضائح
وفاة برلسكوني تطوي «حقبة مُهمّة» من تاريخ أيطاليا
طوت إيطاليا، أمس، «حقبة مُهمّة» من تاريخها السياسي، بوفاة سيلفيو برلسكوني، الذي هيمن على الحياة العامة لعقود، كملياردير وقطب إعلام ورجل أعمال وسياسة وكرة قدم...
فرغم الفضائح (86 عاماً) التي كانت تطارد «أحد الرجال الأكثر تأثيراً في تاريخ ايطاليا»، فانه بالنسبة إلى الملايين، يمثّل عصره عصراً ذهبياً لاقتصاد شبه الجزيرة الإيطالية... و«صنع التاريخ».
توفي الملياردير الذي أعاد تشكيل المشهد السياسي والثقافي لإيطاليا، عن 86 عاماً، بعد نقله إلى أحد مستشفيات ميلانو، الجمعة، لإجراء ما قال مساعدوه إنها فحوص طبية مقرّرة مسبقاً، وكان أدخل إلى المستشفى نفسه قبل ستة أسابيع بسبب إصابته بسرطان الدم والتهاب الرئة.
ورغم أنه قاد إيطاليا تسع سنوات كرئيس للحكومة، لم يتمكّن من تحقيق حلمه الأخير المتمثل في أن يصبح رئيساً للجمهورية، بسبب عدم حصوله على دعم في البرلمان.
تسبب برلسكوني، وهو شخصية محورية في السياسة الإيطالية ينتمي حزبه المحافظ «فورتسا إيطاليا» إلى الائتلاف الذي تقوده جورجيا ميلوني، في العديد من المشكلات بعد تكثيف تصريحاته منذ غزو أوكرانيا في فبراير 2022.
وأكد الصديق المقرب لفلاديمير بوتين، أن الرئيس الروسي يريد إطاحة حكومة كييف ليستبدلها بـ «أشخاص طيبين».
وغالبا ما قورنت مسيرة برلسكوني بمسيرة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وهو رجل أعمال أيضاً لم يخف إعجابه ببرلسكوني.
وبعد الهجوم الذي استهدف مبنى الكابيتول في العام 2021، ابتعد برلسكوني بوضوح عن ترامب.
أراد برلسكوني أن يدخل سجلات التاريخ باعتباره «أفضل زعيم سياسي في أوروبا وفي العالم».
ظهر برلسكوني وهو ابن موظف مصرف في ميلانو مولود في 29 سبتمبر 1936، في بداية حياته العامة فناناً على متن سفن سياحية، حيث كان يغني ويروي قصصاً مضحكة.
ومع حصوله على شهادة في القانون، دخل مجال الأعمال وتتالت نجاحاته.
لكنه أبدع خصوصاً في عالم التلفزيون حيث لم يتردد خلال الثمانينات، في الاستعانة بنساء عاريات في برامجه.
تضم شركة «فينإنفست» التي تملكها عائلة برلسكوني قنوات تلفزيونية (ميديا فور يوروب) ومجموعة مندادوري للنشر.
وكونه محباً لكرة القدم، ترأس أيضا نادي ميلان لمدة 31 عاماً قبل بيعه في العام 2017 لمستثمرين صينيين.
وبعد نجاحاته في عالم التلفزيون، انطلق في عالم السياسة عام 1994. وفي غضون أسابيع قليلة، أسس «فورتسا إيطاليا» وفاز في الانتخابات.
لكن حكومته انهارت بعد سبعة أشهر بعدما تخلى عنه حلفاؤه. وفي 2001، استعاد السلطة التي احتفظ بها حتى أبريل 2006.
منهكاً بتلك السنوات الخمس، هُزم بفارق ضئيل في الانتخابات، لكنه انتقم بقوة بعد عامين وتولى قيادة البلاد للمرة الثالثة.
لكن في نوفمبر 2011، كان عليه أن يسلم الاقتصادي ماريو مونتي مقاليد الحكم في إيطاليا الغارقة في أزمة مالية خطيرة.
- «بونغا بونغا»
في ربيع العام 2013، ظهر مجدداً على الساحة السياسية بفوزه بثلث الأصوات في البرلمان، وهي النتيجة التي دفعت اليسار إلى تحالف معقد مع عدوه التاريخي.
لكن قوة الملياردير بدأت تخفت بسبب النكسات القانونية التي واجهها...
في أغسطس 2013، حكم عليه للمرة الأولى بصورة نهائية: ثبتت محكمة النقض الحكم الذي كان صادراً بحقه وهو السجن لمدة أربع سنوات بتهمة التهرب الضريبي، ألغيت ثلاث منها بموجب عفو، فيما أمضى العام الأخير من العقوبة في القيام بأعمال ذات منفعة عامة.
وكما فعل طوال تلك السنوات في محاكماته العديدة، تظاهر بأنه ضحية «قضاة شيوعيين».
ورغم الإهانات والمضايقات، بقي برلسكوني حريصاً على مظهره الخارجي: شعر مصبوغ وسمرة أبدية بفضل طبقة سميكة من كريم الأساس، وجراحات تجميلية.
وأدى حبه للنساء الجميلات في ربيع العام 2009 إلى طلب زوجته الثانية فيرونيكا لاريو الطلاق.
كما حكم عليه بالسجن سبع سنوات بجرم ممارسة الفحشاء مع قاصر وإساءة استخدام السلطة، بسبب ما أطلق عليه حفلات «بونغا بونغا» مع الشابة المغربية كريمة المحروق (17 عاماً)، المعروفة بلقب «روبي سارقة القلوب»، قبل أن يُبرأ نهائياً في 2015.
بعد ست سنوات، برأته محكمة في ميلانو في فبراير 2023 في محاكمة إضافية بعد اتهامه برشي شهود للكذب في شأن تلك الأمسيات الصاخبة.
وبرلسكوني الشخصية الاستثنائية والأب لخمسة أبناء من زواجين، وجد صديقة جديدة في 2020 هي مارتا فاسينا عارضة الأزياء السابقة التي تصغره بـ53 عاما والنائبة عن حزبه «فورتسا إيطاليا».
وقالت رئيسة الحكومة اليمينية المتطرّفة ميلوني «كان سيلفيو برلسكوني محاربا قبل كل شيء. كان رجلاً لا يخشى الدفاع عن قناعاته وكانت شجاعته وتصميمه بالتحديد ما جعله أحد أكثر الرجال تأثيراً في تاريخ إيطاليا».
وسبق أن بنى برلسكوني ضريحاً رخامياً مستوحى من الفراعنة في قصره في أركوري قرب ميلانو ليدفن فيه أفراد عائلته وأصدقاؤه عند وفاتهم.
وتبلغ ثروة برلسكوني 6.8 مليار دولار، وفقاً لمجلة «فوربس».