فرنجيه أعلن «نصف ترشيح»... و«مانيفست سياسي» برسْم الداخل والخارج

«عمى ألوان» في لبنان حيال الأزمة الرئاسية المتمادية

البطريرك الماروني بشارة الراعي مستقبلاً فرنجية في بكركي
البطريرك الماروني بشارة الراعي مستقبلاً فرنجية في بكركي
تصغير
تكبير

- ما علاقة بابلو بيكاسو وآندي وارهول وأنتوني غورملي بتمويل «حزب الله»؟

ليس مبالغةً استخلاص أن المشهدَ السياسي في لبنان محكومٌ بـ «عمى الألوان» في ما خصّ آفاق الأزمة الرئاسية التي تتضاربُ المناخات بإزائها بين أجواء زائفة عن اقتراب تصاعُد الدخان الأبيض وأخرى موغلة في القتامة بأن الإقامة في «البقعة السوداء» مازالت طويلة، فيما تبدو «المنطقة الرمادية» الأقرب إلى الواقعية.

وشكّل «إعلان النيات» الذي قدّمه زعيم «تيار المردة» سليمان فرنجيه على طريقة «لو كنتُ رئيساً» من على منبر البطريركية المارونية مناسبةً أكدتْ أن لا أحد في لبنان يملك الخبر اليقين حول أين أصبح المسارُ الرئاسي ومَساعي إخراجه من الحلقة المقفلة التي سلّم الداخل أمْرها للخارج، لينام «حزب الله» والرئيس نبيه بري على «نعم لمرشحهما (فرنجيه) حتى إشعار آخر وربما حتى ينْقطع نَفَس خصومهما، والمعارضة على لا موحّدة للأخير تُخْفي وراءها عدم قدرة على التوحّد على اسمٍ من «خارج العلبة» بما يجعلها تنتزع «القفل والمفتاح»للصندوق الرئاسي من الثنائي الشيعي.

ولم يكد زعيم «المردة»أن يُنهي «إطلالته الرئاسية» من بكركي، وهي الأولى له بعد زيارته باريس حيث سعى الفرنسيون للحصول منه على ما سُمي«ضمانات» يَعتبر الاليزيه أنها قد تمنح فرنجيه «جواز مرور» خليجياً ودولياً، حتى انهمك الداخل في محاولة تفكيك شيفرة ما بدا «برنامجاً رئاسياً» لم يكتمل بإعلان ترشيح رسمي واعتُبر مضمونه برسم القوى المعارِضة لانتخابه أو المترددة كما الخارج الذي «يرتاب» وصوله.

وبرزت 3 قراءات لخطوة فرنجيه التي شكلت نقلةً جديدة له على «رقعة الشطرنج» الرئاسية يُنتظر أن تتبلور أكثر في حوار تلفزيوني تردد أنه سيحصل خلال أيام قليلة، وللمواقف التي أطلقها، سواء في ما خص رفْض أي تعرُّض للدول العربية والخليجية و«لم يكن لدينا عداء يوماً لأي دولة عربية ولا نريد إلا الخير للسعودية» أو تأكيد انفتاحه على الحوار مع الجميع في الداخل والتزامه الإصلاحات وبلوغ اتفاق مع صندوق النقد الدولي وإعلانه الاستعداد لبحث مسألة سلاح «حزب الله» بعيداً من ذهنية المؤامرة «بل بروحية وطنية» وتحت سقف حوار وطني حول الاستراتيجية الدفاعية وتحذيره المسيحيين من أن يفوتهم «قطار التسوية» في المنطقة.

وذَهَبَ البعض لاسيما من حلفاء«حزب الله» لاعتبار إعلان فرنجيه «سمعتُ الفيتو على اسمي من الإعلام اللبناني ولم أسمعه يوماً من السعودية أو من أصدقائها وحلفائها»، على أنه يعكس معطياتٍ عن أن المزاج الخارجي تجاه زعيم «المردة» بات في الحدّ الأدنى أقرب إلى«لعم» رجّحوا أن تنقلب إلى نعم كلما تمدّد تأثير تفاهم بكين بين الرياض وطهران على ملفات المنطقة.

في المقابل تمسّكت مصادر في المعارضة بأن «مجموعة الخمسة» حول لبنان (تضمّ ممثلين للولايات المتحدة وفرنسا والسعودية ومصر وقطر) مازال غالبيتها (ما خلا باريس) مقتنع بأنّ وضْع «بلاد الأرز» على سكة الإنقاذ الفعلي لا تكون بإرساء «تَوازُن مصطنع» عبر مقايضة رئاسة الجمهورية لمرشح من الممانعة برئيس حكومةٍ قريب من جو ما كان يُعرف بـ«14 مارس»، بمقدار ما أن استعادة التوازن تبدأ برفْض الانطلاق في مقاربة الملف الرئاسي، كما تفعل باريس، من «انعدام وزن»القوى المعارضة لحزب الله وحلفائه، وبالكفّ عن استسهال تسوية أزمة الشغور على قاعدة عدم إمكان الإتيان برئيس لا يرضى عنه الحزب في حين أن «العكس صحيح» أيضاً لجهة استحالة وصول رئيس من دون موافقة المعارضة ولا يحظى بغطاء مسيحي وازن.

وبين القراءتين لم يكن عابراً ما نقلته صحيفة «النهار» عن مصدر ديبلوماسي فرنسي من أن «هناك ثلاثة ملفات تعتبرها «اللجنة الخماسية» المتابعة للملف الرئاسي اللبناني أساسية، وهي ترسيم الحدود البحرية والبرية مع سورية والقيام بالإصلاحات الهيكلية المتفق عليها مع صندوق النقد ووضع تصور للاستراتيجية الدفاعية التي من دون تطبيقها لا يمكن عودة الثقة إلى لبنان»، وأن «هناك توافقاً دولياً وإقليمياً وداخلياً حول أهمية تصور أفضل الحلول لتحقيق ذلك ومَن هو أو هم المرشحون الأفضل لتنفيذها».

وبحسب هذا المصدر فإن البحث منصبّ بشكل أساسي على انتخاب رئيس للجمهورية يمكنه استقطاب أكبر عدد من المؤيدين داخلياً وخارجياً وبوسعه التقيد بالالتزامات الدولية والعربية والإقليمية تجاه لبنان، معتبراً «أن وصول رئيس طرف كمرشح الممانعة سليمان فرنجيه أصبح أمراً شبه مستحيل، ويعود لباريس إذا أرادت الاستمرار بدورها الريادي تحقيق توافق حول شخصية مسيحية وسطية وانضاج تسوية أو مقاربة جديدة يشارك فيها أكبر عدد من اللاعبين السياسيين في الملعب اللبناني».

وفي موازاة ذلك تَعتبر أوساطٌ معارضة أن تضييق الخناق أميركياً وبريطانياً على «حزب الله» يشكّل في ذاته مؤشراً لمَخاطر التساهل في ترْك الاستحقاق الرئاسي يعبّر عن تعميق اختلال التوازن الداخلي لمصلحة الحزب، متوقفة في هذا السياق عند ما تكشَّف عنه اتهام ممثلي ادعاء أميركيين رجل الأعمال اللبناني وجامع التحف ناظم أحمد بتمويل «حزب الله» والتحايل على العقوبات الأميركية المفروضة عليه من خلال تصدير الألماس وأعمال فنية قيمتها مئات الملايين من الدولارات.

وقال ممثلو الادعاء إن أحمد تفاوض بشكل مباشر في 2021 على بيع أعمال فنية مع أحد الفنانين في نيويورك وطلب منه ألا يكشف عن اسمه.

وأضافوا أنه جرى بعد ذلك تصدير ست لوحات رسمها الفنان تقدر قيمتها بنحو 200 ألف دولار إلى شركة لبنانية مرتبطة بأحمد.

كما أوضحوا أن كياناتٍ مرتبطة بأحمد شاركت في معاملات مالية تقدر قيمتها بأكثر من 440 مليون دولار إجمالا وكلها مخالفة للعقوبات، بما يشمل استيراد بضائع قيمتها 207 ملايين دولار إلى الولايات المتحدة وتصدير شحنات بقيمة 234 مليون دولار غالبيتها من الألماس والأعمال الفنية.

وترافق ذلك مع إعلان الإدارة الأميركية أنّها فرضت عقوبات على شبكة لتبييض الأموال والالتفاف على العقوبات ساعدت أحمد، وهو خاضع لعقوبات وزارة الخزانة الأميركية منذ 2019 ويوصف بأنّه تاجر ألماس «ضالع في تجارة ألماس الدماء»، في إشارة إلى الألماس الذي ينتج في مناطق تشهد اضطرابات ويستخدم لتمويل حروب أو نزاعات مسلّحة.

وأشارت الخزانة الأميركية إلى أنّها تشتبه هذه المرة بضلوع أكثر من خمسين جهة، بين أفراد وشركات، في مساعدة أحمد على الالتفاف على العقوبات الأميركية.

وإذ نقل بيان عن مساعد وزيرة الخزانة المكلّف شؤون الإرهاب والاستخبارات المالية براين نيلسون قوله إنّ «الأشخاص المتورّطين استخدموا شركات واجهة لممارسات احتيالية بغية إخفاء ضلوع ناظم أحمد في هذه التحويلات المالية»، أعلنت الخارجية الأميركية رصد مكافأة مالية تصل إلى عشرة ملايين دولار لكل مَنْ يدلي بمعلومة تتعلّق بآليات تمويل حزب الله «بما في ذلك تلك المتعلّقة بناظم أحمد».

وجاءت الخطوة الأميركية بعيد إعلان الحكومة البريطانية تجميد أصول أحمد في المملكة المتحدة حيث يقتني مجموعة كبيرة من التحف الفنية ويقيم علاقات تجارية مع عدد كبير من الفنانين والمعارض الفنية ودور المزادات.

وقال كبير المراسلين في صحيفة الغارديان البريطانية دانيل بوفي، في تقرير له «إن ناظم أحمد، الذي تعتبره الولايات المتحدة المموّل المالي الشخصي للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، يُشتبه في قيامه بغسل أموال قذرة يمتلكها حزب الله، لذلك تم استهدافه في إطار إجراءات مكافحة الإرهاب في بريطانيا، ووضعته وزارة الخزانة البريطانية على قائمة العقوبات واتُهم في الولايات المتحدة بسبب مزاعم استخدام مجموعته الفنية، والتي تضمّنت روائع بابلو بيكاسو وأنتوني غورملي وآندي وارهول، في أعمال غير مشروعة».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي