تَراجُع دور باريس لمصلحة «تعريب» الحل؟
المهمة القطرية تجاه «رئاسية لبنان»... أكثر من استطلاع وأقلّ من مبادرة
- خلوة روحية ناقصة للنواب المسيحيين اليوم
هل انتهى المسعى الفرنسي الذي حاولتْ باريس أن تفرضه بقوةِ الأمر الواقع على «مجموعة الخمس» العربية - الدولية التي تُعنى بالملف اللبناني والأزمة الرئاسية وتضمّها إلى كل من الولايات المتحدة والسعودية وقطر ومصر؟
سؤالٌ بدا مشروعاً في بيروت في ضوء المَهمة التي قام بها وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمد بن عبدالعزيز الخليفي على مدى يومين في بيروت حيث أجْرى لقاءاتٍ شاملةً طغتْ عليها «ديبلوماسيةُ الإنصات» لمقاربةِ مختلف الأطراف اللبنانية للمأزق الرئاسي الذي دخل شهرَه السادس وحدود التراجعات المُمْكنة بما يُتيح حصولَ الاختراق المنشود.
وبعد إفراطِ باريس في «رعاية» خيار المرشّح الذي جاهر «حزب الله» بدعْمه أي سليمان فرنجية، إلى حدّ أنها هي التي كانت طلبتْ من الحزب إخراج ترشيحه إلى العلن لتنطلق عملية «تسويقه»، فإن التطويقَ الداخلي لهذا الخيار من الغالبية المسيحية كما من الزعيم الدرزي وليد جنبلاط معطوفاً على موقفٍ خليجي لا يصبّ في مصلحته، دَفَع فرنسا أولاً إلى سحْب معادلة فرنجية للرئاسة ونواف سلام لرئاسة الحكومة، وهي المقايضةُ التي بدت في نظر رافضيها في الداخل والخارج أقرب إلى «دسّ السم في العسل»، لمصلحة «تصفيح» حظوظ زعيم «تيار المردة» بسلّة ضمانات أرادتْ خلال استقباله قبل أيام أن يقدّمها بما يُطَمْئن خليجياً خصوصاً ويَنزع الأشواكَ من طريقه إلى قصر بعبدا.
وفيما كانت زيارة فرنجية لباريس مازالت تخضع لعملية تحرٍّ في بيروت لخلاصاتها الحقيقية، جاءت محطةُ الموفد القطري وكأنها «تسحب البساط» من تحت أقدام الفرنسيين وتُعْلي ثوابت الثلاثي العربي في مجموعة الخمس في ما خص الواقع اللبناني، ما من شأنه أن يدفع باريس لمزيد من «إعادة التموْضع» تحت سقفٍ بدت معه الرياض والدوحة كلمة واحدة وإن مع هامش حركةٍ أوسع لقطر في المسرح اللبناني خصوصاً لجهة التواصل المباشر مع «حزب الله».
وانطلاقاً مما كشفه مَن تسنى لهم الاطلاع على ما حَمَلَه الموفد القطري وما سمعه، إلى جانب ما عبّر عنه جدول لقاءاته، أمكن التوقف عند النقاط الآتية:
- أن الخليفي التقى فرنجية أمس بعد تقارير كانت تحدثت عن أن جدول لقاءاته لا يشمل زعيم «المردة».
وتوقعت أوساط سياسية ان يكون فرنجية عرض خلال الاجتماع ما بات يُعرف بـ «الضمانات» التي سبق أن أودعها لدى الجانب الفرنسي، معتبرة أن التواصل القطري معه لا يعني بأي حال تأييداً له من دون أن يكون اتّضح إذا كان الموفد القطري اكتفى بسماع ما لدى زعيم «المردة».
وكان لافتاً في الزيارات التي قام بها الخليفي، أنها شملتْ قائد الجيش العماد جوزف عون، الذي لطالما تَرَدّد أن ثمة «مقبولية عالية» له خليجياً، رغم أن الاجتماع لم يتطرّق إلى الاستحقاق الرئاسي بحسب ما أُعلن بل تناول دور الجيش في الظروف الراهنة والذي نوّه به الموفد القطري مشدداً على «ضرورة استمرار دعم المؤسسة العسكرية لتمكينها من تنفيذ مهماتها في حفظ أمن لبنان واستقراره».
من جهة أخرى، شكر العماد عون دولة قطر بشخص الأمير تميم بن حمد آل ثاني «على الدعم المستمر للمؤسسة».
وكذلك برز لقاء الخليفي مع الوزير السابق طلال ارسلان، ما كسر معيار اللقاءات مع رؤساء الأحزاب الممثلين بكتل في البرلمان، وأيضاً مع رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، قبل أن يعقد اجتماعاً مطولاً مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، ثم مع رئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد.
• أن مَن التقوا الموفد القطري نقلوا عنه «ان لديه نوعاً من تصوّر لضرورة تخطي معادلة رئيس جمهورية ورئيس حكومة» أي المقايضة التي طرحتْها فرنسا، وأنه لم يدخل مطلقاً في لعبة الأسماء بل كان مستمعاً وفي موقع استطلاع الآراء أكثر مَن إبداء الرأي، وأنه عبّر في الملف الرئاسي عن موقف منسجم تماماً مع الموقف الخليجي لجهة أن المطلوب رئيس «لا يُشكّل تحدياً ويمكن ان يُمْسك بالأولويات في لبنان لاسيما الإصلاحات ويعطي ثقة للشركاء العرب»، وأنه «إذا لم يكن هناك رئيس تَطْمئنّ له دول الخليج فلا تطلبوا من السعودية أن تذهب أبعد في دعْم لبنان»، وفق ما عبّر النائب سليم الصايغ الذي شارك في لقاء الخليفي مع رئيس «الكتائب» سامي الجميل.
وكان لكلام الجميّل بعد لقائه الموفد القطري دلالة مهمة لاسيما تقديره «موقف قطر والسعودية ودفاعهما عن لبنان السيد المستقل والمتطور»، لافتاً الى «أن الوفد القطري يستمزج الآراء ولم تكن هناك مبادرة أو اقتراح بل استماع ومحاولة فهم الواقع اللبناني»، مشيراً الى أنهم «يضعون أنفسهم بتصرف لبنان لمساعدته وبتنسيق تام مع السعودية ودول الخليج المتحدة بالموقف»، ومشدداً على «أن ثمة موقفاً واضحاً عبّرت عنه المملكة وقطر من انهم غير مستعدين للتعاون مع رئيس لا يملك المواصفات الأساسية، أي الالتزام بدولة القانون والنزاهة والانفتاح، أي شخصية إصلاحية».
أما الموفد القطري فالتزم بصمتٍ كسره تصريح تلفزيوني مقتضب قال فيه ان زيارته لبيروت «تأتي في إطار تعزيز العلاقة الثنائية بين قطر ولبنان وتطويرها على كل الصعد ونحن حريصون على مد يد العون والمساعدة للأشقاء في لبنان»، مؤكداً «أن العمل ضمن المنظومة الدولية هو ركيزة أساسية ضمن استراتيجية قطر وسياستها الخارجية وأن مشاركتها في اجتماع باريس كانت مهمة جداً». وإذ أوضح «أن أهمّ النتائج التي خرجت عن لقاء باريس هي تشجيع المسؤولين على ملء الفراغ الرئاسي»، حضّ «الأشقاء في لبنان على تغليب لغة الحوار والمصلحة الوطنية».
ومع مغادرة الموفد القطري بيروت، تتجه الأنظارُ إلى الخطوة التالية لاسيما من جانب داعمي ترشيح فرنجيه وهل سيبقى «حزب الله» على معادلة «لدينا ثلاثة مرشحين: الاول والثاني والثالث سليمان فرنجيه» أم أن الديناميةَ المستجدة حول الملف الرئاسي ستتيح بلوغ مَخْرج قبل موعد القمة العربية في الرياض أو خلالها، وهو المخرج الذي لا يكتمل ما لم يلتحق «الزائد واحد» أي إيران بمجموعة الخمس لإنتاج تسويةٍ حول لبنان لا يمكن عزْلها عن عملية التشكيل الجديدة للمنطقة وتوازناتها التي تتم على إيقاع تفاهم بكين بين الرياض وطهران وملحقاته.
الخلوة الروحية
وعلى وقع تقارير تحدّثت عن احتمال عقد الاجتماع الثاني لمجموعة الخمس (يمثّل الخليفي، قطر فيها) في الرياض، تتجه الأنظار اليوم إلى الخلوة الروحية التي دعا إليها البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي النوابَ المسيحيين في محاولةٍ لجمْعهم ولو بصلاةٍ يحضر فيها طيْف الاستحقاق الرئاسي، وسط تقديراتٍ بأنه من النواب الـ64 الذين يمثّلون المسيحيين في البرلمان قد يتغيّب نحو 14، ترجمةً لمواقف رفضتْ جعْل الانتخابات الرئاسية «استحقاقاً مسيحياً» فقط وأصرّت على مقاربةٍ مسيحية - إسلامية له،
وهو الموقف الذي يتقاطع مع أحزاب مسيحية وازنة كانت امتنعتْ عن تلبية الدعوة للقاءٍ مسيحي في بكركي يتناول الأزمة الرئاسية تجنُّباً لتحميل المسيحيين مسؤوليةَ مشكلةٍ «أساسها سياسي» وليس طائفياً ولكنها ستحضر خلوة اليوم لأن عنوانَها روحيّ.
وكان بارزاً عشية الخلوة، زيارة السفيرة الفرنسية آن غريو للراعي معلنة «عرضْنا الجهود المبذولة للخروج من الأزمة وذلك في إطار الحوار الدائم مع البطريرك والذي تقدّر فرنسا دوره البنّاء للوصول الى مَخْرَجٍ للأزمة».