دعوة للجيش لوضْع يده على قطاع الاتصالات وصِداماتٌ أمام «المركزي»
لبنان «ملعب غليان» اجتماعي ويقترب من الانقطاع عن العالم
- السجون جائعة... وفي رومية رغيف ونصف باليوم لكل سجين
- الحد الأدنى للقطاع الخاص إلى 9 ملايين ليرة
- وزير الدولة في الخارجية القطرية محمد عبدالعزيز الخليفي في بيروت الإثنين
بين الاضطرابات في الشارع وفي قطاع الاتصالات، وبين ترنُّح البلاد سياسياً على وقع ملامح بداياتِ ملء الفراغ في رئاسة الجمهورية بمشاحناتٍ بعضها يُخاض بـ «السلاح المحرّم»، ارتسم في لبنان مشهد بالغ الخطورة ويُفاقِم من قتامته أنه يحلّ فيما «الانسداد الشامل» يلفّ مختلف أوجه الأزمات المتشابكة كـ «خيوط العنكبوت».
ولم يكد لبنان، الذي انتقل إلى رِحاب التوقيت الصيفي رسمياً أمس، أن يلتقط أنفاسه بعد «هزة الساعة» بارتداداتها السياسية والطائفية، حتى طفت مجدداً ملفاتٌ «حابسة للأنفاس» ليست إلا نتاج ماكينة التعطيل التي تُنْذِر بـ «طَحْن» بقايا مقومات صمود في آخِر الحَبْل الذي يتآكل مع كل يوم جديد من عمر الانهيار الكبير والذي ما زال يقي الوطن الصغير الارتطام المريع.
فمن وسط بيروت ومحيط المصرف المركزي حيث نفّذ المجلس التنسيقي للمتقاعدين في القطاع العام وقدماء القوات المسلحة ومختلف مجموعات العسكريين المتقاعدين تحركاً غاضباً مطالبين بتصحيح أوضاعهم المعيشية المزرية، إلى كل بيوتات اللبنانيين والقطاعات على اختلافها التي «ارتعدت» مع تَوالي قرع ناقوس الخطر الأكبر من «أم الكوارث» التي سيشكّلها انقطاع وشيك للبلاد عن العالم بفعل «زلزال انترنت» بات قاب قوسين بفعل إضراب موظفي هيئة «اوجيرو»، بدا أن العاصفة الأعْتى التي تضرب لبنان منذ 2019 بلغت «دَرَجَةٍ» أعلى من «القوة التدميرية» التي يُخشى تحترق معها أي جسور ممكنة للإنقاذ لتكون «بلاد الأرز» قطعت one way ticket إلى... الجحيم.
ومن خلف الدخان الأسود الذي غطّى محيط «المركزي» في محلة الحمراء خلال تحرّك العسكريين المتقاعدين الذي بدأوا احتجاجهم في ساحة رياض الصلح، أطلّت مخاوف من أن يكون مجمل الواقع المعيشي اقترب إلى الخروج بالكامل عن السيطرة وعن قدرة أي حلول ترقيعية على تأخير الانفجار المروّع.
فالتحرك الغاضب استعاد مظاهر احتقان كبير أمام مقر مصرف لبنان حيث سُجّل تَدافُع بين العسكريين المتقاعدين والقوى الأمنية التي نفّذت انتشاراً مكثفاً مدجَّجاً بتعزيزات عسكرية كانت سادت في محيط السرايا الحكومية في «رياض الصلح».
واحتدم المشهدُ حين حاول معتصمون اقتحام إحدى بوابات «المركزي»، فيما كان آخَرون يتسلقون جداره حيث نَجحوا في إزالة قسم من الأسلاك الشائكة.
وتوعّد المحتجون المسؤولين وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة بملاحقتهم «في أسرّتهم» هم «الذين سرقوا شعبهم ودمّروا البلد بكلّ مؤسساته وإداراته»، محذرين «من تمييع قضيتنا المحقة وصولاً إلى تصعيد لا تُحمد عقباه».
وتَصَدَّرَ مطالب المتظاهرين أن تُصرف رواتبهم حين يتم تحويلها إلى الدولار على سعر «صيرفة» لا يتجاوز 28500 ليرة الذي كان سائداً حين إقرار الموازنة، في موازاة قرارٍ رسمي كان متَّخذاً بأن يُعتمد سعر المنصة الحالي لمعاشات ابريل وهو 90 ألف ليرة لكل دولار.
ومنذ أكثر من عام، تلجأ السلطة إلى محاولة تعويض «تَبَخُّر» القدرة الشرائية لموظفي القطاع العام والمتقاعدين، بمسارٍ مزدوج من زيادات ومساعدات اجتماعية، ومن تحويل مجمل الراتب الى دولار على منصة صيرفة ما يتيح لهؤلاء مضاعفته أحياناً بأكثر من مرة ونصف وهو الفارق بين دولار المنصة و«الدولار الأسود».
ولكن منذ أن خرقت العملة الخضراء سقف مئة ألف ليرة «ذابت» قيمة كل المساعدات ليأتي تحويلها إلى «دولار المنصة» (90 الفاً) بمثابة «ضربة مميتة»، وهو ما يعكس أن واقع الرواتب بات يدور في «حلقة مفرغة» من زياداتٍ سرعان ما «يلتهمها» التضخم وارتفاع سعر الدولار الذي تنتظره وثبات جديدة مرعبة.
وفيما كان التحرك أمام «المركزي» يشتدّ، حاولت وزارة المال التخفيف من الاحتقان عبر تسريب أن الرواتب ستُحتسب على دولار 60 ألفاً، بالتوازي مع معلوماتٍ عن إمكان أن يدعو رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى جلسة لمجلس الوزراء الأسبوع المقبل لتحسين أوضاع العاملين في القطاع العام عبر منْحهم بدَل إنتاجية وبدل نقل (5 ليترات يوميّا)، ورفْع المساعدة الاجتماعية للمتقاعدين براتبيْن أو 3، وفي الوقت نفسه محاولة معالجة الإضراب الذي بدأه الأسبوع الماضي موظفو هيئة «اوجيرو» (الذراع التنفيذية لوزارة الاتصالات) والذي أدْخل البلاد في نفقٍ قد يقطعه عن العالم ويسبّب عزلة شاملة له ولمختلف القطاعات المصرفية والتجارية وغيرها ويستجرّ خسائر بالمليارات وأضراراً حذّر خبراء من أنها قد تفوق ما لحق بالبلاد جراء «بيروتشيما» (انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020)، ناهيك عن المخاطر الأمنية.
ولم يكن عابراً أمس ما أعلنه وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال جوني القرم من أنّه تشاور مع رئيس الحكومة صباحاً «وهو طلب منّه تدخل الجيش وتسلّم قطاع أوجيرو كاملاً»، مؤكداً «لا أقبل أن يأخذ أحد المواطن كرهينة، فقطاع الانترنت هو أمرٌ ضروي وأساسي لاستمرار الحياة وممنوع أي توقف»، وذلك بعدما كان وصف الوضع على صعيد الاتصالات والانترنت بأنه «خطير جداً جداً»، منبهاً إلى أنّ «أزمة الاتصالات كبيرة وستتأثر بها كل الأشغال والقطاعات» ولا سيما أن شركتي الخلوي «ألفا» و«تاتش» مهدّدَتان أيضاً بالتوقف عن العمل، ما سيعزل لبنان عن العالم.
علماً أن إنترنت والخطوط الدولية للشركتين الدولية، تعملان من خلال سنترالات «أوجيرو».
وفي حين اعتبر رئيس لجنة الإعلام والاتصالات النيابية النائب إبراهيم الموسوي تعليقاً على إضراب «أوجيرو» أن«البلد كلّه يتجه إلى كارثة محقّقة خلال فترة زمنية لا يمكن التنبّؤ بها قد تكون أياماً»، قوبل كلام القرم عن إمكان الاستعانة بالجيش اللبناني بإعلانِ المجلس التنفيذي لنقابة «أوجيرو» بعد اجتماع طارئ «ترحيبه بالجيش حامي الوطن والقلعة الصامدة المنيعة»، مؤكداً أنّ«جميع المراكز والمكاتب هي بتصرّفه من المركز الرئيسي إلى آخِر مركزٍ على مساحة الوطن»، ومشدداً على«الاستمرار بالإضراب المفتوح والاستعداد لمتابعة التفاوض حين تهدأ النفوس».
في موازاة ذلك، كانت «المَجاعة» التي تطرق أبواب سجن رومية مرة جديدة، تشق طريقها إلى دائرة الاهتمام وسط معلوماتٍ عن اتجاه لمعالجة أزمة الغذاء التي فجّرها إعلان متعهّدي المأكولات التوقف عن تأمين الطعام بدءاً من 4 أبريل بسبب عدم سداد مستحقاتهم.
وفيما كانت تقارير تتحدث عن أن وزير المال وافق على سلفة لتغطية هذه المستحقات، أورد موقع«النهار»الالكتروني أن إدارة سجن رومية، وفي خطوة تهدف للتقشّف، قلّصت أعداد أرغفة الخبز للسجناء من 5 أرغفة في اليوم إلى رغيف ونصف.
وإذ كان وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال مصطفى بيرم يعلن«رفع الحدّ الادنى للأجور ليصبح 9 ملايين ليرة في القطاع الخاص (نحو 83 دولاراً)، وبدل النقل عن كل يوم حضور 250 ألفاً»، مشيراً إلى أنّ «هذه الزيادة ستكون خاضعة للتعديل تبعاً لسعر صرف الدولار»، ساهَمَ وهج الملفات المعيشية في حجْب الأنظار عن الواقع السياسي الذي كان انطبع مع «أزمة الساعة» والتوقيت الصيفي بتوتراتٍ هوجاء حُمّلت برياح طائفية خطيرة تم احتواؤها من دون أن تتبدّد بالكامل تشظياتها العميقة.
وعلى وقع الأفق المقفل في الملف الرئاسي، يشهد الأسبوع الطالع تحريكاً للمساعي العربية في اتجاه لبنان حيث يصل إلى بيروت الاثنين وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمد عبدالعزيز الخليفي للاجتماع الى الرئيس نجيب ميقاتي وعدد من المسؤولين.
وتتزامن زيارة الخليفي، الذي تشكل بلاده جزءاً من الخُماسي العربي – الدولي الذي يواكب الملف اللبناني وكان اجتمع في باريس الشهر الماضي (يضمّ ممثلين للولايات المتحدة وفرنسا والسعودية ومصر وقطر) مع عودة رئيس الحكومة من أداء مناسك العمرة في المملكة العربية السعودية التي انتقل إليها بعد ظهر الأربعاء، وسط استمرار التحريات عن (الخطوة التالية) لميقاتي بعد الجِراح التي أصابته نتيجة القرار الارتجالي المتعلق بتأخير اعتماد التوقيت الصيفي حتى نهاية شهر رمضان المبارك، وكيفية ترجمته النمط الجديد في التعاطي في إدارة تصريف الأعمال ومع القوى السياسية التي رمت بين يديه «كرة النار».
ونقل موقع «لبنان 24» (التابع لميقاتي) عن أوساط حكومية معنية تأكيدها «ان كل ما يقال عن اعتكاف رئيس الحكومة مجرّد تحليلات يراد منها إثارة البلبلة وحرْف الأنظار عن الموقف الفعلي للرئيس ميقاتي بعد جلسة الحكومة الأخيرة (أقرّت العودة الى التوقيت الصيفي ليل 29 - 30 الجاري) والذي وضع فيه الجميع أمام مسؤولياتهم في التعاون لإدارة المرحلة على قاعدة أن الجميع شركاء في المسؤولية ولا يمكن رمي الأمور كلها على رئيس الحكومة، فيما الأطراف الأخرى المعنية، ومنها المُشارِكة في الحكومة ترسم أجنداتها الخاصة من دون الأخذ في الاعتبار التماسك المطلوب في هذه المرحلة المفصلية».
وشددتْ «على أن الضخ الاعلامي الممنهَج حيال اعتكاف مزعوم للرئيس ميقاتي، معروف الاتجاه والهدف وهو تحويل موقف رئيس الحكومة من مقاربة وطنية صرف الى اعتبارات شخصية، لتحويل الأنظار عن رسالته الواضحة لكل الأطراف داخل الحكومة وخارجها بوجوب التعاون مع رئيس الحكومة لتمرير المرحلة الصعبة».