فوضى التوقيتين تتمدّد... ومخاوف من تعميق الانقسام الطائفي وميقاتي دافع عن قراره
هل يكون انشطار لبنان حول الساعة... ساعة تفجير؟
- لبنان ينقسم إلى «منطقتين زمنيتين» ومدارس وكنائس وجمعيات تجار على التوقيت الصيفي
- مصرف لبنان يعتمد «التوقيتين» وعائلات بنظاميْ توقيت: مدرسيّ ووظيفي
- كبرى وسائل الإعلام «تمرّدت» على قرار تأجيل تقديم الساعة والتزمت «التوقيت العالمي»
... «ساعةُ تفجيرٍ». هكذا بدا «تجميد» رئيس الحكومة نجيب ميقاتي «بالتكافل والتضامن» مع رئيس البرلمان نبيه بري ولوجَ لبنان التوقيت الصيفي من منتصف ليل 25 - 26 مارس حتى 20 - 21 أبريل المقبل، ليَخرج من «الثلّاجة» أقوى مظهر انقسامٍ طائفي، عمودي وأفقي، منذ نهاية الحرب الأهلية التي عَرفت ترسيماتٍ جغرافيةً حدّدتْها خطوطُ تماس شطرت البلاد والعباد ولكنها لم تشهد «زمن التوقيتيْن» أو «مناطق زمنية» مقسّمة بين... مسيحي ومسلم.
وبدا سوريالياً أن تغرق بيروت في «أزمةِ الساعة» التي شغلتْ لبنان منذ أن أصدر ميقاتي الخميس، مذكرةَ إرجاءِ تقديم الساعة ساعة واحدة حتى نهاية شهر رمضان المبارك بتنسيقٍ بدا أقرب إلى «ضوء أخضر» من بري خلال جَلْسة بينهما أوقفتْ العملَ بقرارٍ صادر قبل أسبوعين عن مجلس الوزراء مجتمعاً وبخلفيةٍ تتصل بضروراتِ مواقيت الإفطار وقالها «بالفم الملآن» رئيسا الحكومة والبرلمان في فيديو تم تعميمه لعدم ترْك مجال لأي التباس حول ملابسات هذه الخطوة، قبل أن تنفلش ارتداداتها في شكل دراماتيكي السبت بعد «تَمَرُّدٍ» على ما اعتُبر تَفَرُّداً واتّخذ شكل «انتفاضة» تَشابَك فيه البُعد الطائفي عبر مقاربة ما حصل على أنه «استفرادٌ» بالمكوّن المسيحي مع التقني لجهة شبه استحالة التكيّف الإلكتروني (إنترنت واتصالات وأجهزة خلوية وكمبيوترات وبرمجة شركات و...) مع «انقلابٍ» على توقيتٍ ثابت منذ 1998 وجرى تعديله ولو موقتاً «بين ساعة وضحاها».
وفَرَكَ لبنان عينيْه أمس، على مشهد غير مسبوقٍ في تعبيره عن اهتراء دولةٍ لم تكن تنقصها إلا هذه الفضيحة لتتحدّد «ساعة إعلان فشلها» الذي تردّد دويّه في عواصم العالم ومنظمات ومؤسسات معنية بالتوقيت العالمي وعن بروتوكولات الإنترنت وأنظمة ترقيمه، وسط مخاوف من أن يكون «الفرز الزمني» بين التوقيت المسيحي والتوقيت المسلم الذي بدأ سريانه منتصف ليل السبت - الأحد «رأس جبل الجليد» في مرحلة ساخنةٍ سيدخلها لبنان بـ «ساعة صفر» خرج معها جمر الاستقطاب الطائفي بأقوى تعبيراته إلى فوق الرماد، فيما البلاد تصارع أعتى انهيار مالي وفراغاً رئاسياً متمادياً.
وذهبت أوساط سياسية إلى اعتبار أن ثمة «قطبة مخفية» وراء ما بدا «افتعالاً لأزمة»، إما يُراد منها إزاحة الأنظار عن التحذيرات الخطيرة التي أطلقها صندوق النقد الدولي في تقريره حول لبنان والتلكؤ في تطبيق الإصلاحات وتأكيده «أن التقاعس عن اتخاذ إجراءات مطلوبة من شأنه أن يدخل البلاد في أزمة لا نهاية لها»، وإما دفْع البلاد نحو المأزق الكامل ملاقاةً لمناخاتِ التوتر العالي في المنطقة وآخر تجلياتها في سورية وعلى «الجبهة غير النائمة» الإسرائيلية - الإيرانية، أو تحمية للأرض لاختيار «التوقيت المناسب» لجرّ الجميع إلى تسوية للملف الرئاسي على الحامي وفق معادلة «سليمان فرنجية أو الفوضى».
واستوقف هذه الأوساط ما اعتُبر «هروباً إلى الأمام» اعتمده ميقاتي الذي قابَلَ «هبّة الاعتراض» المسيحية، التي توّجتْها بكركي وسائر الكنائس التي أصرّت مع المؤسسات التربوية وغيرها التابعة لها على اتباع التوقيت الصيفي ابتداء من منتصف ليل السبت - الأحد، بإلغاء جلسة لمجلس الوزراء كانت مقررة اليوم، لتحسين رواتب القطاع العام وبحث ملف إضراب موظفي «اوجيرو» مع تلميح إلى استقالة من تصريف الأعمال.
وقد أعلن ميقاتي «يبدو أن البعض يحاول تحويل الأنظار عن تعطيله لعملية الانتخاب الرئاسية أو فشله في تأمين التوافق المطلوب لإتمام هذا الاستحقاق، بالتصويب مجدداً على الحكومة»، مؤكداً «أن أمام السادة النواب والقيادات السياسية والروحية المعنية مسؤولية انتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة جديدة. فليتحمّل كل طرف مسؤوليته. وللبحث صلة».
وأبلغ ميقاتي إلى صحيفة «النهار» أنه كان اتصل بالبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي «وشرحتُ له الأسباب التي حتّمت اتّخاذ القرار والتي لا علاقة لها بأيّ اعتبار يُسيء إلى أيّ مكوّن لبناني، لكن يبدو أنّ المزايدات الطائفية والتجييش الذي شهدناه أفضت إلى إصدار بيان البطريركية المارونية، وكنّا نتمنّى لو لم يؤخذ الموضوع في غير منحاه الإداري البحت».
وفيما نفى ميقاتي وجود أي مخاطر وأضرار تترتب على قراره، عكس اعتمادُ مصرف لبنان المركزي «توقيتين» الأول لدوام الموظفين وفق قرار رئيس الحكومة، والثاني التوقيت العالمي للتعاملات المالية الخارجية باعتبار أنّ خوادم الكمبيوترات مُبرمجة وفق التوقيت الصيفي ولا مجال لمعالجتها في 24 ساعة، حجمَ الإرباكات والفوضى التي سبّبها إجراء ميقاتي.
ولم يكن مألوفاً أمس ظهور وسائل إعلام تلفزيونية (ال بي سي آي، الجديد، ام تي في) وإذاعية ومواقع إلكترونية لصحف وجمعيات تجار وغيرها بتوقيتٍ «زائد ساعة» لنبقى «على التوقيت العالمي» وتفادياً لمَخاطر تقنية، فيما مؤسسات أخرى بقيت على التوقيت الشتوي، وسط «طوفان» على مواقع التواصل الاجتماعي التي ضجّت بتعليقات كان أكثرها تعبيراً «إذا أردتَ أن تعرف لبنانياً إلى أي دين ينتمي، سَلْه كم الساعة».
وبينما كان «ام تي في» يعلن «أن البعثات الديبلوماسية اللبنانية أعلنت تعذّر الالتزام بقرار الأمين العام لرئاسة مجلس الوزراء بسبب استحالة اعتماد توقيت داخل مبنى السفارات وآخَر خارجها»، يُنتظر أن تبدأ اليوم تداعيات هذا «الانقسام» بالظهور في يوميات اللبنانيين حيث سيحطّ داخل عائلاتٍ ستطبّق قسراً «نظام التوقيتين» في ضوء اعتماد المدارس الكاثوليكية والعديد من المؤسسات التربوية في المناطق المسيحية، الساعة المحدَّثة، فيما الأهل يعملون في شركات ومصارف (أو في القطاع العام) بقيتْ على «التوقيت الرسمي» ما سيتسبب بمشكلات في تنسيق الدوامات، ناهيك عن أسئلة حول كيفية تصرف مؤسسات تملك فروعاً في أكثر من منطقة.
في موازاة ذلك ورغم إبلاغ شركات الاتصالات إلى زبائنها وقْف «التوقيت الآلي» في أجهزتهم الخلوية، فإن غالبيتهم اضطرت لإجراءاتٍ أخرى مثل ضبط الهواتف على توقيت القاهرة أو ليبيا، لمَن اختاروا التزام التوقيت الرسمي، فيما أبقى الآخَرون على هواتفهم وكمبيوتراتهم وغيرها من أجهزة إلكترونية وفق برمجة الانتقال الآلي إلى توقيت الصيف درءاً لصعوبات تقنية.
وكان لافتاً أن مكتب وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري خوري أصدر بياناً اعتبر فيه «أن قرار الأمانة العامة لمجلس الوزراء بتأجيل تحديد الدوام الصيفي مدة شهر واحد مخالف لقرار مجلس الوزراء الصادر بتاريخ 20-08-1998. وهو بالتالي يكون صادرا عن سلطة غير صالحة، ومخالفا لمبدأ الشرعية».
ورأى «أن هذا القرار أحدث بلبلة في المجتمع اللبناني، وتسبّب باضطرابات وانقسامات على صعيد المراجع الدينيّة العليا والمؤسسات الإعلامية والتربوية الخاصة التي أعلنت جميعها جهاراً أنها لن تلتزم بالقرار، كما إنه خالف التوقيت العالمي المعمول به منذ عقود الأمر الذي سيسبب مشاكل جمة للشركات اللبنانية كافة وأعباء مالية كبيرة في قطاع يعاني أصلاً من مفاعيل الأزمة الاقتصادية الخانقة. لذلك، ندعو دولة رئيس حكومة تصريف الأعمال الرجوع عن هذا القرار درءاً للمخاطر الكارثية التي قد تنجم عنه».
الراعي: احتلال بكل معنى الكلمة للدولة ومقاليدها
انتقد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي «العمى السياسيّ الذي تسبّب ومازال يتسبّب بانهيار لبنان المتصاعد اقتصاديّاً وماليّاً واجتماعيّاً، حتى صُنّف في الموقع 136 قبل البلد الأخير في سوء العيش».
وقال الراعي في عظة الأحد: «لبنان سويسرا الشرق، هكذا اصبح اليوم. هذا العمى السياسيّ، النابع من الكبرياء والأنانيّة والمصالح الخانقة والأهداف الخبيثة، جعل الكتل النيابيّة ومَن وراءها من النافذين يمعنون، من دون أيّ وخز ضمير، في عدم انتخاب رئيس للجمهوريّة، كي لا تنتظم المؤسّسات الدستوريّة، وفي طليعتها المجلس النيابي الفاقد صلاحيّة التشريع والمساءلة والمحاسبة، والحكومة الفاقدة صلاحيّة عقد جلساتها لاتخاذ القرارات الإجرائيّة بموجب الدستور».
وسأل «لماذا؟ أيّها السادة، توجّهون مسؤوليّتكم الدستوريّة إلى خراب الدولة وحرمانها من الإصلاحات ومن مواردها؟ أتؤثرون العمى السياسيّ عمداً، ولا تريدون أن تشفوا منه؟ ألأنّكم فعلًا تريدون خراب لبنان وقتل شعبه ماديّاً ومعنويّاً؟ فيا لسوء الزمان الذي أوصلكم إلى حيث أنتم من احتلال بكلّ معنى الكلمة للدولة ولمقاليدها! لكن إعلموا أن الظلم لا يدوم، وأنّ الظالم يبلى بأظلم! كما يعلّمنا التاريخ».
دعا شباب «التيار الحر» للاستعداد للنزول إلى الشارع
باسيل: إجت الساعة قد ما ترجّعوها لوَرا
أكد رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل أن «لبنان الكيان والوطن والدولة والنموذج والرسالة بخطر ووجودنا كلنا كلبنانين بخطر اذا استمرّرنا متمترسين بمواجهة بعضنا ورافضين الحوار كطريق للخلاص»، مشيراً الى ان «لا غالبيّة نيابيّة لفريق واحد في لبنان ولا حلّ إلا بالاتّفاق ووبناء الدّولة سيفشل من دوننا».
ورأى باسيل في كلمته خلال المؤتمر الوطني الثامن للتيار الحر على أن «التيار وشبابه يتصدون لأكبر جريمة سرقة شهدها العصر، ومعركتنا لتحرير بلدنا من الذين سرقوا أموالنا مستمرّة وأنا أدعو شباب التيار، للاستعداد للنزول إلى الشارع لمواجهة«الحرامية»؟
وأكد في غمز من قناة الرئيس نجيب ميقاتي أن«وقف العدّ لا يكون بالكلام والتهويل بـ 19.5 في المئة (ما ذُكر عن انها نسبة المسيحيين في لبنان) بل بالقانون الارثوذكسي بمجلس النواب، وبمجلس الشيوخ وبالدولة المدنيّة وبإلغاء الطائفية بالكامل، وبقيام اللامركزية الموسّعة وإلغاء مرسوم تجنيس 94 وتنفيذ قانون استعادة الجنسية وعدم دخول سوريين غير نازحين، وبعودة النازحين».
ولفت الى «أننا نريد للبنان أفضل العلاقات مع دول العالم وخصوصاً مع الدول العربية وتحديداً الخليجية ولكن نرفض أي شي يسيء لوجودنا».
وفي سياق آخر، اعتبر «انهم يريدون رئيساً مجرّداً من أي برنامج وفكر وشعب رئيساً بيرجّع ساعة البلد بدل ما يقدّم ساعة الاصلاح فيه. وأريد أن أقول لهم، إجت الساعة قد ما ترجعوها لوَرا».
وقال: «انا مرشّح طبيعي (للرئاسة) ومنطقي كوني رئيس التيار صاحب أكبر كتلة نيابية. ولم أترشّح كي لا أكون سبب الفراغ وقمنا بتنازلٍ كبيرٍ للحل الكبير ففسّروا موقفنا المسهّل كأنه ضعف وشنّوا علينا حملة وقاموا برهانات خاطئة على شرذمة التيار وتفكيكه».
وأضاف: «حزب الله أكّد لي مراراً انّ من المستحيل ان يطرح أحداً او يقبل بأحدٍ لا أقبل انا فيه. وعندما سألت، اذا تأمّن 65 صوتاً لسليمان فرنجية بتمشوا فيه من دوننا؟ حزنوا وأتى الجواب مرّات عدّة على كلّ المستويات، انّه كيف تسمح لنفسك ان حتى تفكّر بالأمر"؟