مَنْ تعمّق في معاني آيات القرآن الكريم رأى حقائق جديدة في القرآن الكريم وكأنه يقرؤه للمرة الأولى، وتلك هي القراءة الحقيقية التي تنفع القارئ في الدنيا والآخرة، وكما ورد عن السلف الصالح رضوان الله عليهم أنهم لا يتجاوزون الآية حتى يتعلموا جميع ما فيها من أحكام وتوجيهات شرعية، ويعملوا بها، فلا ترتيل للآيات بذهن مشغول، وإنما بصفاء العقل حتى يتعلّم العلم الحقيقي، وقد أثبتت دراسات علمية عدة التأثير المذهل عند التعمق في التلاوة على القارئ، وأولها انه يرفع المستوى النفسي للإنسان ويضمن الطمأنينة له، ويزيد من الثقة بالنفس والإحساس بالقوة والثبات والتخلص من الخوف والحزن والقلق، ومن أعظم فوائد قراءة القرآن الكريم تقوية اللغة العربية والمنطق والتمكن من الخطابة والقدرة على الاستيعاب والفهم، وكثرة قراءة القرآن تعطي القارئ الذكاء وقوة الذاكرة، قال صحابي: كان يُقال إن أبقى الناس عقولًا قُرّاء القرآن، وقال القرطبي: (مَنْ قرأ القرآن مُتّع بعقله وإن بلغ مئة...).
ويطرح البعض خصوصاً طلبة العلم سؤالاً... أيهما الأولى؟ الحفظ أم القراءة؟ يقول في ذلك الإمام النووي: (القراءة في المصحف أفضل من القراءة عن ظهر قلب؛ لأنها تجمع القراءة والنظر في المصحف) وقد بيّن بعض العلماء ان الفارق أو الأولية يرجع إلى ما يزيد من الخشوع، فإن كانت القراءة من المصحف تزيده خشوعاً فهي الأفضل، وإن كانت القراءة عن ظهر قلب هي التي تزيد الخشوع صارت الأفضل، وإذا استوى خشوعه في الحالين فالقراءة من المصحف أفضل؛ لأنه يجمع بين القراءة والنظر، ويحفظ بصره من الالتفات إلى ما يشغله عن القراءة والتدبر، فالفاصل هو الخشوع والطمأنينة وتأمل معاني الآيات.
ومما يُحكى في ذلك ان أحد الصالحين على فراش الموت يُنادي ابنه ويقول: يا بُنيّ أعطني المصحف؛ لأنني نسيت آية من القرآن وأحب أن أتذكرها، فقال الولد: يا أبتِ: وما تنفعك الذاكرة الآن؟ فقال الرجل الصالح: إنني لأن ألقى الله وأنا حافظ لهذه الآية أَحبُّ إليّ من أن ألقاه وأنا جاهل بها!
فكل مَنْ سار في ذلك الطريق ألهمه الله حب القرآن والتعلّق به، وكل مَنْ يحفظ شيئاً من كتاب الله ويداوم على الاستماع إلى القرآن يشعر بصفاء الذهن.
والقراءة بلا حفظ فيها البركة أيضا والرزق الكبير، ومن أروع الأمثلة في ذلك أن رجلاً كان يداوم على قراءة القرآن ولا يحفظ منه شيئاً، وفي يوم سأله ابنه: يا أبتِ أراك تقرأ القرآن ولكنك لا تحفظ منه شيئاً، فما فائدة قراءتك للقرآن دون حفظه، فطلب منه الأب القيام بمهمة بسيطة قائلاً املأ السلة من ماء البحر-سلة مصنوعة من القش مليئة بالفحم- تعجب الابن قائلاً: كيف يا أبتي أملأ؟! انها من القش مع ما فيها من الفحم! حاول الابن بكل جهده، ولكن الماء يتسرّب من السلة، حاول مراراً وتكراراً حتى اعتراه التعب وأرهقه، حينها رجع إلى والده وأخبره باستحالة حدوث ما طلب منه، رد الوالد: يا بُني تمعّن بنظرك جيداً في السلة، وأخبرني هل من تغيرات طرأت عليها؟ الابن: نعم لقد أصبحت نظيفة بعدما أزال عنها ماء البحر بقايا الفحم التي كانت تلتصق بها... رد الوالد بحكمة: إن الحياة بما فيها تجعل القلب مغلّفاً بالذنوب والمعاصي، وقراءة القرآن تُنظف القلوب وتُزيل عنه كل ما خلّفته أمور الدنيا كما فعلت مياه البحر بسلة القش عندما أزالت عنها رواسب الفحم العالقة بها...
فلا شك أن القراءة من المصحف أو حفظ آياته، فيها خير كبير، ففي كثرة التلاوة راحة للنفس وطهارة للقلب وقوة للعقل.
اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا، تقبل الله منكم الطاعة... وارزقنا ختم القرآن في شهر رمضان.
aalsenan@hotmail.com
aaalsenan @