No Script

خواطر صعلوك

المدير «أبو كشخة»...!

تصغير
تكبير

في الخمسينات، وفي الوقت الذي كان فيه المواطن الكويتي يرتدي أحذية «سكسون» الإنكليزية، وأحذية «سلمندر» الألمانية، ويستخدم راديوات وثلاجات «سيمنز»، وكاميرات «أكفا» ومكيفات هواء «أمافا» الأميركية، وساعات «رولكس» الشهيرة و«زودياك» ذات البعد الثالث و«وست إند» التي لا تتأثر بالماء والممغنطة، وعطور «لانفان» وكريستان ديور وكارفن وجاك فات، وكرفتات «سولكا» العالمية... في هذا الوقت تحديداً كان المواطن الكويتي «كشخة» وكان يعمل ويبني البلد بكل قوة رغم كشخته، فكان المواطن والوطن كلاهما على درجة كبيرة من الأناقة، فأرست الكويت قواعد أكبر مدرسة ثانوية في الشرق الأوسط، وأكبر وأول مطبخ مركزي لخدمة المدارس، وأكبر موانئ العالم لشحن البترول، أكبر وأسرع تطور اقتصادي في العالم، وأول دولة خليجية تفتتح بث تلفزيون في دولة أخرى، وأول دولة حصلت على استقلالها في دول الخليج العربي، و70 في المئة من الدخل القومي يُصرف على المشاريع الإنشائية والتنموية.

ولأن الشعب كان «كشخة» ويعمل بإخلاص، فقد كان في الكويت أقل متوسط حوادث وجرائم في الشرق الأوسط، حتى أن جريدة الجمهورية المصرية في فبراير عام 1956م كتبت عن الكويت تحت عنوان «الأمن والطمأنينة يرفرفان فوق أرجاء الكويت، حتى أن المتوسط العادي للحوادث فيها لا يزيد على حادثة واحدة (كبيرة) كل ستة أعوام كاملة...»!، وتُكمل الجريدة أيضاً أنه «في عام 1952م تم تأسيس أول بنك وطني في تاريخ منطقة الخليج العربي». أما في عام 1959م فكتبت مجلة التحرير «أن طلبة الكويت أسعد طلبة في العالم بسبب الخدمات التي تُقدم، وأن الكويت هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تضاء قراها جميعاً بالكهرباء».

ثم مضت الأيام، وتعرضنا لغزو، وخرجنا من الغزو ومازلنا «كشخة» والحمد لله، في الملابس والمراكب والبيوت والعطور والأحذية والأقلام والأجهزة... كشخة في كل شيء، حتى أصبحنا علامة مميزة كشعب في ذلك.

ولكن في العمل والإنتاج والتعليم والصناعات الإبداعية... أصبحنا في مكان أخر.

وأصبحت 80 في المئة من ميزانية الدولة تُصرف على الرواتب والدعوم، فخذ مثلاً ذلك المدير أبو «كشخة» الذي يُعلق خلفه كل صور القيادات التي قابلها في حياته، والأماكن التي سافر لها، كشخة في بخوره وعطوره ومكتبه، أما في العمل وتحقيق مصالح الدولة والمواطنين وتفعيل وصفه الوظيفي فهو في الواقع ليس أبو كشخة على الإطلاق...، ورغم أني أعلم أن هذا النوع من الناس ليس شخصية شريرة ولا فاسدة بالفطرة، لكنه أيضاً ليس خيراً ولا محصناً من الفساد، فأنا على يقين أن أمثاله جعلونا نصل لمرحلة كبيرة من التأخير.

وفي مبادرة جماعية من موظفات إدارة «أبو كشخة»، قامت 60 في المئة من الموظفات بتعديل مسار وشكل أنوفهن من أجل واجهة مُشرفة للمؤسسة، وقد كانت مبادرة مهمة لا يقدر عليها إلا الله وعباده المصطفون من أطباء التجميل... ولذلك أصبح أطباء التجميل أهم من المدراء التنفيذيين في الوطن لإخفاء العيوب.

ثم أصبحت الحكومات المتعاقبة مثل «الحلاقين» لا ضير من تغييرهم من حين لآخر، فكلها قصات شعر واحدة لا جديد فيها، فكل مدير يُشبه مديراً، وكل وزير لا يختلف عن وزير آخر... وأصبح مجلس الأمة ولله الحمد والمنة لا يحتاج إلى أطباء تجميل، فقد وصل لدرجة من القُبح التي أصبح يحتاج فيها إلى أطباء نفسانيين..المهم أننا شعب «كشخة» ونقدر جداً كل شخص أبو «كشخة». وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.

دعاء:

أسأل الله التوفيق والسداد لسمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح، بارك الله خطاه ومسعاه، وجعل له بصيرة وقدرة، وقبولاً ومقعد صدق بين الناس والدولة.

moh1alatwan@

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي