سنستكمل اليوم مرة أخرى ما طرحناه في مقال سابق عن لقاء صاحب السمو امير البلاد (حفظه الله) مع 12 نائبا حينما تناول سموه معهم هموم المواطنين ومشاكلهم وابدى عتبه على استعجال تفويت الفرص الاستثمارية التي كان يمكن ان تستفيد منها الكويت استفادة كبرى، ومنها مشروعا «المصفاة الرابعة» و«الداو كيميكال» اللذان كانا في الامكان عدم الاستعجال في رفضهما كونهما كانا من افضل الفرص الذهبية على الكويت وعلى شعبها الكريم، وسنطرح اليوم مشروع المصفاة الرابعة تحديدا وكيفية إلغائه برغم ميزاته الرائعة، ان مشروع المصفاة الرابعة يعتبر احد اهم المشاريع التنموية التي تبناها القطاع النفطي، وهو مشروع استراتيجي وبيئي تابع لشركة البترول الوطنية الكويتية، ويهدف هذا المشروع الى توفير احتياجات محطات توليد الكهرباء من الوقود «النظيف» الذي يساعد على وجود بيئة صحية نظيفة ونقية في الكويت بعدما شاهدنا بأم اعيننا كيف كان ولايزال القطاع النفطي ومحطات القوى وتقطير المياه والمصانع والسفن سببا رئيسيا في تشويه وتلوث البيئة في البلاد، وذلك لما يستخدم لديهما من الوقود «الثقيل» الذي يتسبب في انبعاثات ضارة ولعل ما يحدث في منطقة ام الهيمان وصباح السالم والقرين والفحيحيل خير مثال عليه، كما ان المشروع يعد الاكبر لبناء مصفاة جديدة لتكرير النفط في العالم حتى الان! وستكون المصفاة الجديدة اكبر مصافي شركة البترول الوطنية الكويتية بحيث ستبلغ طاقتها التكريرية 615000 برميل يوميا من الانواع المختلفة من النفط الخام الكويتي الممتاز، ما يعد موردا استراتيجيا اقتصاديا للنفط الكويتي الثقيل... ان مشروع المصفاة الرابعة ميزة فريدة من نوعها بالبلاد لأنه سيؤدي الى تحسين الوضع البيئي فيه من خلال انتاج 225000 برميل يوميا من زيت الوقود ذي المحتوى الكبريتي المنخفض بنسبة 1 في المئة، وهو خلاف لما يحتويه النفط الحالي بنسبة 4 في المئة من الكبريت، وهو ما سيؤدي في النهاية إلى تخفيض الملوثات المنبعثة من محطات توليد الكهرباء بنسبة كبيرة جدا، كذلك ستنتج المصفاة الجديدة نحو 340000 برميل في اليوم من المنتجات النفطية المكررة عالية الجودة ذات المحتوى الكبريتي المنخفض، وبالتالي تكون مطابقة تماما مع المواصفات العالمية المستقبلية للتصدير إلى الاسواق العالمية، فضلا عن ايجاد فرص عمل متنوعة لسوق العمل ولمخرجات التعليم الكويتي بحيث تقضي نسبيا على كمية البطالة وتشجع الشباب الكويتي من الخريجين على الانخراط في القطاع النفطي، غير ان لمشروع المصفاة الرابعة ايجابيات متنوعة ذات ابعاد اخرى، كالمساهمة الايجابية والفعالة في تنمية اقتصاد البلاد وازدهارها.
نجد ان العالم كله متجه الآن الى استخدام وقود خال من الكبريت في جميع الأماكن الصناعية المنتجة، نظرا إلى ما يتمتع به من مواصفات صحية وبيئية عالية الجودة للابتعاد عن الانبعاثات الضارة تماما والتي تؤذي الانسان والبيئة عموما، لذلك، ان كنا ننظر إلى مشروع المصفاة الرابعة بنظرة المنفعة الاقتصادية فهو ناجح جدا، وان كنا ننظر بنظرة المردود البيئي فهناك دراسات وبحوث عدة قد اجريت عليه وتبين من خلالها اهمية هذا المشروع الحيوي والتنموي من ناحية الوقود النظيف الذي يساهم في تخفيض هذه الانبعاثات الملوثة إلى الحد الادنى وملاءمته للبيئة الكويتية.
بكل أسف وحسرة، بعد هذه الامتيازات وهذه الدلائل كلها لهذا المشروع نجد انه تم تعليقه بسبب الشد والجذب من قبل الاطراف السياسية المختلفة في البلاد وتغليب المصلحة الشخصية على المصالح العليا للبلاد... ولكن الكويت في النهاية هي التي تدفع الثمن... ويبقى السؤال هنا: الى متى سيستمر تدخل القوى السياسية في مشاريع القطاعين النفطي والصناعي في البلاد؟
حفظ الله الكويت وشعبها من كل مكروه...
علي محمد الفيروز
كاتب وناشط سياسي كويتي
[email protected]