No Script

مسؤول مالي يرسم لـ «الراي» سيناريو قاتماً

دولار الخمسين ألف ليرة يرفع حرارة الاضطرابات في لبنان

دولار الخمسين ألف ليرة يرفع حرارة الاضطرابات في لبنان
دولار الخمسين ألف ليرة يرفع حرارة الاضطرابات في لبنان
تصغير
تكبير

دقّ الدولار الأميركي نفيرَ الخمسين ألف ليرة لبنانية في أسواق المبادلات الموازية، مستبقاً اعتمادَ السعر الرسمي الجديد للعملة الوطنية بدءاً من أول فبراير المقبل عند مستوى 15 ألف ليرة لكل دولار، أي بصعود يماثل 10 أضعاف السعر الساري «دفترياً» حتى نهاية الشهر الحالي، متحدياً كل التدابير السابقة واللاحقة الموعودة التي يتخذها البنك المركزي توخياً لكبح الانهيار النقدي.

وإذ يغلب الأثَر النفسي المؤلم على المعطيات الرقمية البحتة، باعتبار أن أسواق الاستهلاك كافة تعتمد سقف الخمسين ألف ليرة منذ أسابيع وبالتحديد منذ شهر تقريباً مع ارتفاع سخونة المضاربات النقدية واقتراب الدولار من عتبة 49 ألف ليرة حينها، فقد أثبتت التجربة «المستنسخَة» انعدامَ فعالية أي إجراءات أو تدخلات ترتبط بمنظومة أسعار الصرف، ما لم تستند الى تبدلاّت حاسمة في الأجواء الداخلية القاتمة التي تتكفل بتعظيم شتى المَخاطرالسيادية.

وتقرّ مصادر مالية ومصرفية معنيّة، بالعجز عن التعليق على المستجدّ النقدي.

ففي ظل احتدام الاشتباكات السياسية التي تحاصر كامل الملفات الداخلية والاستحقاقات الدستورية وتمنع إعادة انتظام السلطة التنفيذية انطلاقاً من رأس الهرم المصاب بشغورٍ يصعب تقدير مداه الزمني، ينفتح الوضعُ الداخلي على إشكاليةٍ مستعصية ومَخاوف جدية ذات أبعاد دولية يُرجح أن تَنتج عن التحقيقات الأوروبية الجارية في بيروت في شأن عمليات مالية تخص حاكم البنك المركزي رياض سلامة وتحتمل شُبهة غسل (تبييض) الأموال، ما يضع القطاع المصرفي بكامله في مواجهة مرحلةٍ حساسة ودقيقة قد تصيبه بأضرار غير محسوبة تمتدّ خطورتُها إلى شبكةِ علاقاته مع البنوك الخارجية المُراسِلة.

وبالتالي، يقرّ مسؤول مصرفي كبير في اتصال مع «الراي» بأن ما تُظْهِرُهُ قمة جبل الجليد في الانحدار المتواصل للعملة الوطنية من وقائع كارثية، لا يعكس فقط استمرار التوغل في نفق الأزمات العاتية التي تضرب البلد ومعيشة المقيمين فيه واقتصاده وقطاعاته الحيوية، انما هو يشي بحقيقة التوجس الأخطر والذي يكمن في الاندفاع المجنون صوب التحلّل المكتمل للدولة ومؤسساتها، ومن ثم «استنفاد رأس المال المادي والبشري والاجتماعي والمؤسسي والبيئي بسرعةٍ وعلى نحو قد يتعذّر إصلاحه» طبقاً لتحذيرات البنك الدولي.

وفي حين يتوقع المسؤول عيْنه، مبادرةَ البنك المركزي إلى تنشيط تدخله في السوق لعرْض الدولار النقدي عبر منصة صيرفة بسعر 38 ألف ليرة المعتمد حالياً معزَّزاً بتدابير رقابية تستهدف الحدّ من عمليات المتاجرة والتهريب خارج الحدود، فإن المودعين والمقترضين والأسواق يترقّبون مضمون الإجراءات التنظيمية التي سيجري اعتمادُها خلال الأيام القليلة المقبلة، لضبْط انفلاش الكتلة النقدية بالليرة عبر تحديد سقوف السحوبات الشهرية بالسعر الجديد للدولار «المحلي»، أي بسعر 15 ألف ليرة لكل دولار.

لكن الوقائع الحسيّة التي فرضت على البنك المركزي إدخال تعديلات جوهرية على مبادرته وتحويلها مقيَّدة بشرطيْ تمكين الأفراد حصرياً من إجراء عمليات الصرف (على صيرفة) وبحصةٍ شهرية تقارب 2500 دولار فقط، لا تزال ماثلةً ومحتفظة بزخمهما القويّ لصدّ أي محاولةٍ جديدة أو معدَّلة تستهدف «فرملة» انحدار سعر الليرة. وهو ما يدفع بالترقبات النقدية، بحسب المسؤول، الى «السودوية»، ما دامت بقيت الأوضاع الداخلية على مسلكها في تسريع الصعود إلى الهاوية.

ولوحظ في هذا السياق أن «هَنْدَسَةَ» التدخل النقدي من مصرف لبنان التي تجاوزت أرقامُها التداولية نحو 1.5 مليار دولار عبر منصة صيرفة بدءاً من الأيام الثلاثة الأخيرة للعام المنصرم، تطلبت «التضحية» بنحو 166 مليون دولار فقط من احتياطه بالعملات الصعبة، بينما هي ساهمت فعلياً في امتصاص جزء وازن من الكتلة النقدية المحرَّرة بالليرة المتداوَلة في الأسواق. وهو ما تترجمه معطياتُ ملخص ميزانية البنك المركزي لمنتصف الشهر الحالي، والتي تابعتْها «الراي» حيث يبرز تقلص حجم الكتلة الى نحو 67 تريليون ليرة، أي بمقدار 13 تريليوناً عن مستواها في بداية العام.

ويمكن نظرياً احتواء الرصيد المتبقي بالليرة بكامله عبر ضخ نحو 1.34 مليار دولار بسعر الأسواق الموازية أو بنحو 1.76 مليار دولار بسعر منصة صيرفة من الاحتياطات المستقرة حاليا عند مستوى 10 مليارات دولار. لكن ضرورات الضخّ المستمرّ للرواتب ولمصاريف القطاع العام وللسحوبات المتاحة من الودائع من شأنها تبديد مفاعيل هكذا تدخّل حاسم، ما دام لم يستند الى تحولات إيجابية في المشهد السياسي العام.

وبذلك، ترتقي المخاوف المشروعة الى مستويات تأجيج الاضطرابات الظاهرة والكامنة بما يتكفل بنسف الاستقرار الهش والدخول مجدداً في فوضى عارمة تتكىء على العنوان النقدي الذي يحشر المزيد من المقيمين في زاوية العوَز والفقر المدقع. وما الارتفاعات المتوالية التي تسجّلها أسعار المحروقات يومياً، سوى إشارة الى موجة غلاء جديدة وعاتية تصل بالتضخم إلى أرقام فلكية بعدما تخطت حصيلتها التراكمية عتبة ألفين في المئة على مدى سنوات الأزمات الملتهبة منذ خريف 2019.

وفي سياق جانبي ذات صلة بإدارة مصروفات الاستهلاك، لمحت نقابة أصحاب السوبرماركت الى اتخاذ القرار بوقف قبول الدفع بالبطاقات المصرفية بالليرة اللبنانية، بسبب عدم تمكُّنها من إستخدام الأموال المقبوضة عبر البطاقات المصرفية في دفْع الرسوم وما يترتّب عليها للمورّدين، أي أن هذه الأموال ستبقى محتجَزة في المصارف من دون أي قدرة على استخدامها، وذلك تبعاً لقرار وزير المال الذي يقضي بدفع نصف الرسوم الجمركية على السلع المستوردَة نقداً بالليرة اللبنانية.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي