ممدوح إسماعيل / خصوصية لا طائفية في بلد السكر نجع حمادي... لماذا؟

تصغير
تكبير
ما حدث في ليلة السابع من يناير في نجع حمادي ليس معزولاً عن أحداث كثيرة تحدث في مصر، خصوصاً في الملف الطائفي المعقد والحساس جداً.

قالوا إن جريمة نجع حمادي تمثل حالاً صارخة لكشف الغطاء عن حال احتقان بلورتها تلك الجريمة غيرالمبررة، ويستدل على ذلك بحال المناخ العام، فهو مناخ متوتر عمل على إشعال ناره بعض منظمات مسيحية تعمل في بلاد المهجر في أوروبا وأميركا تغذيها أجندات غربية لمحاولة ابتزاز الحكم في مصر.

لكنني أعتقد أن ما حدث في مدينة نجع حمادي له خصوصية مطلقة، فهي تلك المدينة التي تقع في محافظة قنا في جنوب مصر، والتي تنفرد بأن المحافظ مسيحي، وتشتهر بزراعة قصب السكر، لكن أهم ما ينبغي معرفته عن النسيج الاجتماعي في قنا ونجع حمادي هو أن معظم أهل قنا المسلمين يعتزون بنسبهم إلى العرب المسلمين.

وتوجد ثلاث قبائل تعتز جداً بذلك بعصبية شديدة وهم: الأشراف الذين يحتفظون بنسب إلى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) والعرب، والهوارة. وتعتبر قنا هي قمة صعيد مصر الذي يتميز ببأسه وجلده وشدة غيرته على العرض والشرف واعتزازه بكرامته، «وتعصب بعضهم يشبه تعصب العرب قبل الإسلام لقبائلهم»، وفي تلك البيئة الصعيدية يوجد أيضاً المسيحيون الأقباط، ولهم وجود قديم في قنا ولهم صفات الصعايدة.

وأهم ما يلفت النظر في محافظة قنا هو أنهم يتميزون بأنهم محافظون متمسكون بالعادات والتقاليد، ويقال بالتعبير الشعبي «رجالة الصعيد في قنا».

أما عن الحال الإسلامية فلا يخفى وجود مركز وبؤرة قديمة للجماعة الإسلامية خرجت منها قيادات ساهمت في اغتيال السادات والقيام بنشاط عنف شديد في التسعينات، كان أبرزه الاعتداء على السياح، فقد كانت أول حادثة عنف ضد السياح الأجانب في قنا، ولكن ذلك كله انتهى تماماً منذ أعوام بمراجعات الجماعة الإسلامية. ويوجد نشاط أيضاً ملحوظ لجماعة «الإخوان المسلمين» قائم ومستمر بخلاف وجود بسيط لجماعة «أنصار السنة» و«الجمعية الشرعية». ولا يخفى التواجد الصوفي الكبير في قنا. الشاهد أن قنا تتميز بالتدين، مع طابع الاعتزاز بالنفس والثأر، والإسلاميون في قنا نددوا بالحادث على اختلاف توجهاتهم.

وبالرجوع إلى ما حدث ليلة السابع من يناير نجد أنه قد سبقته في قنا حادثة ظلت محل اهتمام مصر كلها، وهي اعتداء شاب مسيحي على طفلة مسلمة واغتصابها في مدينة فرشوط، إحدى مدن قنا القريبة من نجع حمادي، وهو ما اعترف به محافظ قنا المسيحي، وأقر بوجود استفزازات مسيحية ما جعل الحال النفسية في قنا متوترة.

وفي ظل البيئة الصعيدية المعتزة بكرامتها وبحرصها على الثأر والعرض يمثل أغلى ما تملك وجرائم الدفاع عن العرض لا تحصى وقعت تلك الحادثة، وهي جريمة عشوائية، بمعنى أن القاتل عندما لم يستطع استهداف المجرم المغتصب مثلاً، وأعماه غضبه فاستهدف من لا علاقة لهم بالحادثة كي يشفي بجهله غيظه.

والجريمة لا تبرر، ولكن ينبغي تحجيمها ووضعها في وضعها الطبيعي، فهي ليست فتنة إنما رد فعل موجود بكثرة في صعيد مصر، ولا يخفى أنه منذ أعوام قتل أكثر من عشرين شخصاً من المسلمين في حادثة ثأر لعائلة علام في الصعيد وفي الثأر يعرف استهداف القبيلة أو الطائفة. وإن كنت لا أتهم أحداً حتى الآن، لأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وبعض المتهمين لم يعترفوا بالجريمة. إلا أنني أعتقد أنه يوجد متهم غائب - حاضر يظهر في كل حادثة، كي يستغلها تشويهاً لمصر أو ابتزازاً، وهو المناخ الطائفي الذي زرعه بعض أقباط المهجر، كي يحصدوا أهدافهم الخبيثة، وهو ما ينبغي أن تفهمه وتعيه الأطراف المعنية كلها من حكومة وشعب مسلم ومسيحي حرصاً على السلام الاجتماعي.

والمسلمون يتمنون وقف هذه الجرائم حرصاً على وحدة الوطن وعدم تدخل الغرب بأغراضه الخبيثة. ولكن حتى لا تتكرر الجريمة ينبغي أن يفهم مشعلو الفتنة أن مصر بلد إسلامي، ومحاولات نزعها من هويتها بالمؤامرات الخبيثة مستحيل ومعناه اللعب بالنار.

وكما هو متوقع دخلت بعض دول أوروبية على الخط منددة بالحادث، ومعها منظمات المهجر تمدها بالمعلومات المغلوطة وتحاول تدويل قضية جنائية يحدث أفظع منها في أوروبا ولا يتحرك أحد، وآخرها دخول الفاتيكان الكاثوليكي على الخط، كما جاء في تصريح رئيس المجلس البابوي لوحدة المسيحيين في الفاتيكان، الكاردينال والتر كاسبر، الذي دعا المسيحيين، وهم من الأرثوذكس المخالفين بشدة للكاثوليك، في مصر إلى الاتحاد لمواجهة ما أسماه القمع، وهو تصريح خطير وتدخل سافر، ولكن هذا ما يريده فريق من أقباط المهجر. ويبقى ما قاله الرئيس المصري الراحل أنور السادات عندما أشعل أحد المسيحيين الفتنة في العام 1981 في «الزواية الحمراء»: «ينبغي أن يفهم الجميع أنني رئيس مسلم لدولة مسلمة. نعم، فمصر ينص دستورها على أنها بلد إسلامي والمسلمون يشكلون نحو 95 في المئة من السكان، ومحاولة البعض الاعتماد على نغمة الاضطهاد والابتزاز في أميركا، أو النظر في الجنوب المصري إلى جنوب السودان، هو قمة الغباء بعينه، وهو ما يعني السقوط في الهاوية».

وأخيراً سلمت يا مصر من كل أذى وسوء.



ممدوح إسماعيل

محامٍ وكاتب مصري

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي