No Script

سقوطٌ مريعٌ لليرة واقتحاماتٌ للمَصارف وفرارٌ من الجوع وفقراء.. أكثر

عام 2022 الأسوأ على اقتصاد لبنان.. والآتي أعظم

تصغير
تكبير

طوى لبنان 2022 بمشهديةٍ سوريالية تَقاسَمها «الطبلُ والزمرُ» على الشاشات وفي أماكن السهر بكل عناصر الإبهار والأنوار، مع أنين الوجع والجوع خلف جدران بيوتاتٍ مسكونة بالبؤس والعتمة وكل عوارض... الانهيار.

عامٌ مَرّ بمُرّه، عاشه اللبنانيون بأزماته المتنوّعة التي عمّقتْ نكباتهم المعيشية، فيما لا تشي التوقعاتُ بأن الحال سيكون أفضل في السنة الجديدة التي ترث من 2022 كل «مفخخاتها» السياسية والمالية والنقدية والاجتماعية.

فعلى امتداد السنة الراحلة عانى لبنان المزيد من تداعيات أكبر أزمة إقتصادية ونقدية في تاريخه الحديث، بدأت أولى «شراراتها» تظهر الى العلن منذ أواخر العام 2019. حينها، خرج عدد كبير من اللبنانيين الى الشوارع في «ثورة شعبية» شكل «عود ثقابها» ضريبة تَقَرَّر وضعُها على مكالمات «واتس اب» فيما كان رأس جبل جليد الانهيار المالي بدأ يلوح عن بُعد، إلا أن أحداً من اللبنانيين لم يتوقع أن السقوط سيكون جارفاً على النحو الذي حوّل البلاد وماليتها واقتصادها ومصارفها وعملتها الوطنية... خردة.

وساهم سوء تعاطي السلطات النقدية والسياسية والقرارات الإعتباطية والمنفصلة إلى حد كبير عن الواقع، كما التعنت عن وضع حلول جذرية ضمن خطة اقتصادية إنقاذية وإصلاحية لوقف الانهيار، في إفقار اللبنانيين أكثر لتكون 2022 الأسوأ على الإطلاق بين سنوات الأزمة الثلاث... والآتي أعظم.

في التقرير الآتي تعرض «الراي» أبرز ما آلت إليه الأمور المعيشية والإقتصادية في 2022، إذ عاش اللبنانيون مجموعة واسعة من الأزمات في سياق «العاصفة الكاملة» التي أطْبَقَتْ على بلدهم.

العملة تنهار أكثر فالأزمة النقدية العاتية أدت الى إنهيار قيمة العملة الوطنية مقابل الدولار أكثر. وبعدما كان سعر صرف الدولار مقابل الليرة يوازي 28 ألفاً مع حلول 2022 وصل الى 47 ألف ليرة لبنانية للمرة الأولى مع اقتراب نهاية العام قبل أن يتراجع بنحو 3 آلاف ليرة بفعل تدخل طارئ من مصرف لبنان المركزي.

وشهد لبنان تعدُّداً في أسعار الصرف، وقد عزّزت تعاميم «المركزي» هذه التعددية، وآخِرها التعميم الذي رفع بموجبه (يوم الثلاثاء) سعر دولار منصة صيرفة الى 38 ألف ليرة. علماً أن سعر الصرف الرسمي لا يزال 1506 ليرات للدولار الواحد، لكن قراراً اتُخذ برفعه الى 15 ألف ليرة ابتداء من فبراير المقبل. أما سعر الدولار المصرفي أو ما يُعرف بـ «اللولار» فراوح بين 8 آلاف و12 ألف ليرة مقابل الدولار الواحد خلال هذا العام.

وشهد 2022 انخفاضاً أكثر في الإحتياطي الإلزامي للدولارات لدى مصرف لبنان الى ما دون الـ10 مليارات دولار راهناً.

وفي سابقة فريدة من نوعها، أنجز «المركزي» في نوفمبر عملية التدقيق في موجوداته من الذهب (سبائك ونقود معدنية) وتبيَّن أنها مطابقة للقيود المسجلة في السجلات المحاسبية لمصرف لبنان، علماً أن «بلاد الأرز» تملك نحو 286.5 طناً من الذهب (الثلث مخزَّن في الولايات المتحدة والباقي في مصرف لبنان).

أسعار «مجنونة»

خلال 2022، ارتفعتْ أسعار السلع والخدمات بشكل جنوني، بسبب رفع مصرف لبنان الدعم كلياً عن سلع أساسية مثل المحروقات وهو ما كان له الأثر الأكبر على أسعار غالبية السلع والخدمات، كون المحروقات تدخل في صناعة كثير من السلع وفي الكلفة التشغيلية.

وقد تمّت دولرة أسعار غالبية السلع والخدمات مثل الدواء والاستشفاء كما المحروقات، فيما رواتب اللبنانيين بالليرة فقدت المزيد من قدرتها الشرائية، وتراجعت إلى حد باتت كثير من السلع الأساسية مثل المأكل والمشرب خارجة عن قدرة الكثيرين.

ووصل سعر صفيحة البنزين الى 800 الف ليرة لبنانية أي ما يوازي 20 دولاراً أميركياً، فيما تخطت صفيحة المازوت الـ850 ألف ليرة، الأمر الّذي تسبب بجعل عدد كبير من اللبنانيين والمقيمين من دون تدفئة هذا العام، وخصوصاً أن أسعار حطب التدفئة إرتفعت أيضاً.

وتمّ رفع الدعم كذلك عن الدواء، وباتت أسعاره تتبدل يومياً وفق سعر صرف الدولار، فيما فُقدت أنواع كثيرة من الأدوية من الصيدليات، ناهيك عن ارتفاع الفاتورة الاستشفائية بسبب زيادة أسعار اللوازم والمعدات الطبية والتكلفة التشغيلية، وخصوصاً المحروقات، في المستشفيات. فقراء و... بلا عمل وفق التقديرات الرسمية والدولية الصادرة في منتصف العام فإن أكثر من 80 في المئة من اللبنانيين باتو يعيشون تحت خطّ الفقر.

وارتفعت نسبة البطالة في لبنان الى 38 في المئة بسبب إقفال عدد كبير من المؤسسات السياحية والصناعية والتجارية، وفق ما تؤكده الدولية للمعلومات وهي شركة دراسات وإحصاءات علمية مستقلّة (تأسّست في بيروت عام 1995).

وهذه النسبة قابلة للارتفاع بسبب تعمُّق الأزمة أكثر هذا العام، وخصوصاً مع الحديث عن فرض ضرائب جديدة على العاملين في القطاع الخاص والذين يتقاضون رواتبهم بالدولار، وإقفال عدد كبير من المؤسسات فروعاً لها في لبنان ونقل فريق عملها الى دول أخرى حيث مركزها الرئيسي.

لبنانيون قيد الإقامة الجبرية

عانى لبنانيون كثر أزمة تجديد جوازات سفرهم في 2022، وبات يشعر بعضهم بأنه قيد الإقامة الجبرية، ولا يمكنه مغادرة البلاد حتى لو كان ذاهباً من أجل العمل أو بحثاً عن حياة أكثر أمناً وراحة وفيها مقومات الحياة البسيطة والبديهية مثل السكن والكهرباء والماء. علماً أن المنصة المخصصة لتقديم طلبات الحصول على جوازات جديدة يكون أقرب موعد فيها بعد عام من تاريخ تقديم الطلب.

ويُذكر أنه تمّ رفع رسوم بدل إصدار جوازات السفر لتصبح مليون ليرة لـ5 سنوات ومليونيْن لـ10 سنوات، فيما كانت 600 ألف لـ5 سنوات ومليون و200 ألف لـ10 سنوات سابقاً.

لبنانيون إلى عصر ما قبل الإنترنت

في بداية يوليو زادت أسعار الاتصالات والإنترنت نحو عشرة أضعاف بعدما رفعت السلطات اللبنانية الدعم عن قطاع الإتصالات، وباتت تكلفة تعبئة الإنترنت مكلفة جداً على اللبنانيين. علماً ان جائحة كورونا، ساهمت الى جانب الأزمة الاقتصادية، في تكريس العمل عن بُعد أو الـ «أونلاين» لدى جزء لا يستهان به من اللبنانيين، بسبب فرض التباعد الاجتماعي، وما تلاه من ارتفاع تكلفة التنقل. إلا أن رفع تكلفة الاتصالات والإنترنت فاقم أزمات العاملين عن بُعد، والطلاب ليسوا أفضل حالاً أيضاً.

المصارف في مهبّ الاقتحامات

وخلال هذا العام، نفّذ عدد من اللبنانيين اقتحامات للمصارف في مناطق لبنانية مختلفة، في الجنوب والشمال والبقاع مروراً بالعاصمة بيروت، وذلك بسبب احتجاز أموال المودعين وتقنين سحوباتهم، محاولين بذلك تحرير ودائعهم. وكان العنوان الأساسي لتلك الاقتحامات استرداد الحقوق من أجل تحصيل الاستشفاء والطبابة.

عام بلا كهرباء

شهد لبنان، كما في العام الماضي، تقنين الكهرباء وانقطاعها لأيام طويلة، وهذه أكثر الأزمات استعصاء في تاريخ الجمهورية اللبنانية، والمسبِّب الأول لارتفاع الدين العام في البلاد.

ورغم ذلك، يعيش اللبنانيون بلا كهرباء، وعلى اشتراكات مولدات الأحياء لمن استطاع إليها سبيلاً، وبتكلفة مرتفعة جداً. علماً أن إصلاح هذا القطاع هو أحد مطالب صندوق النقد الدولي لِما يحمله من تأثير على الواقع المعيشي للبنانيين وعلى الاستثمارات وتكاليف الإنتاج.

هجرة وغرق

ومع اشتداد «تسونامي» الأزمات تزايدت أعداد اللبنانيين المهاجرين والمغادرين ولا سيّما الشباب منهم، سعياً لإكمال تعليمهم أو لتحسين ظروفهم الحياتية الصعبة. ووفق تقريرٍ لـ «الدولية للمعلومات» نشر في 11 نوفمبر، وصل عدد المهاجرين والمغادرين منذ بداية العام وحتى منتصف شهر أكتوبر 2022 إلى 42.199 شخصاً مقارنة بـ 65.172 شخصاً للفترة نفسها من العام 2021.

ونشطت الهجرة غير الشرعية للبنانيين والمقيمين، وقد تكررت حوادث غرق المراكب، وكان أكثرها أثراً حادثة غرق المركب قبالة سواحل طرابلس في 23 أبريل وكان على متنه نحو 80 شخصاً نجا منهم نحو 45 وبقي نحو 30 مفقودين إلى أن حددت غواصة مكان وجودهم في قعر البحر (في اغسطس) ولكن من دون القدرة على انتشال جثثهم المتحللة. وقد أرجع الجيش اللبناني سبب الغرق آنذاك، إلى تسرب المياه بسبب ارتفاع الموج وحمولة المركب الزائدة.

الكوليرا ضيف ثقيل

ولم تكْفِ لبنان شرور الأزمات السياسية والمالية، فحلّ الكوليرا ضيفاً ثقيلاً، إذ شهدت بلدات وقرى عديدة لا سيما شمالاً وبقاعاً إصابات كثيرة بهذا الوباء جراء شرب المياه الملوثة وانهيار شبكات الصرف الصحي بشكل كبير وتحديداً في مخيمات النازحين السوريين. ولا تتمكن كثير من العائلات من تأمين المياه النظيفة للشرب بسبب تكلفتها المرتفعة. والأسوأ أنه ثبت لوزارة الصحة اللبنانية أن ثمة مياهاً ملوثة تُستعمل في ري الخضار، ما أثار مخاوف اللبنانيين من تفاقم أزماتهم الصحية أكثر، وباتوا محرومين من الخضار كما حرموا من شراء اللحوم بسبب ارتفاع ثمنها.

نهاية العهد

يُذكر أن عهد الرئيس ميشال عون شهد في 27 اكتوبر توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية الجنوبية بين لبنان واسرائيل بعد أشهر مضنية من المفاوضات التي تمت بوساطة أميركية عبر آموس هوكشتاين. وتعيش البلاد منذ انتهاء ولاية عون في الأول من نوفمبر شغوراً رئاسياً بعدما فشل البرلمان عشر مرات حتى الآن في انتخاب رئيس جديد، في ظل غياب التوافق السياسي، فيما لا تزال حكومة الرئيس نجيب ميقاتي (المستقيلة حُكماً بعد انتخابات مايو النيابية) تقوم بتصريف الأعمال فيما الدعوات الدولية تؤكد ضرورة انتخاب رئيس وتشكيل حكومة بصلاحيات كاملة تضع خطة إصلاحية تنتشل لبنان من الخراب، لأن الواقع الاقتصادي لم يعد يحتمل مماطلة أكثر.

ومع جردة 2022، يمكن القول إن أزمات العام – الكابوس المعيشية والإقتصادية والنقدية ستتفاقم أكثر في السنة الطالعة، وقد تطرأ عليها أزمات جديدة في ظل غياب حلول جدية ومعالجات حقيقية للواقع الكارثي من السلطات النقدية والسياسية في البلاد، فيما يعيش اللبنانيون قلق تحليق سعر صرف الدولار والرقم الذي سيصل إليه في 2023.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي