No Script

سافر إلى ذاتك

كُرة الحلم حقّقت الأحلام

تصغير
تكبير

من التفاصيل الجميلة في مونديال كرة القدم الذي توج قطر كعروس خليجية أظهرت الخليج بأجمل حُلته وأرقى انعكاس له وأفخم تواجد وأعمق أثر هو تسمية الكرة في المباريات الأولية (الرحلة) وفي المباريات النهائية (الحلم)، وهي لفتة مشاعرية عميقة لكأس عالمي فريد من نوعه بكل شيء، بالبقعة المكانية، وفي الفرق المتأهلة، وبالمفاجآت غير المتوقعة، وفي تأهل الفرق غير المرشحة، والكثير من العمق الشعوري الموجود في افتتاح كل مباراة، وفي تفاصيل حكاية مونديال الأحلام.

هذا الذي صنع وغرس وأوجد فكرة أن جميع الأحلام تّتحقق، فحلم قطر الحبيبة تحقق في كونها البقعة الخليجية الأولى في التاريخ التي تنظّم بطولة من هذا النوع ونجحت بهذا الحلم وتميزت في تحقيقه، أما الحلم الآخر فكان حلم الفريق السعودي الذي تحقق في هزيمة بطل الكأس، وهي بطولة بحد ذاتها في أنك منتخب لم تتأهل لكنك تاريخياً هزمت البطل.

أما الحلم المغربي العربي فهو كان ليس مجرد حلم، بل حقيقة تاريخية أخرى وهو تأهل المغرب وحصوله على المركز الرابع في كأس العالم، وهو يُعد المنتخب العربي الوحيد الذي وصل تاريخياً لهذه المكانة.

أما الحلم الذي لخّص لنا الحياة بكل ما فيها فهو حلم ميسي، الذي بدأ بإحباط سعودي وخسارة كافية لأن تهدم أحلامه وتحطم قلبه الذي جاء به بقوة ليأخذ أهم بطولة وإنجاز في حياته، ليضع بعدها النقطة القسرية لبطل كرة القدم الأسطوري في تحقيق كل الألقاب وكل الإنجازات البطولية بهذا المجال، وهو ما يلخّص حياتنا.

نبدأ بحلم نحلم به ونتمسك به ولكن نقع في حفرة أول الرحلة، وهذا ما حدث مع حلم ميسي في خسارته أمام السعودية، ثم نحافظ على هذا الحلم ونسترجع قوانا لنصل للهدف الذي قطعنا مسافات اجتهادية وفكرية ونفسية لتحقيقه.

ويستمر هو وفريقك في القتال ليصل للمباراة النهائية التي هي حكاية أسطورية بحد ذاته مليئة بالمفاجآت غير المتوقعة، تفوز في بدايتها فتظن أنك وصلت لتأتيك مفاجآت تدمر حلمك الذي بينك وبينه دقائق، وبينما تحاول الصعود والتماسك يُهدم الحلم في آخر دقيقة بصدمة جديدة ليبتعد الحلم قليلاً وتظل تتماسك، وهل يستطيع المرء أن يتماسك بعد أن يسقط حلمه للمرة الثانية والثالثة؟

الجواب نعم، إن كان كميسي الذي كافح وقاتل، وقاتل كل مَنْ حوله لأجله لأنه حلمه الذي لطالما تمسك به وتمناه، ثم حصل على هدف قربه من حلمه وأعاد له الثقة واقترب من الكأس لا محالة، لكن المباراة هي كالحياة لها وجهة نظر أخرى في الدقيقة المفصلية القاتلة، ضربة جزاء أنهت كل الأحلام المنشودة، وهذا بدوره كفيل في قتل الحماس وروح القتال والمنافسة لتنتقل المباراة لسيناريو آخر، وهو الركلات الترجيحية التي هي فنياً تفوز بها فرنسا بشكل متوقع أكثر من الارجنتين.

لكن الحلم لم يقتصر على شخص هناك بل حلم معه زملاؤه ليكونوا معه، وهذا ما يلخص أن النجاح لا يمكن ولن يكون يوماً من الأيام فردياً بل هو جماعي، ويحتاج فريقاً يؤمنون بصاحب الحلم، ويثقون في أنفسهم بتحقيق الفوز.

وفعلاً أصرّوا رغم رحلة الخذلان الطويلة التي مروا بها من بداية المونديال إلى آخر دقيقة فيه، لكنهم تمسّكوا بحلمهم وتماسكوا وحققوا فوزهم التاريخي وتُوّج صاحب الحلم تتويجاً فريداً من نوعه ببشت عربي يرمز لعلو المكانة، وكأس ذهبية من بقعة خليجية حلمت حلمها الخاص بتحقيق بطولة فريدة، وتحقق حلم الكثير بهذا المونديال العجيب الذي خط بأحداثه جملة مهمة، أن جميع الأحلام التي نحملها ونستعد لها تتحقق مهما مررت بانكسارات وخذلان فيها.

كرة الحلم في النهائي حققت الحلم.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي