رؤية ورأي

التذبذب الحكومي أمام التغريدات المثيرة للجدل

تصغير
تكبير

من الطبيعي أن يتغيّر تدريجياً مفهوم الحريّات في المجتمعات مع مرور الزمن. ومن المألوف في المجتمعات الراشدة أن يكون هذا التغيّر في مجمله إلى الأفضل، ومن المعهود في المجتمعات الرجعيّة أن يكون هذا التغيّر انزلاقاً إلى مستويات أعمق في مستنقع قمع الحريات. ولكن من الغريب المعيب أن يكون هذا التغيّر متموّجاً أو متذبذباً في وُجهته ومطاطياً أو انتقائياً في تطبيقاته.

الكويت من بين الدول التي تعاني من التذبذب الحاد في مفهوم وتطبيقات الحريات. فمن جانب، الكثير من «مناضلي الحريات الجدد» هم أنفسهم النوّاب الذين شرّعوا بالأمس القريب والبعيد القوانين القمعيّة السارية حتى اليوم.

ومن جانب آخر، العديد من المغرّدين الذين انخرطوا أو انجرفوا مع مبادرات وحملات رفع سقف حرية التعبير عن الرأي، أُحيلوا إلى النيابة العامة، استجابةً لمطالبات واسعة قادها نوّاب ونشطاء سياسيون أصبحوا اليوم «مناضلي الحريّات».

الظاهرة الأخطر في مفهوم حرية التعبير عن الرأي في الكويت، هي الانتقائية والمطاطية المفرطة في تطبيق المفهوم. حيث تتجاهل الحكومة عادة الممارسات «الرمادية» المحاذية لحدود المسموح من حرية التعبير، وقد تتغاضى عن بعض الممارسات «السوداء» المنتهكة تلك الحدود، ولكنها في حالات أخرى تتشدّد بملاحقة ومحاسبة ممارسي حرية التعبير في المنطقة «الرمادية» وأحياناً تلاحق من مارسها في المنطقة «البيضاء» المجاورة للمنطقة «الرمادية».

خطورة هذه الظاهرة تكمن في أنها أشبه بحفيرة أو فخ نُصِبَ لقمع «مناضلي الحريات الحقيقيين»، كالناشطة الحقوقية «أستاذة القانون» في جامعة الكويت، التي حكم عليها بالحبس سنة على خلفية تغريدة، واضطرّت للهجرة إلى الولايات المتحدة الأميركية كلاجئة سياسية.

فدكتورة القانون ما زالت تعتقد أن تغريدتها في المنطقة «البيضاء» ومعادلة لتغريدات كثيرة من غير «مناضلي الحريات الحقيقيين» تجاهلتها قوى قمع الحريات والحكومة تباعاً.

لذلك أدعو نفسي وسائر المنزعجين من التغريدات التي نشرت قبل أيّام قليلة، متضمّنة المساس بالنبي – صلى الله عليه وآله وسلم – وابنته فاطمة الزهراء – عليها السلام –، أدعوهم إلى الحذر من مغبّة اعتبار أن هذه التغريدات نموذج لما هو مسموح من المنظور الحكومي.

فسكوت الحكومة عن هذه التغريدات مشروط بسكوت النوّاب وآخرين. وسكوت الحكومة وإن طال ليس دليلاً على مشروعية التغريدات ولا يعتد به في المحاكم كمبرّر لنشر تغريدات معادلة.

وكذلك أدعو الحكومة إلى تبنّي مفهوم حضاري دستوري لحريّة التعبير عن الرأي، وإلى تحديد العلامات البارزة لحدود المساحة المتاحة لممارسة هذا الحق وفق مفهومها. علامات حدودية ثابتة قواعدها المادة (29) من الدستور التي تنص على أن «الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين».

المراد أنني لا أدعو الحكومة في هذا المقال إلى توسيع أو تضييق مفهومها لحرية التعبير، بل أكتفي هنا بدعوتها إلى الإعلان عن حدود مفهومها لحرية التعبير – بعد الرجوع إلى إدارة الفتوى والتشريع – والالتزام والتقيّد بهذه الحدود بلا تذبذب وبلا تمييز فئوي.

وأما نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي، الذين اطلعوا على التغريدات الماسّة بالنبي وابنته الزهراء، أقول لهم إن قوتنا في وحدتنا الوطنية، وأن هذه الوحدة لا يمكن أن تُحصّن ونحن نتجاهل تموّج وتذبذب الموقف الحكومي تجاه التغريدات المثيرة للجدل، ولا يمكن أن تُرسّخ هذه الوحدة بإثارة قضايا أخرى بزخم كبير لإشغال الناس عن هذه التغريدات، ولا بالاكتفاء باستنكارها من دون شجب التذبذب الحكومي، حرصاً منهم على التستر على تقاعس النوّاب أمام هذا التذبذب...

اللهمّ أرنا الحقّ حقاً وارزقنا اتباعه.

abdnakhi@yahoo.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي