47 عرضاً بـ 20.6 مليار دولار شهدتها المنطقة حتى 8 ديسمبر
الشرق الأوسط ثالث مناطق العالم بالاكتتابات الأولية في 2022
- توظيف غير مسبوق في بنوك الاستثمار وموظفون ينتقلون بعائلاتهم للعيش بالمنطقة لأمد طويل
- حكومة دبي سمحت لرأس المال الخاص بالاستثمار في أغلى المشاريع الاقتصادية
ذكرت مجلة «يوروموني» أن دول الشرق الأوسط كانت على مدى سنوات، تتمنى أن تصبح مصدر الطاقة لأسواق رأس المال، ولكن من دون تحقيق النجاح المطلوب.
وأفادت بأن المنطقة كانت أسوأ أعداء نفسها، إذ أن تحقيق اكتتاب ناجح كان يمكن أن يطلق العنان لاندفاع قوي لعروض اكتتابات مماثلة، الأمر الذي كان ينهك الأسواق ويجبر المستثمرين القلقين على التراجع.
وكانت بعض عروض الاكتتاب مدارة بشكل سيئ في حين واجه بعضها الآخر عقبة الخلفية الاقتصادية الرديئة وأسعار النفط المنخفضة، ولكن يبدو أن تحولاً حدث عام 2022، إذ أنه وبحسب بيانات «ديالوجيك» تم في العام الجاري حتى 8 ديسمبر ما مجموعه 47 عرض اكتتاب أولياً في المنطقة بلغت حصيلته الإجمالية 20.6 مليار دولار، مقارنة بـ42 عرض اكتتاب بقيمة 10.1 مليار دولار تحققت خلال الفترة ذاتها من العامين السابقين.
وبينما كانت إصدارات أسواق المال في معظم الأسواق المتطورة، إما تنخفض أو تتدهور بحدة، كان مسؤولو بنوك الاستثمار في منطقة الخليج يعملون فوق طاقتهم.
وكانت منطقة شمال آسيا في مركز قيادة هذا المنحى بإنجازها لـ478 عرض اكتتاب في السنة المنتهية في 8 ديسمبر بقيمة 86.3 مليار دولار، تلتها أميركا الشمالية التي حققت 22.3 مليار دولار عن طريق 268 إدراجاً جديداً للأسهم، وتبعتها منطقة الشرق الأوسط.
ولكن حقيقة أن الشرق الأوسط كان في مجال المقارنة من حيث حجم رأسمال الأسهم الذي تم جمعه هذا العام مع أكثر أسواق رأس المال عمقاً وسيولة، تدل على أمرين، الأول هو أن أسواق الأسهم الأميركية شهدت عاماً بالغ السوء مع هبوط مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 18 في المئة خلال السنة المنتهية في 8 ديسمبر، والثاني هو أن أسواق الشرق الأوسط شهدت عاماً مزدهراً، وهو أمر جدير بالتمحيص.
عروض جذابة
ومن اللافت أنه ما من صفقة واحدة هيمنت على الترتيب العام لصفقات هذا العام، إذ كان هنالك الكثير من العروض الجذابة من شتى الأحجام، ففي أبريل جمعت هيئة كهرباء ومياه دبي 6.1 مليارات دولار في أضخم عرض اكتتاب في تاريخ الإمارة وثالث أضخم اكتتاب عالمي هذا العام.
ويعتبر رئيس قسم أعمال الاستثمار المصرفية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «غولدمان ساكس»، جاسم الصانع، ذلك الإدراج بمثابة «حدث فارق بالنظر إلى حجمه، وحقيقة أن دبي طبقت ما كنا ندعو إليه تكراراً، وهو أن تسمح الحكومة لرأس المال الخاص بالاستثمار في أغلى المشاريع الاقتصادية».
ولكن الترتيب العام للصفقات لم يتحسن نتيجة صفقة ضخمة مثل عرض الاكتتاب في شركة أرامكو السعودية، قبل 3 أعوام والذي بلغت حصيلته 25.6 مليار دولار، في وقت جرى إنجاز 3 من أضخم 10 عروض اكتتاب في العالم عام 2022 محلياً، 2 منها في الإمارات وواحد في السعودية.
فما الذي تبدل؟ وما هي العوامل الكامنة وراء نشاط الصفقات؟ وهل سيبرهن 2022 على أنه حالة عابرة، أم أن إشارة الانطلاق للعام المقبل أعطيت بحماس لأسواق رأس المال في المنطقة؟
يقول مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «بنك أوف أميركا»، رشاد غفور، إن المنطقة لطالما كانت «عابرة جداً»، وتعتبر مكاناً للكلام لا للفعل، فمن الممكن كما يقول لصندوق ثروة سيادي أن يُدرج أسهم أقلية في شركة تابعة مثل شركة خدمات عامة أو تنقيب، ومن المحتمل أن تتمكن شركة عائلية من بيع أسهم في أصول لم تعد ترى فيها قيمة، وهذه أمور كانت تحدث ولكن بشكل ضئيل، حيث كانت النتيجة أن منظومة أسواق رأس المال باتت ضيقة وضحلة..
وكانت البنوك العالمية تُعيّن موظفين جدداً بشكل تدريجي لأنها كانت تدرك أن الفرص السانحة قصيرة، وأن الفعالية كانت تتخذ طابع الفورات، إذ كان من الصعب التنبؤ بمسار الصفقات.
تحول الموظفين
ولكن تحولاً ما طرأ عام 2022 جعل غفور يعتقد أن «الأمور تبدو مختلفة هذه المرة»، وهو يرى دليلاً على ذلك في المعدل غير المسبوق للتوظيف في مجال بنوك الاستثمار، وإلى ما يرافقه من استعداد للموظفين للانتقال الى المنطقة مع عائلاتهم بل أيضاً للعيش هناك لأمد طويل.
توظيف غير مسبوق في بنوك الاستثمار وموظفون ينتقلون للعيش مع عائلاتهم بالمنطقة لأمد طويل
ففي السابق كان الوافدون الجدد ينتقلون الى الإمارات بهدف العيش هناك لبضع سنوات، أما الآن فيقول غفور إن هنالك موظفين يأتون إلى الإمارات ويخططون للعيش فيها لخمس أو 10 سنوات، وهم لا يأتون من لندن أو موسكو إلى دبي فقط، بل أيضاً إلى أبوظبي وحتى الرياض.
وهنالك أسباب عدة لهذا التحول، وكلها مهمة ومترابطة. السبب الأول هو الخلفية الجيوسياسية، إذ شكل هذا العام صدمة للأسواق المتطورة والنامية على السواء، فقد شهدت الصين عقبات بسبب سياستها الصارمة بخصوص انتشار جائحة «كوفيد 19»، كما أن الغزو الروسي لأوكرانيا أعاد بضربة واحدة رسم خارطة الطاقة العالمية ووضع الاقتصاد الأوروبي على مسار الانكماش في 2023، في حين نفر المستثمرون من الأسواق الناشئة بسبب انخفاض النمو والتضخم.
ولكن ذلك كان منجم ذهب بالنسبة للشرق الأوسط، إذ يتوقع صندوق النقد الدولي ارتفاع الناتج الاقتصادي في بلدان مجلس التعاون الخليجي في 2022 بأكثر من الضعف، أي بواقع 6.5 في المئة، كما أنه يرجح أن يبلغ الإجمالي التراكمي للإيرادات التي ستحققها دول مجلس التعاون تريليون دولار في الأعوام 2022 إلى 2026، وأن تدّخر نحو ثلث تلك الإيرادات.